السبت 20 أبريل 2024 / 21:16

كيف يؤثر التصعيد في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي؟

في مقال له في صحيفة "فايننشال تايمز" يتحدث الاقتصادي الأمريكي البارز محمد العريان عن المخاوف التي تنضوي عليها عملية التصعيد في الشرق الأوسط، مع تواصل تداعيات الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.

وبحسب الاقتصادي ذو الأصول المصرية، يبدو أن خبراء الأمن القومي والمتداولين في الأسواق المالية يختلفون حول ما سيتبع التصعيد الأخير للتوترات بين طهران وتل أبيب.
ويقول الكاتب إن ما يُمكن أن يحدث من سيناريوهات، من الممكن أن يُخلف عواقب وخيمة، ليس فقط على الشرق الأوسط غير المستقر بالفعل، بل أيضاً على رفاهية الاقتصاد العالمي واستقرار نظامه المالي.

الشرق الأوسط الجديد

وفق العريان، كثيراً ما تظهر فكرة "الشرق الأوسط الجديد" في توصيف الوضع بالمنطقة في أعقاب الهجوم الذي شنته إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا بداية هذا الشهر.
ويرجع ذلك إلى الاتفاق على تجاوز "خطوط متعددة" من قبل كلا الطرفين، كما يقول الكتاب.

ولأول مرة في التاريخ، هاجم البلدان بعضهما البعض بشكل مباشر وليس من خلال استخدام الوكلاء والأهداف في بلدان ثالثة.
ووجهت إيران عدداً كبيراً من الصواريخ والطائرات بدون طيار نحو إسرائيل، رداً على الهجوم الإسرائيلي في دمشق الذي أسفر عن مقتل عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين.
وجاء الرد الإسرائيلي يوم الجمعة في أعقاب تحذير صريح من وزير الخارجية الإيراني بأن إيران سترد فوراً حال تعرضها لهجوم مباشر.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن رد فعل الأسواق كان هادئاً نسبياً، كما يشير العريان.

استقرار أسعار النفط

وبدلاً من دراسة العواقب السوقية المترتبة على التصعيد الأخير، والتي تظهر عادة في ارتفاع أسعار النفط، سارع المتداولون إلى تحاشي التحركات الأولية في العديد من الأصول.
ويشمل ذلك النفط، وهو السعر الدولي الأكثر حساسية على الإطلاق، والذي هو اليوم أقل بكثير من المرة الأخيرة التي أغلق فيها، وذلك قبل أن ترد إيران على هجوم دمشق.
وقد فشلت هذه الأسعار أيضًا في الحفاظ على حركتها الأولية الصاعدة بناءً على أخبار الرد الإسرائيلي.
ويرى الكاتب، أن هذا التناقض في وجهات نظر السوق مقابل آراء الخبراء يمكن أن يكون له عواقب تتجاوز بكثير الاستقرار الإقليمي.
ويتعلق الأمر بشكل مباشر بأربعة مواضيع حددها صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع باعتبارها أمور مهمة للرفاهية الاقتصادية العالمية والاستقرار المالي، وهي:
· النمو غير الكافي.
· التضخم الثابت.
· الافتقار إلى مرونة السياسات.
· الضغوط المرتبطة بزيادة التباين الدولي في النتائج الاقتصادية ووضع السياسات.
وفي حين أن الاقتصاد العالمي قادر على التعامل مع الصدمات المؤقتة، فإنه بالفعل هش للغاية بحيث لا يستطيع التعامل مع صدمة اقتصادية جديدة كبيرة، كما يقول العريان.

ضغوط على النظام المالي

ويرى المحلل الاقتصادي أن جولة أخرى من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل من شأنها أن:
· تقوض النمو العالمي المنخفض والهش بالفعل.
· تدفع تضخم السلع إلى الارتفاع في وقت لا يزال فيه تضخم الخدمات مرتفعاً للغاية.
· تفرض مطالب على السلطات المالية والنقدية التي استنفدت بالفعل الكثير من مرونتها السياسية ولديها مساحة عمل محدودة.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الصدمة التضخمية المصحوبة بالركود من شأنها أن تؤدي إلى تضخيم الاختلافات الاقتصادية والمالية التي تفرض بالفعل بعض الضغوط على النظام العالمي.
ويشرح الكاتب ذلك في 4 نقاط:
1- سوف يتضرر اثنان من القوى المحركة للنمو العالمي، وهما الاقتصاد الصيني والأوروبي، نظرا لاعتمادهما الكبير على الطاقة المستوردة.
2- قد يثبت التضخم في الولايات المتحدة أنه أكثر عنادا في وقت كان التقدم المحرز في خفض ضغوط الأسعار مخيبا للآمال بالفعل هذا العام، وبالتالي يعمل كعامل مضاد لتخفيضات أسعار الفائدة المبكرة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
3- سوف يحصل الدولار القوي على المزيد من الارتفاع في قيمته، وهو ما من شأنه أن يقوض التجارة والوساطة المالية.
4- مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية، فإن علاوات المخاطر سوف ترتفع، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض عما كان يمكن أن يكون سائدا في الظروف الطبيعية.

ضرر أخف من ضرر

وتكتسب مثل هذه الاعتبارات أهمية أكبر عندما نأخذ في الاعتبار ما لم يحدث في المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، بحسب الكاتب مشيرا إلى أنه سواء كان ذلك عن قصد أو غير ذلك، لم يلحق أي من الطرفين أضرارا بشرية ومادية كبيرة بالآخر.
كما أن إيران لم تستعن بوكلائها الإقليميين لشن هجوم أكثر شمولاً على إسرائيل. وفي الوقت نفسه، لم تستهدف إسرائيل المواقع النووية الإيرانية في ردها.

كما أنها لم تستسلم للضغوط من أقرب حلفائها، وأبرزها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من أجل درجة أكبر من ضبط النفس ووقف التصعيد.
وكل هذا، بحسب العريان، يشير إلى تحول كبير في الديناميكية بين هذين البلدين، والأهم من ذلك، أن هذا قد تغيّر من وضع مستقر نسبياً (امتناع كل طرف عن شن هجمات مباشرة)، إلى وضع غير مستقر (غير قابل للتنبؤ به)، حيث إن كل جانب لديه المزيد من الأسباب لتصعيد التوترات بشكل أكبر.
ويرى الكاتب أنه ليس هناك شك في أن الجولة الأخيرة من الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل قد تجاوزت العديد من الخطوط وأدت إلى رفع درجة الحرارة الجيوسياسية في المنطقة.
ومع ذلك، تبدو الأسواق طبيعية إلى حد ما، وذلك لأننا "لم نصل بعد إلى نقطة الغليان المتمثلة في وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة في هذه الجولات الانتقامية، وهي النقطة التي قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية ومالية كبيرة".