مسلسل The board (أرشيفية)
مسلسل The board (أرشيفية)
الثلاثاء 13 فبراير 2024 / 17:31

مسلسل "The board" بنوع جديد درامياً دعا للسمّو

انتهى مؤخراً عرض مسلسل "The board" (البورد) الذي قارب بقالبٍ درامي عالم رجال الأعمال والمال، ضمن شركة متحدة تجعلهم أقوياء اقتصادياً، وكان صراعهم فيما بينهم للسيطرة على قيادة بعضهم بعضاً ديدنُ هذه الشراكة الأول والأخير. تم عرضه على منصة أمازون، والمسلسل من تأليف وإنتاج وإخراج السوري هوزان عكو.

مقاربة منطقية

يبدو "The board" الذي جاء فقط بـ (10) حلقات، للوهلة الأولى نخبوياً وبعيداً عن اهتمامات المشاهدين، إذ أن هذا الصراع بين رجال المال والأعمال لا نلمس تأثيره على حياة الناس واهتماماتهم، لكن شيئاً فشيئاً تتجلى بعض الخيوط الدرامية التي تطرح مسائل اجتماعية وأخلاقية هامة، في مقدمتها مسألة التحرّش بالمرأة الصحفية(مي/ روزينا لاذقاني)، ومن ثم الموقف الضدي من العمل القيادي للمرأة التي تسلمت منصب المدير التنفيذي للشركة (ندين تحسين بك)، وقد وفق المسلسل في مقاربتهما بشكل منطقي بعيداً عن الانفعالية. فشاهدنا كيف كان أحد رجالات الأعمال (رابح/ باسم ياخور) يدعم المديرة التنفيذية بدعم قراراتها وتسريب بعض الملفات لها لتتصدى لمن يقف ضد إدارتها وضدها كشخص، وهذه الممانعة كان يمثّلها رجل مال (بلال/ كرم الشعراني) سلوكه ولباسه ومفرداته تمثل التيار الديني المتطرّف، وقد جاهد أن تفشل المديرة لأنه ضد أن تتولى امرأة إدارة الرجال.

تألق وتأنّق

نسج الكاتب الصراع الدرامي بين شخصيات رجال المال والبزنس من خفايا تحالفاتهم وخياناتهم، فداخل كل شراكة ثلاثة أو أربعة رجال مال، ثمة من يتعاون لصالح مجموعة منافسة، سواء كان من أصحاب المال أو مدراء أقسام متعددة، أو ولاء لشخص خارج الشركة، وبذلك بنى الكاتب أيضاً عناصر التشويق لعمله ومحفزّات المشاهدة لدى المشاهدين، وتالياً استطاع إنجاز عمل جديد بموضوعه في عالم الدراما العربية من دون أن ينسى كتابة حوار شخصياته بلغة خاصة بها، منحها نكهتها كرجال بزنس.

وهذا النوع من الدراما يحتاج لفريق عمل مميز اختاره المخرج بتأنٍ من أجيال عدة من الممثلات والممثلين تألقوا في أداء الأبعاد الفكرية والفنية والشعورية لشخصياتهم وتأنّقوا أيضاً، وفق المساحة الزمنية المخصصة لكل شخصية. جسّد الشخصيات ممثلون أغلبهم من سوريا بمشاركة إماراتية ولبنانية وفلسطينية ( سلوم حداد، باسم ياخور، ندين تحسين بيك، خالد القيش، جلال شموط، روزينا لاذقاني، نادين خوري، عبدو شاهين، كرم الشعراني، جوان الخضر، وائل أبو غزالة، محمد خير الجراح، شادي الصفدي، خليفة البحري، عبد الله بن سعيد، دياموند بوعبود، فادي أبي سمرا، إيهاب شعبان، ترف التقي، ديمة الجندي).

