عناصر من "كتائب حزب الله" في العراق.
عناصر من "كتائب حزب الله" في العراق.
الأربعاء 27 مارس 2024 / 17:13

لماذا يطارد الفشل أمريكا في العراق؟

قال ريناد منصور، زميل أول ومدير مشروع مبادرة العراق في معهد تشاتهام هاوس البحثي البريطاني، إنه ليس بوسع القوة العسكرية الأمريكية والعقوبات إصلاح السياسة المعيبة في العراق.


وأوضح الباحث في مقاله بموقع مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن واشنطن غير قادرة على اتباع استراتيجية متماسكة والتعامل مع الشبكات والميليشيات التي تشكل الدولة العراقية، مضيفاً أن الافتقار إلى المساءلة في المؤسسات الحكومية يعني أن هذه الميليشيات تخدم مصالح النخب الحاكمة لا رؤسائها الحكوميين أو المؤسسات نفسها.
وأشار الكاتب إلى تزامن تصاعد العنف بالمنطقة مع صعود "محور المقاومة"، وهو شبكة من الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران والتي تضم كتائب حزب الله وحركة حزب الله النجباء وكتائب سيد الشهداء في العراق وسوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وهذه الجماعات راسخة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأيديولوجياً في دولها، وتوحدها معارضتها المشتركة للاحتلال الأجنبي.

 

 


وهاجمت القوات الأمريكية هذه الجماعات في العراق وسوريا واليمن، مما أسفر عن مقتل كبار قادتها وتدمير مراكزها التجارية ومستودعات الأسلحة. كما فرضت واشنطن عقوبات على بنوكها وشركاتها. لكن هذه الضربات والإجراءات العقابية لم تكن ناجحة في تأمين السلام أو الاستقرار. ولم تختف الجماعات التي استهدفتها واشنطن، وإنما ازدهرت، وأصبحت أكثر قوة داخل بلدانها والمنطقة على نطاق أوسع.
وأثبتت واشنطن عجزها عن معالجة المصادر الحقيقية لقوة هذه الجماعات، والتي لا تكمن في البنية التحتية العسكرية وحدها، بل في الهياكل الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط. وتزدهر الجماعات المسلحة في ظل الحكومات الهشة، وتشمل شبكاتها وزراء وبرلمانيين وقضاة وكبار البيروقراطيين ومنظمي المجتمع المدني. ويسمح هذا النفوذ لهذه الجماعات، إلى جانب المؤسسة السياسية الأوسع في هذه البلدان، بالاستفادة من خزائن الدولة والتمتع بالإفلات من العقاب من أي ملاحقة قضائية.

فشل القوة وحدها

وقال الكاتب: "أصبحت الجماعات المسلحة في العراق وسوريا قوية خلال القتال ضد تنظيم داعش، الذي استولى عام 2014 على ثلث العراق وما يقرب من نصف سوريا. وعندما انهار الجيش العراقي الذي دربته ومولته الولايات المتحدة بين عشية وضحاها، انضمت هذه الجماعات إلى قوات الحشد الشعبي التي تم تشكيلها حديثاً، والتي كانت أول مجموعة ترد وتقاوم المزيد من تقدم داعش".
تضم قوات الحشد الشعبي عشرات الجماعات المسلحة من مختلف الأطياف العرقية والطائفية، رغم أن غالبيتها شيعية، ولها أيديولوجيات مختلفة. وقاتلت هذه الجماعات لعدة سنوات في نفس الجانب مع واشنطن لطرد داعش من العراق وسوريا. ولكن بعد النصر على العدو المشترك، انقلبت قوات الولايات المتحدة وقوات الحشد الشعبي ضد بعضها.

 


وسعت واشنطن، خاصة خلال إدارة ترامب، إلى استهداف إيران من خلال مهاجمة حلفائها في المنطقة، وخاصة جماعات قوات الحشد الشعبي في العراق وسوريا. ولتحقيق هذه الغاية، في يناير (كانون الثاني) 2020، قتلت القوات الأمريكية الجنرال في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وزعيم قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

ورم سرطاني

وينقل الكاتب عن مسؤول أمريكي كبير قوله عام 2019 أن الجماعات، بما في ذلك كتائب حزب الله، تشبه "الورم السرطاني الذي يجب استئصاله جراحياً". والخبث المفترض لهذه الجماعات يعني أن الطريقة المفضلة لدى واشنطن للتعامل معها هي العنف دائماً. وظهر ذلك مؤخراً عندما قتلت كتائب حزب الله ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن في 28 يناير (كانون الثاني). وردت الإدارة الأمريكية في 2 فبراير (شباط) بشن غارات جوية على 85 هدفاً في سبعة مواقع في العراق وسوريا. وتم ضرب القواعد ومستودعات الأسلحة، مع مزيد من الضربات على اثنين من قادة كتائب حزب الله في وسط بغداد بعد أيام.
وأدت هذه الهجمات إلى وقف الأعمال العدائية، إذ أعلنت كتائب حزب الله وقف إطلاق النار على الفور، وحذت الجماعات الأخرى حذوها. ولكن، مثل كل مرة، تؤدي الضربات إلى وقف إطلاق النار بشكل دوري دون الحد من تأثير هذه الشبكات أو تؤدي إلى منطقة أكثر استقراراً. فوقف إطلاق النار لا يدوم طويلاً.

