السبت 25 أكتوبر 2014 / 14:25

المهنية الزائفة والدفع من الخلف




في الكتابة الصحفية، لا يمكن للكلام أن يقبل القسمة على معنيين، كما هو حال الكتابة الشعرية والأدبية عموما، حيث يمكن للمعنى أن يتدحرج على أرض الفكرة وفي رأس القارئ كما يشتهي له ويريد. ذلك أن الكاتب الصحفي حين يقف أمام قضية أو مناسبة ما لا بد أن يكتب عنها بما يمكن للجميع فهمه والتعاطي معه بدءا من العناوين وانتهاء بآخر مفردة في المتن. ولكن كثيرا ما نجد اليوم كتابة صحفية مقلوبة تقبل القسمة على عشرات المعاني لأنها في النهاية كتابة مدفوعة من الخلف.. الخلف الذي قد يكون مالا أو جهلا أو عاطفة أو شيئا من هذا القبيل.

وعندما ترفع صحيفة شعارات "الحرية، المهنية، الموضوعية، الاستقلالية....الخ" يصبح عليها أن تعكس واقع ما ترفعه، كي لا تبحث فيما بعد عن من يرفعها هي، ليخلصها من حفرة السقوط الأكيد..

قبل أيام، قرأت خبرا في صحيفة "العربي الجديد" (التي لا أريد التحدث عن أسباب نشأتها وأهدافها وما يقف خلف صفحاتها وأسوار هيكلها)، كان عنوان الخبر يتعلق بالإعلان عن القائمة الطويلة للأسماء المرشحة للفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب.. ومعظمها أسماء لها وقعها الكبير في نفوس المثقفين والثقافة العربية.. جاء العنوان "زايد للكتاب.. عباس بيضون وآخرون" .. مساحة عنوان صغيرة تعكس مساحة كبيرة وثقيلة من اللامهنيّة والإسراف في هضم حق الآخر المثقف والسطو على مشروعه عبر إقصائه ومنح الأولوية لسواه..

لا يخفى أن الأمر مرتبط بالضرورة بنكايات ومزاجية يحكمها رأس المال وتطلعاته الواهمة والأهواء الشخصية لدى بعض العاملين في الصحيفة، فقد قرر المسؤولون فيها معاقبة بعض الأسماء الواردة في الخبر باستثنائها نظرا لتوجهاتها السياسية على ما يبدو، ولاعتبارات أخرى رخيصة.. ترى هل يحق لأحد مصادرة الإبداع لأجل غايات بعيدة كل البعد عن جوهر العمل الإبداعي والمهنيّة الصحفية؟

ليست هذه المرة الأولى التي ترتكب فيها الصحيفة خطأ مهنياً واضحاً، وبعد سقطات كثيرة وانكشاف للغاية التي تأسست من أجلها الصحيفة وأمام مثل هذا العنوان العجيب.. يبقى السؤال الآن: هل مثل هذه العناوين تعكس الحد الأدنى من مهنية الصحيفة والشعارات الرنانة التي دعت إليها وادّعتها؟! كيف أعطت لنفسها حق استثناء جميع الأسماء الواردة في الخبر ومنح "العنوان" لاسم واحد.. مع أن الأسماء الواردة لا تقل قيمة أبدا عن الاسم الفائز بعنوان خبر الصحيفة ؟وكيف يمكن الاستهزاء بأسماء ومشاريع شعرية وروائية وأدبية كبيرة لأجل النكاية وتصفية الحسابات مع هذا وذاك ؟ ترى أين هو الزمن العربي الجديد الذي يرفض بالمطلق فكرة تقبّل أي رأي يمس "بعض الجهات" وإن كان رأيا محترما كما حدث مع بعض الكتاب الذين عادت مقالاتهم إليهم بحجة "عدم الملاءمة"! ألم تعلن الصحيفة عن رحابة الصدر وصناعة الزمن الجديد الحر تماما؟!!

في هذا الزمن "الجديد" بدأنا نشتم رائحة المهنية الزائفة والشعارات التي بدأت تتهاوى يوما بعد يوم .. وخبرا بعد خبر .. ومقالا بعد مقال! ولا أجد داع للاستطراد حول هذا الزمن وصحافته.. ولكن وجب التعليق على حادثة أقل ما يمكن وصفها بالمعيبة بحق الوسط الثقافي العربي بأكمله، لنسجل لدى القارئ ما يمكن أن يراه بعين البساطة ليكتشف حجم الرداءة التي قد تغيب عن ناظريه حين ترتدي الصحافة عباءة "العروبة.. أو حب فلسطين...ووووو....." وتخدع القارئ بها وتتحايل عليه.