ريالات إيرانية (أرشيف)
ريالات إيرانية (أرشيف)
الأحد 21 أبريل 2024 / 16:00

الانتخابات الأمريكية تُرخي بثقلها على الريال الإيراني

في 25 مارس (آذار) 2024، وبالتزامن مع احتفال الإيرانيين بعيد النوروز رأس السنة الفارسية، انخفضَ سعر الريال الإيراني في السوق السوداء إلى مستوى قياسي. ورغم تخفيف العقوبات وضخ السيولة، إلا أن الفساد وسوء الإدارة في إيران، فضلاً عن التأثير المشوه للحرس الثوري الإيراني، كلها عوامل تجعل استمرار انخفاض العملة حتمياً.

ويقول د. سعيد قاسمي نجاد، مستشار بارز للاقتصاد الإيراني والمالي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وجناتان سايح، محلل أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات متخصص في الشؤون الإيرانية والنفوذ الإقليمي لطهران في مقال مشترك بموقع "ناشونال إنترست": "تكمن صعوبة تحويل العملات الأجنبية في إيران في تعدد أسعار الصرف. إذ لإيران أسواق عملات موازية ذات أسعار صرف مختلفة، هي السعر الرسمي، وسعر النظام المتكامل لإدارة النقد الأجنبي نيما،الذي يستخدمه البنك المركزي الإيراني للمصدرين والمستوردين، وسعر السوق غير المنظمة أو السوق السوداء، وسعر التحويل سنا، وغيرها. 

وتختلف الأسعار عبر هذه الأسواق اختلافاً كبيراً. على سبيل المثال، في 28 مارس (آذار)  2024، كان سعر الصرف الرسمي للدولار الأمريكي 42.000 ريال، وكان سعر سوق "نيما" 405.527 ريال، وكان سعر السوق السوداء 616.580 ريالاً. وهذا التفاوت الكبير بين هذه الأسعار يُشجِّع على المحسوبية إذ يستفيد الأفراد والمؤسسات بالشراء بأقل سعر في سوقٍ معينة والبيع في سوقٍ أخرى.

وحقق الدولار الأمريكي ارتفاعاً بنسبة 38% مقابل الريال الإيراني في السوق السوداء خلال عام 2022، ثم ارتفعَ ارتفاعاً إضافياً بنسبة 23% في عام 2023. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، ارتفع الدولار بالفعل بنسبة 22% في السوق غير المنظمة.

ويأتي هبوط الريال هذا رغم بعض العوامل الإيجابية. فمنذ 2021، أدَّى تراخي العقوبات والإعفاءات منها إلى إتاحة قدرة أكبر لطهران للوصول إلى احتياطياتها من العملات الصعبة. ومع ذلك، ارتفعَ سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الريال 140% منذ بداية 2021، وحتى اليوم. وفي الوقت ذاته، ارتفعَ سعر صرف الدولار الأمريكي في سوق "نيما"  16% في  2022، و37% في 2023، وارتفع  10% خلال الربع الأول من 2024 وحده.

إن الفجوة التي تبلغ 52% بين سعر الصرف في سوق "نيما" والسوق السوداء غير مستدامة، إذ إن المستثمرين غير راغبين في خسارة نصف قيمة استثماراتهم.

مستقبل الريال الإيراني.

