من اليمين: رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والرئيس المصري الراحل أنور السادات.(أرشيف)
من اليمين: رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والرئيس المصري الراحل أنور السادات.(أرشيف)
الخميس 21 سبتمبر 2017 / 20:16

نشيد المناضل "شعبان عبد الرحيم" وموّال الوزير "عمرو موسى"

بين الأسباب التي حسمت تردد «السادات» في القبول بالفكرة، أن الوسطاء الذين كانوا يسعون لإقناعه بها كانوا يركزون على أن «مناحيم بيغن».. رجل قوي وجاد إذا ما رغب في العمل

شاءت المصادفة، أن يقام حفل توقيع الجزء الأول من مذكرات عمرو موسى - الأمين العام الأسبق للجامعة العربية - التي صدرت الأسبوع الماضي في كتاب بعنوان "كتَّابيه"، في اليوم نفسه، الذي أقيم فيه - منذ 39 عاماً - حفل توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد اللتين وقّع عليهما - في 17 سبتمبر 1978 - كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، والرئيس المصري أنور السادات، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، واعتبرهما الكثيرون من الساسة والمؤرخين، بداية لمسيرة السلام بين العرب والإسرائيليين، التي لا يعرف أحد - حتى الآن - إلى أين تتجه.. ومتى تتوقف.

والحقيقة أنني لم أكن أتوقع، بعد كل ما نشر من وثائق ومذكرات عن اتفاقيات كامب ديفيد، أن أجد في مذكرات عمرو موسى، جديداً أضيفه إلى ما سبق أن قرأته أو علمته من غيرها.. أو ما يشبع فضولي حول الظروف التي دفعت الرئيس أنور السادات للقيام بمغامرة زيارة القدس المحتلة، إذ لم يكن عمرو موسى - أحد الدبلوماسيين الذين برزت أسماؤهم ضمن فريق التفاوض المصري، خلال الفترة التى بدأت بإعلان الرئيس السادات المفاجئ، فى سياق الخطاب الذي افتتح به الدورة البرلمانية لمجلس الشعب في 9 نوفمبر 1977، أنه على استعداد لكي يذهب إلى آخر العالم، إذا كان من شأن ذلك، أن يجنبه جرح جندي واحد، وانتهت بتوقيع اتفاقيتي كامب ديفيد، فى 17 سبتمبر 1978، ثم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979.

وعلى العكس من هؤلاء، كان عمرو موسى من المغضوب عليهم، من دبلوماسيي وزارة الخارجية المصرية، إذ كان - كما يقول في مذكراته - من المحسوبين آنذاك على إسماعيل فهمي وزير الخارجية الذى اعترض على زيارة السادات للقدس المحتلة، واستقال من موقعه بمجرد الإعلان رسمياً عنها، وهو ما فعله - كذلك - سلفه السفير محمد رياض وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية، للسبب نفسه، مما أثار مناخاً من الشك في أن يستقيل غيرهم من الدبلوماسيين المصريين، وحال دون التنبه إلى أن من بينهم من أصبح يفكر بالمنطق نفسه، الذي قاد السادات للقيام بمغامرته التاريخية، كان من بينهم عمرو موسى، الذي ساد الاعتقاد بين عوام العرب والمصريين، أنه كان ينتمى إلى الصقور الذين عارضوا زيارة القدس، ممن تغنى بموقفهم الفنان "المناضل" شعبان عبد الرحيم بمواله الذي يقول فى مطلعه "أنا باحب عمرو موسى وباكره إسرائيل".

