الجمعة 18 أبريل 2014 / 14:49

24 يواصل فتح الملف: الإخوان تحالفت مع الاستخبارات البريطانية للإطاحة بعبد الناصر وعودة الاحتلال

24 - ميسون خالد

تطرقنا في الحلقة السابقة من سلسلة "العلاقات السرية بين بريطانيا والإخوان" إلى تعاون المملكة المتحدة مع المرشد الجديد للجماعة، الهضيبي، بعد اغتيال حسن البنا، فيما كان يجري إعلام رئيس مصر آنذاك، جمال عبد الناصر، بتفاصيل هذه الاجتماعات، بما تماشى مع سياسة بريطانيا "المزدوجة"، بينما جرت محاولات لاغتياله من قِبَل الجماعة.

كان السير إيفون كيركباتريك، يخشى في سبتمبر (أيلول) 1956، أن استيلاء عبد الناصر على قناة السويس سوف "ينهي المقاومة المصرية"، ومن المحتمل أنه كان يعني بذلك الإخوان المسلمين، ومن المؤكد أن المسؤولين البريطانيين كانوا يرصدون بحذر نشاطات جماعة الإخوان المعادية لنظام الحكم، وأقروا بأنها كانت ترقى إلى درجة التحدي الخطير لعبد الناصر

كانت بريطانيا على استعداد تام للتآمر سراً مع قوىً إسلامية في إيران ومصر، مستغلةً إياهم لغايات إمبريالية باعتبارهم "جزءاً من ترسانة أسلحتها في العمل السري"، إلا أن هذه الجماعات لم تكن تُعتبر حلفاء استراتيجيين، بل على النقيض عُرفوا باعتبارهم "معادين معلنين للبريطانيين"

بحلول نهايات عقد الخمسينيات، كانت الولايات المتحدة قد بدأت أيضاً بتمويل جماعة الإخوان، ويُزعم أن المخابرات الأمريكية تبنَّت، بالاشتراك مع شركة النفط الأمريكية أرامكو، استحداث خلية دينية خارج مصر

نجحت جماعة الإخوان، خلال وقت قصير نسبياً، في تأسيس موقف مؤثر في سوريا، إلا أن تأثيرات ذلك لم تكن إيجابيةً بالنسبة للمصالح البريطانية، طالما أنها "لن تفضي إلا للمزيد من الميول الراهنة تجاه القومية والشعور المناهض للغرب"، وبالتالي كانت بريطانيا، مرةً أخرى، تتآمر سراً مع القوى الإسلامية، على غرار سياستها في إيران ومصر، بغية تحقيق هدف محدد وقتها

في هذه الحلقة نورد باقي تفاصيل استراتيجية بريطانيا مع جماعة الإخوان في عصر عبد الناصر، ونسلط الضوء على بداية تحركات الجماعة في سوريا بعد أن بدأ تضييق الخناق عليها في مصر، في أواخر الخمسينيات خصوصاً:

رغم أن الرقابة لا تزال مفروضةً على كثير من الملفات البريطانية حول "أزمة السويس"، إلا أن بعض المعلومات تسربت على مدى السنوات الماضية بخصوص شتى المحاولات البريطانية للإطاحة بعبد الناصر أو قتله، باعتباره مناهضاً للإمبريالية المتمثلة في بريطانيا، ولجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قِبَل المملكة المتحدة.

أسماء وصلات
إحدى المعلومات المُسربة تشير إلى تآمر بريطانيا مع جماعة الإخوان المسلمين في هذا الصدد، حيث يشير الأكاديمي والمؤلف البريطاني ستيفن دوريل إلى أن كلاً من العميل التنفيذي للعمليات الخاصة وعضو البرلمان المحافظ نيل بيلي ماكلين، ورئيس "جماعة السويس" في صفوف أعضاء البرلمان جوليان إمري، ورئيس مركز المخابرات البريطانية في جنيف نورمان ديربيشاير، قاموا باتصال مع جماعة الإخوان في سويسرا، باعتبارهاَ جزءاً من صلاتهم السرية مع المعارضة لعبد الناصر.

 ولم تظهر أبداً أية تفصيلات أخرى حول لقاءات جنيف تلك، ولعل أبرز ما يمكن التكهن به أنها انطوت على محاولة اغتيال، أو إقامة حكومة في المنفى، لتحل محل عبد الناصر بعد حرب السويس.

