الإثنين 25 مارس 2024 / 16:28

كُتُبٌ مٌبْصِرَةٌ (5ــ 8)

"تحوُّلات الخطاب الإسلامي في أفريقيا".. التَّجْديد ووضوح التّباين   

"تأتينا الكُتُب محمّلة بمعرفة ـ يقينية أو ظنية ــ هي بنات أفكار مؤلفيها، فتأخذنا معها إلى عوالم المتعة، والبحث، والمساءلة أحيانا، ومن خلال البصيرة ـ تدبراً وتأملاً ـ نستحضر معها الماضي، ونعيش معها الحاضر، ونتسابق معها نحو غد واعد، فتبدو لنا الأماكن مفتوحة والزمن ممتدا، حتى لو كانت الكتب متعلقة بقضية واحدة، تنوعت الرؤى حولها، وتعددت طرق البحث فيها، على النحو الذي سنراه في هذه القراءة الرمضانية لثمانية كتب، خاصة بـموقع (24:)

علاقة الأديان بالأماكن، تعطي الأخيرة نوعا من التقدير يصل أحيانا إلى درجة القداسة، ويرتبط ذلك باتساع مساحة انتشار هذا الدين أو ذاك، وقد تتمدد أو تتقلص بناء على حالة القوة أو الضعف، التخلف أو التقدم، التي يعيشها الأتباع، لكن الأهم من هذا كله حاجة البشر إلى وجود معتقد، يعطيهم معنى لحياتهم، ويجيب عن أسئلتهم الوجودية، حتى لو تعلق ذلك بغيبيات قد لا تتحقق.
ومع أن الأديان ـ السماوية تحديدا ـ تتميز بالثبات من ناحية مبادئها الأساسية، وطقوسها وشعائرها، إلا أنها تقابل بتغير مستمر من معتنقيها على مستوى الأفعال، آتٍ ـ في الغالب ـ من نوع التفكير السائد في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري من جهة، والتأثير والتأثر من جهة ثانية.
عمليّا، فإن ذلك يرتبط بالصيغة الاعتقادية (الإيمانية) التي يقدمها هذا الدين أو ذلك لأتباعه، ولمعتنقي الأديان الأخرى، ولغيرهم (من لا دين لهم)، وما تتسم به من انفتاح أو انغلاق، والتي تظهر المنجز الخطابي، وهو ما نراه بشكل واضح في العالم الإسلامي، وتحديدا في التجمعات الأكبر له على المستوى القاري، كما هي الحال في أفريقيا.

الدّين الأفريقي

لتوضيح المسألة السابقة، نقف عند كتاب "تحولات الخطاب الإسلامي في أفريقيا.. من الصوفية الإصلاحية إلى بوكو حرام"، تأليف" د. حمدي عبد الرحمن"، ومن عنوان الكتاب يسترعي انتباهنا "ثنائية السلم والعنف (الإرهاب)، ذلك أن الميراث الديني ـ أقصد الإسلامي ـ في القارة الأفريقية، صوفي من بداياته إلى الآن.
 وقد يعود ذلك، إلى أن الإسلام ساد هناك ـ قناعةً، وتعبّداً، وفعلاً حضاريّاً، وجغرافيةً وتاريخاً ـ من خلال لفهم الصوفي للدين، رغم أن الواقع الأفريقي الراهن ـ كما هو منذ قرون ـ شهد ـ ومايزال ـ تعددا في الأديان والمعتقدات، إلا أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً هناك، حتى أنها وصفت بقارة الإسلام
وعلى هذا الأساس يرى د. حمدي عبد الرحمن: "أن وجود ذلك التنوع في الراهن الأفريقي يُضْفي على دراسة الظاهرة الدينية، وارتباطها بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها القارة أهمية خاصة"(ص7)، وهذا وفق ما اعتبره الكاتب إشكاليات وقضايا التجديد والإصلاح الإسلامي في الواقع الأفريقي، وذلك لأجل طرح رؤية شمولية لفهم بيئة وأنماط الخطاب الإصلاحي والتجديدي عبر المكان والزمان، سواء أكان خطايا صوفيا مسالما، أو ثوريا عنيفا ـ تحول إلى إرهاب أحيانا ـ ومن ذلك الخطاب الذي تبنته جماعات إسلامية مثل بوكو حرام، والشباب المجاهدين، وهذا من خلال طرح جملة من التساؤلات أبرزها:
ــ ما هي حقيقة الأسباب والدوافع التي تفسر ظهور الخطاب التجديدي في دول أفريقية كثيرة؟
ــ ما هي أنماط هذا الخطاب وتنويعاته الفكرية والمعرفيّة؟
ــ ما هي أهم الأطروحات التي يطرحها كل خطاب على حدة؟، وهل ثمة رؤى مشتركة؟
ــ كيف استجاب الخطاب الإسلامي لتحديات مشروع الحداثة الغربي من جهة، ولواقع التخلف والتبعية التي تعيشها المجتمعات الأفريقية من جهة ثانية؟

أيديولوجيَّات مُنافسة

تلك الأسئلة جاءت إجاباتها في تسعة فصول تضمنها الكتاب، تناول الأول منها الإسلام في أفريقيا من خلال رؤية منهجية وتاريخية، وركز الفصل الثاني على الخطاب الإسلامي ودوافع تجديده، وبحث الفصل الثالث في الخطاب الصوفي المهادن، متخذا من السنغال نموذجا.
واهتم الفصل الرابع بالخطاب السلفي ودور الفعل الصوفي، وبحث الفصل الخامس في خطاب الحركة المهدية في السودان، واهتم الفصل السادس بالخطاب الديني الجهادي من خلال ثلاث أمثلة دالة، هي: إخوان نيجيريا، وبوكو حرام نيجيريا، والشباب المجاهدين في الصومال.
وتناول الفصل السابع خطاب الهوية والتعامل مع الآخر، وذهب الفصل الثامن إلى البحث في خطاب تطبيق الشريعة، في حين بحث الفصل التاسع في خطاب الحداثة وتجديد الخطاب الإسلامي.
وقد انتهي د. حمدي عبد الرحمن إلى جملة من النتائج، يمكن التعويل عليها، حاضرا ومستقبلا لدراسة التطور الخطابي الإسلامي في افريقيا، وهي:
أولا ـ أن دراسة تجارب الإصلاح الديني في أفريقيا الإسلامية تظهر تباينا واضحاً في أنماطها وقضاياها العامة.
ثانيا ـ أن العوامل والمؤثرات المحلية قد تلعب دورا مهما في نجاح أو فشل هذه الحركات نظرا لأهمية التأييد الشعبي والتأثير السياسي.
ثالثا ــ تعاني المجتمعات الإسلامية في أفريقيا من حالة انقسام شديدة، مع وجود تباينات فكرية وأيديولوجية متعارضة أو متنافسة مع حركات الإصلاح الديني، وهذه جعلت من الصعوبة توحيد المسلمين في نسق فكري واحد.
ورغم ذلك، فقد انشغلت تيارات التجديد الإسلامي في أفريقيا لا سيما في القرنين التاسع عشر والعشرين بطرح قضايا عامة انشغلت بها، حددها الكاتب في خمسة ملامح.. مطالعتها من طرف القارئ ضرورية لمعرفة نتائج الدراسة أوّلاً، ولتعميق رؤيته ثانياً، ما يعني أن هذا الكتاب يمثل مرجعا ثريّاً ومهمّاً يمكن التعويل عليه في الحاضر والمستقبل.