الثلاثاء 9 مارس 2021 / 12:52

لما يجب على إيران كشف ماضيها النووي قبل رفع العقوبات؟

حذر المستشار البارز في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" ريتشارد غولدبيرغ الرئيس الأمريكي جو بايدن من تكرار خطأ إدارة أوباما عند تفاوضها مع إيران، وذلك بالتزامن مع إعلان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي أن طهران كذبت على المفتشين الأمميين حول وجود مواد ومنشآت نووية لم تصرح بها، في تطور مقلق يرتبط بتحقيقات في سلوك إيراني يسبق الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

الصمت على خرق إيران لتعهداتها النووية الأهم في مقابل تطمينات فارغة يؤمنها اتفاق نووي معيب، سيكون خطأ استراتيجياً ضخماً لن تستفيد منه إيران فقط بل أيضاً أنظمة أخرى حول العالم تراقب هذه التطورات

يثير هذا البيان سؤالاً مهماً لإدارة بايدن، هل سيتوجب على إيران تقديم حساب شفاف عن عملها النووي السري الماضي، والحاضر قبل رفع العقوبات عنها؟ إذا كان الجواب لا، فسيكافئ بايدن إيران على خداعها النووي، ويعرض سلامة نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية للخطر، ويضمن مواصلتها السعي لإنتاج الأسلحة النووية على المدى الطويل، كما أوضح غولدبيرغ.

حين أدركت نية أوباما
وكتب المستشار في موقع "ذا ديسباتش" أن إيران عضو في معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، لكن لها سجل طويل في إخفاء نشاطاتها النووية، في خرق لالتزاماتها وفقاً للمعاهدة.

في أواخر 2002، كشفت مجموعة إيرانية معارضة منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم في نطنز، ومنشأة لتصنيع المياه الثقيلة في آراك. وفي 2009، كشفت إدارة أوباما منشأة سرية أخرى لتخصيب اليورانيوم تحت مدينة قم. في الحالتين، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن نشاطاتها النووية فقط بعد كشفها.

وتابع غولدبيرغ مشيراً إلى أن الاتفاق النووي فرض على إيران أن تكشف بطريقة شفافة ماضيها النووي. وذكر الاتفاق أن العقوبات لن تُرفع للسماح بتحويل المنافع الأخرى إلى إيران قبل سماح الأخيرة للمفتشين الأمميين بالتحقيق لمعرفة إذا سعت لا إلى تخصيب اليورانيوم وحسب بل أيضاً إلى بناء سلاح نووي.

ووافقت إيران مدركة أن أوباما وشركاءه الأوروبيين سيعلنون أن الموضوع سُوّي بقطع النظر عن سماحها بتحقيق جدي من عدمه. لكن وبشكل غير مفاجئ، وجد تقرير المفتشين "التباسات" في أجوبة إيران التي منعتهم أيضاً من زيارة منشأة نووية عسكرية قبل أن تنتهي من تنظيفها. ورغم كل ذلك، رفعت أمريكا العقوبات عن إيران وسمحت بوصولها إلى عشرات المليارات من الدولارات بينما أنهى مجلس الأمن حظره على تخصيب إيران اليورانيوم.

النطاق الكامل للخداع النووي
في بداية 2018، عندما كانت واشنطن عضواً في الاتفاق النووي، اخترق الموساد الإسرائيلي منشأة تخزين قرب طهران وسحب أرشيفاً سرياً للأسلحة النووية، أخفته إيران عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال الأكاديميون الذين رأوا جزءاً من الأرشيف إنه تنظيم مذهل لعمل إيران على بناء أسلحة نووية. سجل النظام كل تحركاته بدقة وأرشف هذه التحركات لسبب ما، وفقاً لغولدبيرغ.

وفي سبتمبر(أيلول) 2018، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجود "مستودع نووي سري لتخزين كميات هائلة من التجهيزات والمواد من برنامج إيران النووي السري".

وأظهرت صور تجارية للأقمار الصناعية أن إيران كانت تنقل مستوعبات إلى حي تركوزآباد في طهران قبل تعقيمه.

وفي السنة الموالية، دققت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المنشأة ووجدت آثاراً لمواد نووية غير معلنة مشيرة إلى انتهاك مستمر لمعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.