ما وراء التفجيرات

واستخدمت الولايات المتحدة أسلحة أخرى لإضعاف نفوذ هذه الجماعات، بما في ذلك العقوبات. وصنفت الخارجية الأمريكية العديد من جماعات وقادة الحشد الشعبي كمنظمات أو أفراد إرهابيين، وأضافت في الجولة الأخيرة، التي أُعلن عنها في يناير (كانون الثاني)، عشرات البنوك والأفراد إلى تلك القائمة. وشمل ذلك شركة الطيران العراقية "فلاي بغداد"، التي كانت على ما يبدو تنقل أصول الحرس الثوري الإيراني.
وحاولت أمريكا استمالة وعزل الجماعات التي تعد أكثر قبولاً، بما في ذلك "جماعات العتبات" التي لا تزال موالية لآية الله العظمى العراقية علي السيستاني، أو حتى "منظمة بدر"، وهي واحدة من أكبر جماعات قوات الحشد الشعبي والأكثر اندماجاً في الحكومة العراقية.
وأثبتت واشنطن استعدادها للعمل مع جماعات الحشد الشعبي التي تعدها أقل تحالفاً مع إيران أو محور المقاومة وتراها أكثر تركيزاً على الدولة العراقية. ولتحقيق هذه الغاية، حاولت الولايات المتحدة حض قادة قوات الحشد الشعبي، بما في ذلك رئيس هيئتها، فالح الفياض، ورئيس منظمة بدر، هادي العامري، على الاندماج في الحكومات والتسويات السياسية في بلديهما.
وسعت واشنطن إلى تحفيز هذه الجماعات من خلال وعدها بتقديم الدعم السياسي لها. وينقل الكاتب عن أحد كبار المسؤولين الأمريكيين في عام 2021 قوله إن بعض الجماعات المرتبطة بقوات الحشد الشعبي في بغداد كانت في وضع أفضل لكونها جزءاً من الحكومة العراقية لأن ذلك سيجعلها أكثر عرضة للمساءلة أمام الدولة، وبالتالي الجمهور.
ومع ذلك، أثبتت واشنطن مراراً وتكراراً أنها غير قادرة على اتباع استراتيجية متماسكة والتعامل مع الشبكات التي تشكل الدولة العراقية. لم يكن عزل الجيد واستهداف السيئ أمراً سهلاً دائماً. فمجرد دمج الميليشيات في الحكومة والأمل في أن تصبح أكثر عرضة للمساءلة لم ينجح. والافتقار إلى المساءلة في المؤسسات الحكومية يعني أن هؤلاء المقاتلين يخدمون مصالح النخب الحاكمة، لا رؤسائهم الحكوميين أو المؤسسات نفسها.

خيار واشنطن

وأشار الكاتب إلى أن هناك حاجة لاتباع نهج أكثر استدامة تجاه هذه الجماعات المسلحة على المدى الطويل. وعلى واشنطن أن تحول نهجها بعيداً عن التركيز فقط على الجماعات المسلحة، وبدلاً من ذلك أن تدرس ملامح التسويات السياسية التي تسمح لهذه الجماعات بالانتشار.
ولفت إلى أن المفتاح لضمان استمرار وقف إطلاق النار، وعدم تفككه وجذب الولايات المتحدة مرة أخرى، هو تعزيز المساءلة. لذا، شدد الكاتب على ضرورة تركيز واشنطن وحلفائها على إصلاح الدول التي يلحق قادتها الضرر بشعوبهم بشكل يومي. فالفساد منتشر في هذه البلدان ويقدم مكافآت مالية وإفلاتاً من العقاب لهؤلاء القادة والجماعات المسلحة الذين استولوا على البيروقراطيات الحكومية.
وأوضح الكاتب أن التحدي الوحيد الذي يواجه هذا النظام ونخبه هو الجمهور الذي يحتج ويطالب بحياة أفضل، مضيفاً أن "المفتاح إذن بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها هو ضمان أن تدعم استراتيجيتهم حركات المجتمع المدني وتجد طريقة للحد من الصراعات اليومية. هذا هو الطريق إلى السلام، وليس الضربات العسكرية".