مسلمو بورما (أرشيف)
مسلمو بورما (أرشيف)
الخميس 30 أكتوبر 2014 / 16:48

نيوزويك: إبادة جماعية تهدد مسلمي الروهينغا في بورما

24 - إعداد: ميسون جحا

تناولت مجلة نيوزويك الأمريكية في تحقيق ميداني، الوضع داخل معسكرات خاصة بمسلمي الروهينغا في بورما، الذين يتعرضون لحملة تطهير عرقي، في إقليم أركان، غرب بورما، على يد متطرفين بوذيين، ما يعرضهم ذلك الشكل من الاعتقال القسري، لمزيد من الأخطار.

ويوضح مراسل نيوزويك "عند زيارتي لمعسكر ثين تاو لي شعرت بنذير شؤم، فقد زرت معسكرات لجأ إليها مدنيون هرباً من حروب أهلية، لكنها كانت المرة الأولى التي أقف فيها وسط أشخاص يتعرضون لتطهير عرقي، ويضم المعسكر أكثر من ثلاثة آلاف من مسلمي الروهينغا، الذين هربوا من العنف الطائفي في إقليم أركان البورمي".

اضطهاد منظم
وتشير المجلة إلى تعرض مسلمي الروهينغا، على مدار عقود، لاضطهاد منظم على يد الغالبية الكبرى في البلاد من البوذيين، حيث يشكل المسلمون نسبة ١٥٪ من أصل ٥٠ مليون بورمي، فقد حرم هؤلاء المسلمين من حق الجنسية، وعانوا من السخرة، والاغتصاب والقتل، كما وصفهم تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأنهم "أشد الأقليات تعرضاً للاضطهاد"، وحذر مراقبون آخرون من إبادة جماعية وشيكة".

برنامج إصلاح جذري
وتلفت المجلة إلى أن بورما بدأت عام ٢٠١١، وبعد عقود من الخضوع لحكم عسكري قامع، بتطبيق برنامج إصلاح جذري، أجريت انتخابات، وشكلت حكومة حديدة، وخرجت زعيمة المعارضة آنغ سان سو كاي من إقامتها الجبرية، وبدا، في حينه، أن بورما أخذت تسير على درب الديموقراطية، لكن في العام التالي، اندلع العنف في اقليم أركان المسلم، بين المتعصبين من جماعات بوذية متطرفة تعرف باسم "باغ"، قامت بعمليات قتل متعمدة وتنكيل في أوساط المسلمين في إقليم أراكان، بهدف تهجيرهم عن قراهم ومنازلهم وهدم مساجدهم ومصادرة أوقافهم وممتلكاتهم، وتشرد آنذاك قرابة ٢٠٠ ألف شخص، وقتل ما لا يقل عن ٢٨٠ فرداً، ومنذ ذلك الوقت، تجمد الوضع، وما زال هؤلاء المسلمين عالقون في معسكرات داخلية، ويقبعون عند ضواحي قراهم تحت رحمة مضهديهم.

زيارة المعسكرات
ويضيف مراسل المجلة "من أجل الوصول للمعسكرات، وعددها تسعة، وهي متلاصقة وتضم ٧٥ ألف لاجئ، توجَّب علي المرور عبر نقطة تفتيش وحيدة عند ضواحي سيتوي، عاصمة الإقليم، وعند مركز عبور سكة حديدية، جلس ضابط شرطة، مسلح ببندقية عتيقة، خلف طاولة، وبعد أن دفعتُ رسم الدخول، قادني رجل شرطة آخر، ودخلت المقاطعة الخاصة بالمسلمين، وقد سرت في طريق مليء بالحفر نحو فضاء مفتوح حيث تمركزت المعسكرات. وعلى طول الطريق، مررت بقرى مسلمة امتدت أسواقها نحو الطريق، حيث تجمع الناس، تحت رذاذ المطر، ومن ثم اتجهت نحو ركن فبدت لي أكواخ اللاجئين المغطاة بقطع من المشمع باللونين الأزرق والأخضر، ورأيت منطقة كئيبة من حقول الأرز المغمورة بالمياه، ولم يكن يحمي سكان تلك الأكواخ، من أية عاصفة، سوى سياج أعزل من شجيرات نخيل تناثرت على شاطئ خليج البنغال".

