الجمعة 24 أكتوبر 2014 / 23:49

يا سلمى



فتاتي الجميلة الغامضة .. كيف حالك؟ وكيف حال حياتك ومودك اليومي؟ لقد افتقدت كلامك والحديث اليك، كيف حال غزة الآن؟ لا تنزعجي فكل منا يعيش البؤس بطريقته التي تناسبه، نكتب كل يوم وننادي الداخلية تعبث بالوطن وتتعامل بمراهقة مع الأمور، يا ليتهم يدركون حجم بؤسهم هم أيضاً، لا يعلمون نتيجة تعاملهم مع الطلبة، الطلبة يا عزيزتي مسمار ضروري في نعش هذا الوطن، رأيتهم اليوم يصكون قانوناً بحبس الطلبة في المرحلة قبل الجامعية لأنهم لا يرددون النشيد الوطني باهتمام، هل رأيت بؤساً وعبثاً أكبر من ذلك؟ أعلم أنه لا مكان لمثل هذه القضايا وأنا أرسل لك رسالة أخبرك بأني أشتاق لك، ولكنك سمعتِ عن الشرطة المجتمعية التي وضعوا لها قانوناً؟ سيعاقبوننا علي الحياة. يفعلون ما قام به الإخوان الارهابين بغبائهم، يصنعون جبهة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر بائس أيضاً يدعو للخوف من الوصاية المجتمعية ، يستطيع أن يقبض علي شخص ما لأني أسير بجوارك في شارع بوسط المدينة ولكن لا داعي للحديث عن مثل هذه القضايا الآن.

يا سلمى . ليتك كنت بالقاهرة، كنا تقابلنا صباح كل يوم في مطعم للإفطار الشتوي ونخرج نجوب القاهرة وندخل السينما وتتشابك الأحاديث حتي نتعب، ويذهب كل منا إلي منزله سعيداً ، أنا أحب السينما، وأحب من يحبها، وإذا أحببت شخصاً أريده أن يحضر معي فيلماً جميلاً (تعرفي أن في كل فيلم جميل بتلاقي جملة بتاعتك عشان كده لازم تدوري عليها، وساعتها هتتبسطي بيها قو ).

يا سلمى. أشعر بك الآن وكم البؤس الذي تعانين منه معي، أخبرتك من قبل أن الفتاة التي ترتبط بشاعر أو سياسي معارض أو برسام أنها فتاة بائسة، سيخبرها أنه يحبها وسط الغارات والرصاص وسيجلس معها في لحظة هادئة ورومانسية يخبرها بحجم الفقراء في العالم، وهذا سبب أدعى للتعاطف معك، ولكن صدقيني أنا أتمني الخلود بطريقتي، لا أن ابشر بديانة جديدة أو أن أنشر أفكاراً جديدة تغير العالم، الساذج من يفكر في تغيير العالم، إننا نتكلم عن تغير العالم وهو لا يتغير ولن يتغير، الصيرورة تغيره والحروب فقط، لا قصيدة ولا حكمة ولا عقيدة.

إنهم ينتظرون المخلص لكي يخلصهم، ذلك التافه الذي كون لنفسه حصناً عقائدياً حتي لا ننساه، هو أضعف من أن يظهر، هو لا شيء، وسيظلون في انتظاره ، يعتقدون أنه جودو واثنين في انتظاره ،وهو يجلس بالصالة بجوار صمويل بيكيت يشاهدهم ويضحك، ولكن لا داعي للحديث عن مثل هذه القضايا الآن .

يا سلمى. أنا حقاً أعاني، ولكن الإنسان طفل معلمه الألم، ومن لم يعش حياة غامرة بالآلام لم يجد وقود حياته، هذا ما أقوله لنفسي كل صباح. لا أريد أن أكون عظيماً أو مؤرخاً لحياتي وحياة غيري لأني أكره التأريخ، فإذا أردت أن تؤرخ للكون فلابد أن تكون قوداً لكي تكشط الكلمات السرية من أفخاذ النساء ، ودعيني أبشرك بخبر جميل لك ولي، أننا في انتظار الشتاء وتعلمين أني أحبه مثلما أحبك. الشتاء مثل رجل فرنسي يقبل فتاته علي باب المقهى الليلي . يسير مرتدياً بالطو، رافعاً قبعته منحيناً أمام امرأة جميلة، واضعاً سماعة "ام بي ثري بلير" بأذنه ليسمع فيروز، وينظر للعالم بدهشة، امرأته امرأة شفافة، مثل امرأة السماء ، لم تلمسها يد بعد الله، يسير الشتاء بجوار رصيف يتكأ عليه سور قديم، ينظر تارة للسماء وتارة يغمض عينه ويغني بصوت رخيم وعينه تدمع شجناً. فإذا قرر الشتاء أن يعتلي الأرض ليركب، فليكن بجوار شباك مفتوح زجاجه مكسور ليتنسم هوائه ، لا يعرف من بجواره، سانداً رأسه علي كتفه يتذكر آخر مرة رأى فيها فتاته الأولى قبل أن تغادره كمحطة ترام .

كنت أود أن أخبرك عن قضايا كثيرة مثل وزارة الصحة والسيدة التي ولدت علي الرصيف لأنها لم تجد ثمن الولادة بالمستشفى، ولكن لا داعٍ للحديث عن مثل هذه القضايا الآن .. إلى اللقاء.