وفي 2019، كشفت وزارتا الخزانة والتجارة الأمريكيتان أن مؤسس برنامج الأسلحة النووية الإيرانية محسن فخري زاده، الذي قُتل السنة الماضية، قاد منظمة الأبحاث والابتكار في وزارة الدفاع الإيرانية وهي مجموعة عسكرية سرية وظفت علماء أسلحة نووية. وفي ظل هذه التطورات، بدأ التركيز ببطء على حجم الخداع النووي الإيراني الواسع.

وقال المدير العام للوكالة الدولية رافاييل غروسي في الأسبوع الماضي، إن وكالته فتشت ثلاث منشآت إضافية لم تعلنها إيران قط، فوجدت آثاراً لمواد نووية في اثنتين منها. قد تكون هذه المنشآت مرتبطة بأخرى في أباده، التي كشفها نتنياهو في 2019. أما الأسئلة المحيطة بمنشأة توركوزآباد، فقال غروسي إن الوكالة "قلقة للغاية من احتمال وجود مواد نووية غير مصرح بها في هذا الموقع غير المعلن، ومن أي مواد نووية مماثلة لم تبلغ إيران عنها".

ثلاث ملاحظات بارزة
تقوض هذه الاكتشافات جوهر الاتفاق النووي، وتفرض تحديات جدية على أي محاولة لإحيائه. أولاً من الواضح الآن أن إيران خدعت الوكالة الدولية في 2015، ولم تقدم أي كشف حقيقي أو كامل عن نشاطاتها النووية غير المعلنة.

ويعني ذلك أن غضُ الطرف عن الخداع النووي حينها لم يؤد إلا إلى المزيد من الخداع، لذلك، يكرر غولدبيرغ مطالبة الإدارة الحالية بتفادي أخطاء الماضي.

ثانياً، تظهر أوجه قصور حرجة في نظام التفتيش بشكل واضح. ويبدو أن الوكالة الدولية لم تعرف أن إيران كانت تخبئ أرشيفاً نووياً قبل أن يسرقه الموساد. ويبدو أيضاً أنها لم تملك أي فكرة عن إنشاء إيران مستودع تخزين سري، ومنشآت نووية غير معلنة قبل أن يكشفها نتانياهو. والأكثر إثارة للقلق هو منع إيران الوكالة من تفتيش منشآتها العسكرية.

ثالثاً، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدقق في انتهاكات بدأت حين كانت واشنطن في الاتفاق النووي.

وعلى عكس تصرفاتها السيئة الأخرى التي تصدرت الأخبار أخيراً مثل تخصيب اليورانيوم، لم يكن الخداع النووي الإيراني، رداً على انسحاب واشنطن من الاتفاق وفرض العقوبات عليها. بل كان انتهاكاً جوهرياً للالتزاماتها النووية بما فيها تلك المرتبطة بمعاهدة الحد من الأسلحة النووية.

حجة وحجة مضادة
أضاف المستشار أن بايدن وضع شرطاً واضحاً ومحدداً للعودة إلى الاتفاق النووي، وهو امتثال إيران الصارم للاتفاق. وبما أن الأخير بُني على أساس تخلي إيران عن طموحاتها النووية وعلى كشف شفاف عن نشاطاتها النووية السرية، فإن على إدارة بايدن أن تطلب من إيران كشف جميع نشاطاتها ومنشآتها وموادها السرية قبل رفع العقوبات، وإلا فسيتشكل ضغط كبير على الرئيس ليشرح مصلحة الأمن القومي الأمريكي في اتفاق نووي يدفع لإيران المليارات من الدولارات، للإبقاء على نشاطاتها النووية العسكرية سرية.

يشدد المدافعون عن الاتفاق النووي أن أرشيف إيران ذو طبيعة تاريخية، بينما التهديد النووي الحاضر مبني على تخصيب اليورانيوم والذي لا يعالجه إلا إحياء الاتفاق النووي.

ويرد غولدبيرغ بأن إخفاق إيران في إعلان نشاطاتها النووية ليس تاريخاً بل انتهاكاً نشطاً لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ولم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة على كشفه باستخدام نظامها للتدقيق.

ويشدد الكاتب على أن الصمت على خرق إيران لتعهداتها النووية الأهم في مقابل تطمينات فارغة يؤمنها اتفاق نووي معيب، سيكون خطأ استراتيجياً ضخماً لن تستفيد منه إيران فقط بل أيضاً أنظمة أخرى حول العالم تراقب هذه التطورات.