مهارة فائقة

والمشاهد المدقق لعمل كهذا يعرف أن رجال الأعمال والمال عامة يحكمهم منطق رأس المال لا العواطف، إذاً كيف دفع الكاتب أحدهم إلى تبني قضايا تخص المرأة، سواء كان فيما يخص الدفاع عنها في مسألة التحرّش التي تتعرض لها في أجواء عمل هؤلاء الرجال، أو في تبني مسألة هامة أيضاً وهي ترؤسها لمنصب المدير التنفيذي في مجلس لا يحكمه عادة غير الرجال، وتعرضت للمحاربة من قبل التيار الديني المتشدد الذي يمثله في " البورد" شخصية " بلال / كرم الشعراني" ومن خلفه أيضاً مديره الخفي " فادي أبي سمرا"؟.

وقد يبدو ما سعى إليه الكاتب متناقضاً أكثر مع منطق رأس المال، إذا ما أضفنا مسألة دفاع (رابح) أحد عتاة مجلس البورد عن الشباب والمشاريع الصغيرة لأن توجهه بالاستثمار بالأشخاص وبالعقول الشابة، فيمنحها تالياً فرصة الدعم المالي والتبني للنهوض أكثر فأكثر، لا استغلال قلّة تجربتهم وسرقة مشاريعهم، كما فعلت شخصية بلال.

ما يدفعنا للتساؤل هل يبدو هذا المنطق الذي شاهدناه فيه هذه العشرية يتطابق مع ما يفعله الشاعر بمدحه لسلطان جائر؟ والذي فسّره لنا ذات يوم الناقد الأدبي السوري حنّا عبّود بأن الشاعر يمدح السلطان الجائر بما يشتهي أن يكون عليه هذا السلطان، لا بصورته الواقعية المنبوذة. فإن صح هذا التحليل فهذا ما يمكن أن نحسبه مهارة فائقة للكاتب السوري هزوان عكو، فنسج دراما بالصورة التي أراد لها أن تكون عليه رجال المال والأعمال، من خلال أبرز شخصية وهي " ربحي افرنجي/ باسم ياخور"، حتى لا يزداد الخراب الذي نحن فيه، وبذلك يحقق رسالة الفن ألا وهي السمّو بأفعالنا كبشر.

اختراق أمني

رغم كل ما سبق لا يمكننا إغفال بعض الأخطاء التي ارتكبها الكاتب - المخرج، إذ ليس من صالح أي فندق سواء في الإمارات مكان تصوير المسلسل أو في بلد آخر، أن يتم عرض اختراق أمن الفندق بالدخول إلى غرفة أحد النزلاء ببطاقة خاصة ممغنطة من دون علم قسم الاستقبال فيه ومن دون الانتباه لما تسجله كاميرات المراقبة، خاصة أن الاختراق تم أكثر من مرة، ويتضاعف ذلك الخطأ عندما ألقى بوليس المدينة على النزيل " سام/ إيهاب شعبان" بحجة تعاطي المخدرات التي كانت في حوزته بكمية لا تقل عن 100 غرام، من دون عودة البوليس لما سجلته الكاميرات لمعرفة من يتعامل معه، فالتحقيق معه يقتضي بداهة بمثل هذا الإجراء الذي أغفله الكاتب لئلا يكتشف ذلك الاختراق من قبل رجال أحد شركاء (cbs ) لمعاقبة شخص يساهم بتخفيض أسعار أسهم الشركة. فهذا الخطأ المضاعف ضرب بسمعة أمن الفنادق وبسمعة البوليس، ولا يقع به حتى كاتب مبتدئ !
كما عانى السيناريو من ضعف، تجسّد بأن حوارات كثيرة كان يمكن لها أن تتم على الهاتف، ولا ضرورة لالتقاء الشخصيات لإخطار بعضها بمسائل يمكن أن نسمعها هاتفياً، فاللقاءات بين الشخصيات هي للحوار وتبادل الآراء. أمّا أكثر ما يثير استغراب المشاهدين منظر لباس الممثل (فادي أبي سمرا) الرجل المستتر الذي هو وراء بلال الذي شاهدنا أمامه آلاف الدولارات لكن المسكين رغم أنه من كبار رجال المال لم يغيّر بدلته الرسمية طوال أحداث المسلسل على خلاف كل شخصياته!