 إلى ذلك، كان الدبلوماسي، والمفوض الأعلى لبريطانيا في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، السير إيفون كيركباتريك، يخشى في سبتمبر (أيلول) 1956، من أن استيلاء عبد الناصر على قناة السويس سوف "ينهي المعارضة المصرية"، ومن المحتمل أنه كان يعني بذلك الإخوان المسلمين، ومن المؤكد أن المسؤولين البريطانيين كانوا يرصدون بحذر نشاطات جماعة الإخوان المعادية لنظام الحكم، وأقروا بأنها كانت ترقى إلى درجة التحدي الخطير لعبد الناصر.

ومن الأدلة الأخرى على أن البريطانيين كان لهم اتصالات مع التنظيم في أواخر سنة 1955، هي قيام أعضاء من جماعة الإخوان بزيارة الملك فاروق، الذي كان حينها في المنفى في إيطاليا، لاستطلاع تعاونه معهم ضد عبد الناصر، وفقاً لضابط المخابرات الأمريكية السابق روبرت باير.

وفي أغسطس (آب) 1956، كشفت السلطات المصرية عن عصابة تجسس بريطانية في البلاد واعتقلت أربعة بريطانيين، بما فيهم مدير أعمال وكالة الأنباء العربية، واجهة المخابرات البريطانية ومقرها في القاهرة، جيمس سوينبيرن، كما طُرِد اثنان من الدبلوماسيين البريطانيين الضالعين في جمع المعلومات الاستخبارية.

وحسبما يشير الأكاديمي دوريل، فمن الواضح أن أولئك البريطانيين كانوا على اتصال مع "عناصر طلابية ذات ميول دينية"، وساهموا في إثراء فكرة "تشجيع أعمال شغب أصولية من شأنها أن توفر عذراً للتدخل العسكري لحماية أرواح الأوروبيين".

عدوان وإخوان
تحالفت بريطانيا في أكتوبر(تشرين الأول)، من عام 1956، مع فرنسا وإسرائيل، لشن عدوانها على مصر لإسقاط عبد الناصر، ولكنَّ رفضَ الولايات المتحدة مساندة هذا التدخل أوقفَ العدوان إلى حد كبير، فيما كانت بريطانيا تعلم أن الإخوان المسلمين قد يصبحون "المستفيد الأساسي من العدوان وقد يشكلون حكومةً ما بعد عبد الناصر"، وتشير مذكرات السفارة البريطانية إلى أن المسؤولين البريطانيين اعتقدوا أن هذا السيناريو "ممكن" و"محتمل".

ولكن، في ظل تكرار تقييمهم لقدرات القائد الشيعي آية الله كاشاني في إيران ـ والذي أسس فرعاً غير رسمي للإخوان المسلمين في إيران عام 1945- خشي المسؤولون البريطانيون من أن ينجم عن استيلاء الإخوان المسلمين على الحكم "نموذج حكم أكثر تطرفاً" في مصر، كما حدث في إيران، ورغم ذلك لم يمنعهم هذا الأمر من أن يعملوا مع هذه القوى.

وبعد عدة أشهر من الهزيمة التي تلقتها بريطانيا على يد عبد الناصر، في بدايات عام 1957، كان المسؤول الذي قاد الاتصالات البريطانية مع جماعة الإخوان قبل أربع سنوات، تريفور إيفانز، يكتب مذكرات يوصي فيها بأن "زوال نظام عبد الناصر، ينبغي أن يكون هدفنا الأساسي"، وأشار مسؤولون آخرون إلى أن جماعة الإخوان بقيت نشطةً ضد عبد الناصر داخل مصر وخارجها، في الأردن على نحو خاص، التي كانت تُشَنّ منها "حملة دعاية قوية" ضده.

عدو عدوي صديقي
وبالتالي، فقد كانت بريطانيا على استعداد تام للتآمر سراً مع قوىً إسلامية في إيران ومصر، مستغلةً إياهم لغايات إمبريالية باعتبارهم "جزءاً من ترسانة أسلحتها في العمل السري"، إلا أن هذه الجماعات لم تكن تُعتبر حلفاء استراتيجيين، بل على النقيض عُرفوا باعتبارهم "معادين معلنين للبريطانيين"، لذا من المثير للاهتمام أن بريطانيا لجأت للعمل مع هذه القوى وهي تعلم بأنها أشد معاداةً للبريطانيين من أنظمة الحكم التي تسعى الحكومة البريطانية للإطاحة بها.

لكن ما رأته بريطانيا في تلك الجماعات هو قوتها وقدرتها على التأثير في الأحداث، بوصفها "جند تساعد بريطانيا كي تُبقي على شيءٍ من نفوذها في عالم ما بعد الحرب، حيث كانت قوتها في حالة تراجع"، لكن التواطؤ مع هذه القوى سيتكرر في العقود اللاحقة، حتى عندما "أصبح للجماعات الجهادية الإرهابية المُعلنة تأثير في الأحداث".

