الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ (رويترز)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ (رويترز)
الأربعاء 24 أبريل 2024 / 12:51

العلاقة التجارية بين الصين وروسيا أكثر تعقيداً مما تبدو

لفتت الباحثة البارزة في الاقتصادات الجغرافية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أغاث دوماريه إلى أن العلاقات التجارية بين روسيا والصين تبدو، على الورق، هائلة.

قد تصبح هذه المخاوف أكثر حدة في الأشهر المقبلة

ففي 2023، بلغ حجم التجارة بين البلدين 240 مليار دولار، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 26.3% في عام واحد فقط. ومثل هذه الإحصاءات تعطي صدقية لوجهة النظر القائلة إن العاصمتين تتمتعان بصداقة "بلا حدود"، لكن عند التدقيق في عمق البيانات التجارية بين روسيا والصين، سيتم العثور على صورة أكثر تعقيداً.

وكتبت دوماريه في صحيفة "فايننشال تايمز" أنه ليس من المستغرب أن يتعامل ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الصين) وثامن أكبر اقتصاد فيه (روسيا) مع بعضهما البعض، وليس من المستغرب أيضاً أن تتعزز هذه العلاقات التجارية، حيث تدفع العقوبات موسكو إلى إعادة توجيه التجارة بعيداً من أوروبا، نحو آسيا، لكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ما إذا كانت الشركات الصينية قد طورت علاقات مع نظيراتها الروسية بشكل خارج عن المألوف.

أسس هشة

أولاً، يقع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لروسيا بين نظيريه في البرازيل وأستراليا، إن أحجام التبادلات التجارية لروسيا والبرازيل وأستراليا مع الصين متساوية بشكل عام، ولا يكفي هذا لاستنتاج أن العلاقات بين روسيا والصين لا تشكل أي شيء مميز، لكنه يشير على الأقل إلى أن الخطاب حول علاقة خاصة بين البلدين يرتكز على أسس هشة. 

وأضافت الكاتبة أن واردات الصين من روسيا نمت بنسبة 12.7% سنة 2023. مع ذلك، إن معدلات النمو المرتفعة هذه ليست غير عادية في إحصاءات التجارة الصينية.

وسنة 2022 على سبيل المثال، ارتفعت الواردات الصينية من كندا بنسبة 39%، لكن قلة من المراقبين قد تشير إلى أن بكين تقوم بصياغة رابطة خاصة مع أوتاوا.

صورة قد لا ترضي الكرملين

قد يكون من المفيد أكثر النظر إلى مستوى واردات الصين من روسيا لتحديد ما إذا كانت الشركات الصينية تعتمد بشكل غير متناسب على السلع والبضائع الروسية.

وقد لا ترضي الصورة الكرملين: تظل روسيا مورداً صغيراً للشركات الصينية. بلغت قيمة الواردات الصينية من الشركات الروسية 129 مليار دولار السنة الماضية، ولا تمثل سوى 5% من إجمالي الواردات.

بالإضافة إلى ذلك، قد تكون زيادة الصادرات إلى الصين سلاحاً ذا حدين: تعتمد شركات السلع الأساسية الروسية بشكل متزايد على الصين كسوق للتصدير، مما يمنح بكين نفوذاً في مواجهة موسكو.

ما الذي تقوله الصادرات الصينية إلى روسيا؟

من المؤكد بحسب الكاتبة أن الصادرات نمت بنسبة 46.9% في 2023، وهو أعلى معدل بين شركاء الصين التجاريين تلك السنة.

لكن مرة أخرى، عند النظر إلى البيانات من حيث مستويات التجارة، ستبرز صورة مختلفة: فالشركات الصينية تصدّر إلى روسيا بمقدار ما تصدّر إلى هولندا، وهي اقتصاد أصغر بنحو 2.5 مرة من اقتصاد روسيا، إضافةً إلى أنها لا تشترك في حدود طويلة مع الصين.

وتبلغ الصادرات الصينية إلى روسيا 111 مليار دولار، وهي أقل من صادراتها إلى فيتنام.

 بطبيعة الحال، إن الجودة مهمة والصادرات الصينية للأدوات التي ستساعد روسيا في تصنيع المعدات العسكرية لها أهمية حاسمة بالنسبة إلى موسكو. مع ذلك، ليست الشركات الروسية من الزبائن الكبار للشركات الصينية، مما يدل إلى مدى عدم التوازن في العلاقات التجارية بين البلدين.

نظرية اللحاق بالركب

وترى دوماريه أنه وبدلاً من أن تزدهر العلاقات التجارية بين روسيا والصين، ربما تكون في طريقها إلى اللحاق بالركب انطلاقاً من قاعدة منخفضة إلى حد غير طبيعي.

وكانت التجارة بين البلدين غير متطورة حتى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومع عزل العقوبات روسيا عن أوروبا، ليس أمام موسكو خيار سوى اللجوء إلى بكين، مما يؤدي إلى تغذية النمو للحاق بالركب في هذه العملية.
وإذا كانت نظرية اللحاق بالركب صحيحة، فإن التجارة بين روسيا والصين قد تصل إلى سقف محدد قريباً.

وتدعم الأحداث الأخيرة هذا الرأي، فالمفاوضات بشأن خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 2" متوقفة.

بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع سوى عدد قليل من المصافي الصينية معالجة النفط الخام الروسي الغني بالكبريت.

ويشير كلا العاملين إلى أن مبيعات الطاقة الروسية إلى الصين قد تستقر قريباً.

قد تصبح شيئاً من الماضي

وفي الوقت نفسه، توقفت البنوك الصينية شهر مارس (آذار) عن معالجة مبيعات معدات تكنولوجيا المعلومات إلى روسيا، وربما أوقف ذلك نمو صادرات بكين إلى موسكو، لأن معدات تكنولوجيا المعلومات تشكل الجزء الأكبر من المبيعات الصينية إلى روسيا.

وفي الربع الأول من هذه السنة، ظلت صادرات الصين إلى روسيا ثابتة أفقياً على نطاق واسع.

وإن الحذر الظاهر والمتزايد للمؤسسات المالية الصينية من التعامل مع الشركات الروسية يسلط الضوء على المخاوف الصينية المتصاعدة من خطر الوقوع تحت العقوبات الثانوية الأمريكية.

ومع تعزيز واشنطن الآن لتطبيق هذه الإجراءات، قد تصبح هذه المخاوف أكثر حدة في الأشهر المقبلة.

لذلك، إن معدلات النمو المرتفعة جداً للتجارة بين روسيا والصين قد تصبح قريباً شيئاً من الماضي، وربما تتباهى موسكو وبكين بصداقتهما التي لا حدود لها، لكن لا يبدو أن هذا التقارب يمتد إلى المجال التجاري، ختمت دوماريه.