قرية من العصور الوسطى
ويضيف مراسل نيوزويك "من النظرة الأولى لمعسكر ثين تاو لي، تولَّد عندي انطباع بأني أزور قرية من العصور الوسطى، فقد كان المدخل عبارة عن سلسلة من الممرات الطينية الفاصلة بين الأكواخ ذات الأسقف الحديدية، وارتدت بعض النساء الحجاب، فيما لطخت أخريات وجوههن بثاناكا، وهو منتج تجميلي بورمي يصنع من خشب الصندل".

موسم الانفلونزا
ويصف مراسل نيوزويك تلك الأكواخ بكونها "لم تعد أكبر من خيمة تتسع لشخصين، وأن الرياح الموسمية، والأمطار الغزيرة، وقد أضافت معاناة لسكان المخيمات، جاعلة من المستحيل العيش دون بلل".

ويوضح المراسل "خلال دقائق، أحاط بي أطفال عراة، بطون بعضهم منتفخة وشعورهم مبيضة، وهي من علامات سوء التغذية، ويطلق اللاجئون على هذا الرياح الموسمية اسم فصل الانفلونزا، وقد رافقني في جولتي صوت السعال، وقال طبيب التقيته، ولم يرد الإفصاح عن اسمه إن سوء التغذية يشكل أكبر خطر على اللاجئين، وإن أحوالنا أسوأ من حال السجناء، لأن هؤلاء يحصلون على الغذاء، فيما نحن محرومون منه، ولا ندري متى نحصل على الوجبة التالية، ويوجد داخل المخيم عدة حالات من الإسهال والأمراض الجلدية والسل، وتوفي في هذا المخيم ما لا يقل عن عشرين شخصاً عقب إصابتهم بأمراض كان ممكن معالجتها، لكن، رغم وجود العيادة، لا يتوفر لدينا أي دواء".

حكايات أليمة
ويتابع المراسل "في بداية الأمر، كان من السهل علي الاعتقاد بأن هؤلاء اللاجئين نجوا من العنف في مكان آخر، وأنهم باتوا في أمان، لكن ما إن التقيت ببعض اللاجئين حتى تكشفت لي حقيقة الرعب الذي يعيشونه، فقد أُخذْتُ إلى كشك للقاء امرأة ترملت مؤخراً، في العتمة، جلست خي رونيسا، ٢٢ عاماً، فوق حصيرة من إسل الروطان، وقد بدت واهنة وحزينة بزيها الأبيض، التقليدي للحداد، ومحاطة بقريباتها، إذ قصدتْ، قبل يومين، مع زوجها، شام سول أمام، مقهى للإنترنت يقع بجوار المعسكر، لأجل الاتصال بوالد زوجها في ماليزيا وبيما كانوا يتحدثون معه، أحاط رجال شرطة بالمقهى، وأمروا الجميع بالخروج، ومن ثم طلبوا منهم الجلوس على الطريق، ووضع أيديهم على رؤوسهم، ووعدوهم بعدم إيذاء أي منهم، وضم شام سول أمام ابنته ذات الأعوام الأربعة إلى صدره، وعندها طلب منه رجال الشرطة تغطية عينيها كي لا ترى شيئاً، وبعد لحظات وضع شرطي فوهة مسدسه على رأس شام، وأرداه قتيلاً، وما زالت خي رونيسا في حالة صدمة، وتهلوس بعبارة (لم يكن لديه أعداء)".

ترويع سكان المعسكرات
ونقلت المجلة شهادات بعض الناس، حيث قال محمد (٢٨ عاماً)، إن الشرطة البورمية تعمد لترويع السكان بشكل روتيني، وهي تبحث، حسب قوله: "عن أبسط الأسباب، أو الأخطاء، من أجل ملاحقنا وإزعاجنا وإطلاق النار فوق رؤوسنا، أو هم يصوبون رصاصهم مباشرة نحو صدورنا، وأشد ما نخشاه، هو الغارات الليلية، وقد أغار رجال الشرطة، في نفس الوقت الذي قتلوا فيه شام، على معسكر ثين تاو لي، وفتشوا الأكواخ ونهبوها، في غياب سكانها الذين اختبؤا في الحقول".