الأحد 9 مارس 2014 / 23:54

الملك إبراهيم منصور

يحكي عبده جبير

بدا حماس إبراهيم منصور لأبناء جيله مطلقاً، وبلا تهاون، إلى درجة استعمال العنف ضد من يرى أنهم يلمسون من قريب أو بعيد هذا الأدب المقدس في نظره، لدرجة أنه اعتدى عليَّ بالضرب في منزل الرسام الراحل وليم إسحق، الأمر الذي دفع المناضل محجوب عمر لاستعمال قدراته القتالية وطرحه أرضاً بعيداً عني، وكان في حالة هياج شديد يردد سبعينيات إيه يا أولاد.. مفيش غير الستينيات يا كلاب..

وحين جاء وقت الصلح اكتشفت أنه كان يتصور أنني وراء موجة الكلام عن جيل السبعينيات باعتباره إنجازاً يتجاوز الستينيات وأنني زعيم السبعينيين.

وما يحكيه جبير، على غرابته، يمكنه أن يخبرنا لماذا أطلق عليه الستينيون "حارسهم"؟. الاعتداء على شخص منهم كان جريمة في وجهة نظره. يوماً ما كتب شخص لـ"يعاير" العظيم إبراهيم أصلان بشهادته، ولسوء حظه فوجئ أثناء جلوسه في "ميريت" بإبراهيم منصور يلقنه درساً، وقال له نصاً "جزمة أصلان برقبتك، ولما تتكلم عنه تتكلم باحترام، وهو لا يحتاج شهادات ليكون كاتباً عظيماً". ومحبته لهم بالتأكيد أكسبته نفوذاً وسطوة خياليين عليهم. كان جمال الغيطاني يؤكد دائماً أمامنا أنه يعمل له مليون حساب، وكان يتصل به كثيراً ليستطلع رأيه في مقالات قبل أن ينشرها، كما كان جميع الستينيين يكنُّون له احتراماً عميقاً، بمن فيهم محمد البساطي الذي لم يكن أحد يفلت من "إفيهاته" القاسية".

تعرفت إلى عم إبرايم منصور قبل وفاته بسنوات، في مقهى ريش، ومع اقترابه من صديقي الناشر محمد هاشم اقتربت منه أكثر، وتعلمت ألا أنطق أمامه بكلام "وخلاص" لأنه لم يكن يرحم، وكان ديكتاتوراً فيما يتعلق برأيه، وأكثر من تعرض لديكتاتوريته في أعوامه الأخيرة كان محمد هاشم نفسه. في اعتصام طرد السير الصهيوني، بنقابة المحامين، منح منصور الكلمة لكثيرين، وحينما بدأ هاشم في التحدث قاطعه بانفعال كبير جداً، ساخراً من "الرغي المتواصل" له رغم أنه لم ينطق "كلمتين على بعضهما"، والأخير استسلم، بكل تأكيد، لأنه يعرف جيداً أنه لا شيء يفيد في تلك الحالات.

في إحدى نوبات مرضه ذهبنا لزيارته في منزله بالمعادي، وعزمنا على شاي، ونظراً لحالته تطوعت بالذهاب إلى المطبخ لإعداد الشاي، ثم فوجئت به في قلب المطبخ "يزعق": "هو انت استأذنت قبل ما تيجي هنا؟"، وقبل أن أرد واصل: "وبعدين انت هاتعرف الحاجات منين؟". لم يكن الأمر يحتاج إلى تعليمات، فكل شىء كان واضحاً، ولكنه أكمل: "هنا الشاي، وهنا السكر، ودي الكوبايات، ودي المعالق"، وفي الخارج قال له هاشم إن فلاناً يريد مكالمته، وأبدى منصور عدم رضائه عن تلك المكالمة بهزة من رأسه، ومع هذا تناول التليفون وبدأ يتحدث، وكانت طريقته في الرد تخبرنا ماذا يقوله الطرف الآخر، ويبدو أن المسكين قد قال له كعادة المصريين: "ماتوهمش نفسك"، لأنه ظل يسخر بصوت عال جداً: "مين اللي قاللك إني واهم نفسي؟ أنا مش موهوم. اسمع.. انت اللي قلت ده. أوهم نفسي ازاي يعني؟ هو انتو بتدخلوا في حاجات مش بتاعتكم ليه؟ أنا مش حاسس بالوهم"، وطبعاً اضطر هاشم لانتزاع التليفون منه قبل أن يقضي على الرجل تماماً.

في هذه الأيام تمر ذكرى وفاة حارس جيل الستينيات إبراهيم منصور، كما تمر كل عام، بدون أن ينتبه أحد تقريباً، وبدون حتى أن يتذكره أقرب الناس إليه، والحاجة ماسة فعلاً لاستدعائه، واستدعاء تجربته في تأسيس مجلة "جاليري 68"، ونضاله وقيادته صفوف المثقفين في عدد كبير من المواقف الوطنية.