وطبقاً لما يقوله عمرو موسى في مذكراته، فإنه كان قد توصل أثناء مشاركته في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف 1977، إلى القناعة نفسها التى توصل إليها الرئيس السادات الذي لم يكن قد عرفه أو التقى به آنذاك، وأيقن أنه لا جدوى من كل الوساطات التي تجري بين العرب والإسرائيليين سواء تلك التي يقوم بها المسؤولون في الأمم المتحدة، أو التي يقوم بها الدبلوماسيون في الولايات المتحدة، والتي لا يستفيد منها سوى الوسطاء، الذين يحتجزون لأنفسهم القسم الأكبر من كعكة التفاوض، ويعطون بعضاً منها لإسرائيل، فضلاً عما تحققه لنفسها من مكاسب على مائدة التفاوض، وأنه لا سبيل إلا بالتفاوض المباشر مع تل أبيب، وأن الوقت قد حان لكي تخوض الدبلوماسية المصرية معركتها مع إسرائيل وجهاً لوجه كما خاضتها بالسلاح وجهاً لوجه!

وكان إسماعيل فهمي - وزير الخارجية المصري آنذاك، رئيس وفد مصر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة - قد بدأ يشعر بأن الرئيس السادات، يرتب في الخفاء لخطوة غير تقليدية تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، ولم يكن استنتاجه ذاك بعيداً عن الصواب، إذ كان السادات يجري - بالفعل - آنذاك اتصالات مباشرة بالإسرائيليين، عبر وسطاء مغاربة ونمساويين ورومانيين، هي التي مهدت بعد ذلك لزيارة القدس.

وكانت مخاوف إسماعيل فهمي مما قد يفعله السادات وراء الرسالة التي أرسلها من نيويورك إلى القاهرة، يخطر فيها الرئيس بأنه طلب موعداً للقاء الرئيس الأمريكي كارتر، ويسأله توجيهاته بشأن ما قد يجري في هذا اللقاء، وهي رسالة حملها ابن المشير أحمد إسماعيل علي، وكان عضواً في بعثة مصر بالأمم المتحدة، وعاد بالرد، الذي كشف أن كارتر يطالب السادات، بأن يتخذ خطوة يظهر من خلالها جدية في عملية السلام، وبالتالي يعطي الإسرائيليين ثقة، فتمضي المفاوضات خطوات إلى الأمام، كما كشف أن السادات لا يمانع في القيام بهذه الخطوة.. وهو ما استقر في ظن إسماعيل فهمي الذي ما كاد يتلقى رد السادات، حتى قال للرسول: يبدو أن الرئيس سيقدم تنازلاً جديداً للإسرائيليين والأمريكان.. وإذ حدث ذلك فسأستقيل.

وكان إسماعيل فهمي يعتقد أن التنازل الذى يطالب به كارتر، والذي لا يعارض السادات في تقديمه، هو من نوع التنازل الذي قدمه عام 1975، حين وافق على فتح قناة السويس للملاحة، من دون أن تنسحب إسرائيل انسحاباً نهائياً من سيناء.

تلك هي المرحلة التي يجزم عمرو موسى بأن التفكير في تداعياتها، هو الذي قاد السادات إلى القبول بفكرة التفاوض المباشر مع الإسرائيليين، كما قاده - في التوقيت نفسه تقريباً ومن دون اتفاق مسبق - إلى الفكرة نفسها، وهو يذهب إلى أنه من بين الأسباب التي حسمت تردد السادات في القبول بالفكرة، أن الوسطاء الذين كانوا يسعون لإقناعه بها، ومنهم الرئيس الروماني نيكولا شاو سسكو كانوا يركزون على أن رئيس الوزراء الإسرائلي مناحيم بيغن رجل قوي وجاد إذا ما رغب في العمل. وكانت تلك هي الملاحظة التي استند إليها السادات، لكي يلغي نهائياً دور الوسطاء والسماسرة، ليقوم بمفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، وفي ظنه أنه سيوفر بذلك، ما كانوا يحتجزونه لحسابهم من كعكة السلام.. فإذا بأربعين عاماً تمر على بداية مسيرة السلام، ولا يزال الوسطاء والسماسرة يبحثون عن حل، بينما كف المطرب المناضل شعبان عبد الرحيم عن إنشاد موال "أنا باكره إسرائيل/ وبقولها لو اتسأل/ إنشالله أموت قتيل/ أو أخش المعتقل"!