يُذكَر أنه عندما طرد عبد الناصر الإخوان المسلمين من مصر، خلال إجراءاته الصارمة ضدهم في سنة 1954، انضم إليهم عراقيون هاربون من أنظمة الحكم القومية التي استولت على السلطة في تلك البلاد خلال موجة الاضطرابات، ولم يتوقف الأمر عند الدول العربية فحسب، ففي أوروبا أيضاً بدأ الإخوان المسلمون المنفيون بإقامة شبكات مُشكلين فرعاً دولياً في ميونخ بإدارة سعيد رمضان.

أمريكا تدخل اللعبة
وبحلول نهايات عقد الخمسينيات، كانت الولايات المتحدة قد بدأت أيضاً بتمويل جماعة الإخوان، ويُزعم أن المخابرات الأمريكية تبنَّت، بالاشتراك مع شركة النفط الأمريكية أرامكو، استحداث خلية دينية خارج مصر.

أخذ التصدي الأنجلو- أمريكي للقومية العربية أشكالاً عدة منها مؤامرتان، على الأقل، ما بين 1956 و1957 للإطاحة بحكومات في سوريا، ورغم أنهما لم توضعا موضع التنفيذ، إلا أن التخطيط وراءهما يُظهر رغبة أنجلو- أمريكية للعمل ثانيةً مع جماعة الإخوان المسلمين.

إلى ذلك اشتملت "عملية شرود تيه"، أي الانتشار دون اتساق، على محاولة "تجنيد جماعة الإخوان المسلمين لإحداث قلاقل في البلاد"، حيث كان المسؤولون البريطانيون على دراية تامة بالقوة السياسية المتنامية للجماعة في سوريا، ففي ديسمبر(كانون الأول) 1954، قام السفير البريطاني في دمشق، جون غاردنر، بإعلام وزير الخارجية البريطاني، آنذاك، أنتوني أيدن بـ "المظاهرات الضخمة التي نظمتها جماعة الإخوان في سوريا"، والتي حدثت في أعقاب الإجراءات الصارمة التي قامت بها مصر ضد الحركة.

إخوان سوريا
وأشار مسؤول آخر إلى أن "جماعة الإخوان نجحت، خلال وقت قصير نسبياً، في تأسيس موقف مؤثر في سوريا"، إلا أن تأثيرات ذلك لم تكن إيجابيةً بالنسبة للمصالح البريطانية، طالما أنها "لن تفضي إلا للمزيد من الميول الراهنة تجاه القومية والشعور المناهض للغرب"، وبالتالي كانت بريطانيا، مرةً أخرى، تتآمر سراً مع القوى الإسلامية، على غرار سياستها في إيران ومصر، بغية تحقيق هدف محدد وقتها، غير غافلةٍ عن أنهم ضارين بالمصالح البريطانية طويلة الأجل.

وفيما قامت السلطات السورية بإحباط "عملية شرود"، في أكتوبر (تشرين الأول) 1956، واعتقلت بعض المتآمرين الرئيسيين، استؤنف التآمر البريطاني مع الأمريكيين ضد سوريا، بعد فترة وجيزة من فشل العدوان على مصر.

 وبحلول سبتمبر(أيلول) 1957، قام فريق عمل سري مجتمع في واشنطن بتعميم تقرير يحمل عنوان "الخطة المفضلة"، بسبب قيام الحكومة السورية بتوقيع اتفاقية مساعدة فنية مع الاتحاد السوفيتي، وبتعيين شخصية مؤيدة للشيوعيين رئيساً لهيئة أركان الجيش.

وعلى الرغم من الشكوك إزاء جماعة الإخوان، انطوت هذه الخطة الجديدة مرةً أخرى على إغرائهم وإثارتهم في دمشق، وستكون مشاركتهم عنصراً رئيسياً في استثارة انتفاضة داخلية تمهيداً للإطاحة بالحكومة السورية.

وقد كانت المؤامرة، المدعومة من أعلى المستويات في بريطانيا، تشتمل على تسليح "فصائل سياسية بإمكانات شبه عسكرية أو غيرها من إمكانات العمل المباشر في السياسة"، والتي من المرجح أن تكون قد اشتملت على الإخوان المسلمين.

في الحلقة القادمة نتابع نهوض جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، و بدايات سعيهم إلى "أسلمة" مصر، في عهد السادات.

اقرأ أيضاً:
24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 1)

24 يفتح ملف العلاقات السرية بين الاستخبارات البريطانية والإخوان (الحلقة 2)