الخميس 30 أكتوبر 2014 / 21:58

ما الانتماء إلا ضوء كاشف عن الهوية



نهيم ونستفيق ونفيض بوعي يدخلنا مركز الدائرة النبيلة, لا نخرج إلا ومعنا حزمة من ضوء كاشف على الهوية, هذه الورطة الجميلة الأصلية التي تؤسس في داخلنا انتماء صحراوياً أشجاره من أجنحة القلب, وأوراقه من ضلوع مبللة بالدماء الزكية, كلنا يهب ويهيب بمن لديه هذه الألفة التي تتداخل وتتعانق في أحشائها أعشاب القلب لتؤلف وطناً زاهياً باهياً, عالي الشيمة والشكيمة، ناصع الوجه , فصيح اللسان, لغته مأخوذة من وشوشة الموجة, وحصافته من ديق البحر , ونخوته من تقاليد الصحراء الأبية, وبوحه الفصيح الصريح, من تغاريد الطير المحلق عند هامات الرؤوس, المحدق في أفق الكائنات النبيلة, تهيم بوطن ليس ككل الأوطان, وإنما هو شيء من ذلك المنسوخ في الوجدان، القابض على شغاف السماء, ووشائج النجم المتألق في كبد العلا, هذا الوطن الرابض منذ الأزل في تاريخ الأزمان, ومهجة الإنسان, حتى أن أشجاره تأخذ شهيقاً من أنفاس الذين زملوا لوقت بشراشف الغسق, ودثروا أجسادهم من وميض السامقات الباسقات المتألقات وجداً وبراً.

نهيم بسماحة و رجاحة الأرض التي زرعت أعشابها من خيوط الحرير , واشتقت أشجارها من رضاب المدنفين حباً بحبة التراب والتي تساوي في المعنى قطرة الدم.

نهيم بوطن لأنه الحضن والسكن ولأنه جدار الزمن أرخى ظلالاً, وهفهف على الوجنات بخفة الطير ورشاقة النخلة الزاحفة في الفضاء , كأنها الغيمة الندية, هو هذا الوطن هذا المعنى في القصيدة الحقيقية , وما نثرته السحابة عند شفة الأرض, ليكون اللقاء أزلياً كونياً, إنسانيته مثل رقرقة الماء في نحر حسناء كاعب، داعبها الرمش عند طرف سخي بهي.

هذا الوطن المسكون في المعصم والجيد والعنق, قلادة لمعت ببريق الهوى والعشاق, صار خد التوق والأشواق, صار النسق والمساق ,صار الطريق والمساحة المعينة في منازل البحث عن الذات .

هذا الوطن , هذا الزمن المتلاحق في السابق واللاحق , لا يكفي وعاءه حباً , حتى ولو زخت إليه محيطات الكون من غزيرها وهديرها.