وأشار الباحثان إلى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة تُحدِّد مستقبل الريال الإيراني. أولها دور البنك المركزي الإيراني. فهل سيضخُّ المزيد من العملات الصعبة لضبط سعر الصرف أم سيسمح لقوى السوق بتحديد الأسعار؟ والعامل الثاني هو نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024 واحتمال عودة سياسة الضغط الأقصى في حال فوز الجمهوريين. أما العامل الثالث فيتمثل في الديناميكيات المحيطة بالانتخابات الرئاسية الإيرانية نفسها المقررة في يونيو (حزيران) 2025.
لم تكن ثورة إيران في 1979 دينية وحسب، بل اقتصادية أيضاً. فقد غرسَ الزعيم الخميني أيديولوجية تَشَابَكَ فيها المذهب الشيعي مع الاشتراكية. وعلى مدى القسم الأكبر من تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لخمسة وأربعين عاماً، ظلَّ الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة سيد الموقف، وهناك احتمالات ضئيلة بأن يسمح النظام لقوى السوق وحدها بتحديد قيمة الريال.
ومن المرجح أن تعوق المصالح الشخصية لـ "الحرس الثوري الإيراني" ونفوره من المنافسة طموح البنك المركزي في تحقيق الاستقرار لتقلبات أسعار العملات الأجنبية عن طريق تشجيع الاستثمارات والتجارة الخارجية.
ويشير تاريخ إدارة بايدن إلى قصور الرغبة في ممارسة ضغوط على طهران خلال عام الانتخابات عن طريق فرض العقوبات الحالية. ولكن في الأشهر القليلة المقبلة، من شأن التهديد الأمريكي بالعودة إلى سياسة الضغط الأقصى أن يزيد الطلب على الدولار في السوق الإيرانية ويُقوِّض قيمة الريال.
يشار أنّ آخر مرة انخفض فيها الدولار الأمريكي مقابل الريال الإيراني على مدار عام كامل كانت في عام 2013، وذلك بالتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد. إن سياسة إيران التي أمست على حافة الهاوية بشأن تخصيب اليورانيوم، ودعمها للإرهاب، تجعل رفع العقوبات رسمياً شبه مستحيل، مما يوحي بأن انخفاض الريال سيستمر.
ورغم أن الانتخابات الإيرانية عادةً لا تحرم الرؤساء الحاليين من ولاية ثانية، فالتنافس على خلافة المرشد الأعلى قد يغري منافسي الرئيس إبراهيم رئيسي باستغلال الحملة الانتخابية لتقويضه أو تعزيز آفاقهم المستقبلية.
وفي حين أن الانتخابات قد تدفع رئيسي إلى اللجوء إلى الاحتياطيات الأجنبية لدعم الريال، فإنه ليس من الواضح إلى متى يستطيع الاستمرار في ذلك. ففي نهاية المطاف، لو كان يملك حلاً سهلاً لأزمة العملة الإيرانية، لكان قد نفَّذَه بالفعل. وفي الوقت نفسه، فإن تبادل الاتهامات من شأنه أن يقوِّض الثقة أيضاً.


انهيار الاقتصاد الإيراني

ويُشكِّل الانهيار الاقتصادي الإيراني موضوعاً رئيساً ضمن مظالم المحتجين. فقد كانت الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت في 2017 مؤشراً على هذا التوجه إذ نزل الإيرانيون إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم من تعثر الاقتصاد الإيراني والتضخم المُنفلت.
واستمر هذا النمط حتى 2018 بعدما أدَّت أسعار المواد الغذائية المرتفعة وقانون جديد خاص بالميزانية إلى موجةٍ من الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء الدولة.

وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى الانتفاضات الوطنية عام 2019 التي أبرزت التأثير العميق لتدهور الاقتصاد على عموم الناس، إذ قتلت قوات الأمن نحو 1500 إيراني احتجوا على الارتفاع الحاد في أسعار الوقود. وفي هذه الحالات كلها، أشعلت المظالم الاقتصادية احتجاجات سرعان ما تحولت إلى مظاهرات مناهضة للنظام تُطالِب بإسقاطه.


دعم شعبي

واختتم الباحثان مقالهما بالقول: "رغم خلافات الديمقراطيين والجمهوريين السياسية حول إيران، فهم يرغبون جميعاً في دعم الشعب الإيراني. وربما آن الأوان ليجد الكونغرس توافقاً في الآراء لاستخدام هذه الثغرة لمساعدة الشعب الإيراني، وذلك بالحفاظ على الضغط على الريال آلية لتشجيع الإيرانيين على إسقاط النظام الذي يستغل الوصول إلى العملات الصعبة لتمويل قَمْعه".