الخميس 30 أكتوبر 2014 / 00:42

في تونس.. انتصرت الديمقراطية ورائحة الياسمين!



من سيدي بو زيد انطلقت شرارة الثورة التونسية، أو ثورة الياسمين، بعد أن أقدم الشاب محمد بوعزيزي على إضرام النار بنفسه، وما هي إلا أيام حتي عمت التظاهرات والاحتجاجات عموم المدن التونسية، وفر الرئيس زين العابدين هارباً هو وأسرته، وانتصرت أولى ثورات الربيع العربي بأقل الخسائر وبأكثر وأكبر المكاسب، وكما سُرقت الثورة في مصر لاحقاً من الشباب والحركات الشبابية واختطفها الإخوان المسلمون الذين ركبوا الثورة، ووصلوا إلى الحكم بعد تعهدات كاذبة بأنهم ليسوا طامحين له، كان السيناريو التونسي قريباً للمصري، ففي تونس أيضاً كانت المساهمة الكبرى في الثورة هي للقوي العمالية واليسارية والعلمانية، تحديداً الائتلاف الحالي المسمى "الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة"، والذي يضم أحد عشر حزباً وتجمعاً وحركة، الذي حقق في الانتخابات الأخيرة نتائج جيدة بحصوله على 12 مقعداً في البرلمان الجديد.

ومن أبرز نتائج الانتخابات التونسية هزيمة حركة النهضة "إخوان تونس"، هزيمة غير متوقعة، وفوز حزب نداء تونس الذي يرأسه قايد السبسي، رجل النظام السابق، ويضم في إطاره شخصيات أخرى محسوبة علي عهد بن علي، ولكن لماذا حدث ذلك وما هي الخلاصة أو العبرة؟

في تشخيص الأسباب يمكننا القول :

أولاً: أعجبني تعبير الزميل رشيد خشانه في تشخيص الهزيمة القاسية التي تلقتها حركة النهضة بأنها "تصويت عقابي"، وهذا ما حصل في مصر في الانتخابات الرئاسية بين محمد مرسي، واللواء أحمد شفيق، حيث حصل مرسي على أصوات من خارج حركة الإخوان والمتعاطفين معها، نكاية في اللواء شفيق وقتذاك، لكونه كان في نظرهم مرشح نظام مبارك وفلوله، على حد تعبيرهم.
والتونسيون عاقبوا النهضة وحلفاءها، ومن أبرزهم حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي يقوده الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، الذي حصل على 4 مقاعد، بعد أن كان له 11 نائباً في برلمان 2011 عاقبهم التونسيون على شراكتهما أولاً، وعلى فشلهما ثانياً في تنفيذ وعودهما وعلى إخفاقهما في إحداث التنمية الاقتصادية، والتراجع في مساحات الحريات العامة، والعجز عن تثبيت الأمن والاستقرار ولجم قوى التطرف، وكانت المفارقة أن حركة النهضة هُزمت في الأماكن التي تفجرت فيها الثورة في سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والمناطق الفقيرة غربي تونس.

ثانياَ: النتيجة كانت ردة فعل غاضبة على محاولات النهضة والسلفيين "أسلمة" مجتمع اعتاد الحياة المدنية وعززها على مدى أكثر من ستة عقود، وحققت خلالها المرأة على سبيل المثال حقوقاً مدنية وقانونية غير مسبوقة في مجتمعات الشرق الأوسط .

ثالثاً: الحنين إلى العهد الماضي، وهو ما يعكسه التصويت بأغلبية لحزب "نداء تونس" بزعامة الباجي قايد السبسي، وهذا الحنين يمكن تفسيره بأنه رغبة في العودة للاستقرار الأمني والمجتمعي، وليس رغبة في العودة إلى عهد تكميم الأفواه وتقييد الحريات العامة، فالتونسيون يريدون الحرية مع الأمن مع التنمية، ويرفضون أية وصفة تتجاهل أو تهدر عنصر من العناصر الثلاثة المشار إليها .

علينا أن نتجنب النظر إلى تجربة حركة النهضة في تونس من زاوية الشماتة من الإخوان المسلمين، بل المطلوب أن نتعمق أكثر وأكثر في تجارب هذه الجماعة وكيفية فشلها رغم تسترها بالدين في إدارة الدولة الحديثة، وعجزها عن ابتداع برامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية التي تراعي الحالة الحضارية للدولة الحديثة، ومتطلبات حكمها، وفشلها في ترويج شعار "الإسلام هو الحل" الذي بات استخدامه في إدارة الحكم في أي دولة إساءة بالغة للإسلام، لأن الإسلام في نهاية المطاف دين، وليس دولة ولا مشروع سياسياً له .

... في تونس انتصرت الديمقراطية وإرادة الشعب التونسي الواعي الذي رفض التجهيل والظلامية الفكرية، وانتصرت الآن ثورة الياسمين، كما نستطيع الآن القول وبثقة أن الربيع العربي بدأ في تونس، وسُرق، والآن عاد إليها وسيزدهر.

[email protected]