الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي
الأحد 28 أبريل 2024 / 10:05

بين الصين والهند.. أين تقف روسيا؟

أكد وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، أن روسيا لم تضر مطلقاً بمصالح الهند، إذ ترتبط نيودلي وموسكو بمعاهدة صداقة منذ عام 1971، وشراكة استراتيجية خاصة منذ عام 2010.

كانت مبيعات الأسلحة الروسية إلى الهند ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية

ومع ذلك، يجب أن تواجه الهند قريباً بعض الحقائق المريرة بشأن علاقاتها المديدة بروسيا، وفق أنيتا إندير سينغ مواطنة سويدية، وأستاذة مؤسِّسَة لمركز السلام وحل النزاعات في نيودلهي.

الصين التوسعية أكثر أهمية لروسيا

وقالت سينغ في مقالها بموقع "ناشونال إنترست": "لسنوات كانت الصين التوسعية، وليس الهند، تمثل أهمية أكبر للسياسة الخارجية الروسية. وتكمن الإشكالية في ضرورة تصالح الهند مع اعتمادها المديد على روسيا في الحصول على غالبية أسلحتها لتأمين أراضيها ضد الصين".
وكانت مبيعات الأسلحة الروسية إلى الهند ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية، ورغم تعثر عمليات تسليم الأسلحة الروسية منذ غزوها غير القانوني لأوكرانيا، لا يزال أكثر من 60% من القوات الدفاعية الهندية مُجهَّزَة بمعدات عسكرية روسية. ولذا تجد الهند نفسها في موقف حرج، إذ تُعوِّل بشدة على روسيا في مجال الأسلحة، ومنذ عام 2022 في مجال النفط لدعم اقتصادها، بينما تتحالف مع الوجود العسكري الأمريكي في آسيا لصد الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.


علاقة الهند مع روسيا شائكة


وأضافت الكاتبة "لطالما كانت علاقة الهند مع روسيا شائكة. فقد شطبت موسكو وبكين الهند من حساباتهما بسبب دعمها للمفهوم الأمريكي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وانضمامها للحوار الأمني الرباعي مع الولايات المتحدة وحليفتيها اليابان وأستراليا. وتُعدُّ الهند العضو غير المنتسب في الحوار الأمني الرباعي، وهو ليس موجهاً ضد الصين تحديداً. ومع ذلك، فقد نأت الهند بنفسها عن تحالف أوكوس (تحالف أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة). ورغم العلاقة العسكرية طويلة الأمد، فالتاريخ يُظهِر أن روسيا لم تكن ترى الهند شريكها الإستراتيجي الأهم مطلقاً".

 

 


وأوضحت الكاتبة أنه يتعين على الهند مكافحة النفوذ الصيني القوي داخل روسيا. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين القوية اقتصادياً وعسكرياً 17 تريليون دولار أمريكي، بينما تبلغ نفقاتها الدفاعية 232 مليار دولار أمريكي. أما الهند الأضعف اقتصادياً، فيبلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 3 تريليونات دولار أمريكي وستُخصص نحو 75 مليار دولار للدفاع في عام 2025. وارتفع الإنفاق الدفاعي للصين رغم صراعاتها الاقتصادية المستمرة. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين 12,720.2 دولار أمريكي، بينما يبلغ نصيب الفرد في الهند 2,410.9 دولار أمريكي.

 في مواجهة الصين محدودة


وتابعت الكاتبة "لطالما كانت مساعدة روسيا للهند في مواجهة الصين محدودة. فقد جعلت حرب روسيا في أوكرانيا منها شريكاً صغيراً للصين يعوِّل بشدة على بكين اقتصادياً بوصفها مستثمراً ومشترياً للطاقة. والبلدان يتحالفان معاً ضد السيادة الأمريكية العالمية. ولذلك، لا تستطيع الهند أن تُحرِّض روسيا ضد الصين بشراء كميات غير مسبوقة من النفط الروسي. وإنما رَحَّبَت الصين بـ "حياد" الهند بشأن أوكرانيا في الأمم المتحدة لأنه يثير غضب واشنطن".

 

 


ساهم العامل الاقتصادي والتجاري كثيراً في تشكيل العلاقات الصينية الروسية. ولطالما كانت حاجة الصين للغاز والنفط دافعاً للحفاظ على علاقات ودية مع جارتها روسيا، إحدى أكبر منتجي الطاقة في العالم.
ومنذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014، ساعدت الاستثمارات الصينية في روسيا على تجاوز العقوبات التي فرضها الغرب. وبموافقة موسكو، رسخت الصين وجودها الاقتصادي في روسيا وآسيا الوسطى، إذ أقامت خطوط سكك حديدية داخل روسيا وأخرى تربط كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان بالصين.
ورغم الخطاب حول "صداقة راسخة عبر الزمن"، لم تدعم روسيا الهند مطلقاً دون الأخذ بعين الاعتبار علاقتها الخاصة مع الصين. فقد تبنت موسكو موقفاً محايداً عندما اشتبكت القوات الصينية والهندية على حدودهما المشتركة في يونيو (حزيران) 2020. وانحازت موسكو إلى بكين في حرب 1962 الصينية الهندية وقدمت للصين الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي.
ونصحت موسكو نيودلهي أيضاً بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي ترى فيها الهند مسعىً أحادياً لتعزيز مصالح الصين وتهديداً لسيادتها لأنها تمر عبر أراضٍ متنازع عليها تُطالب بها الهند في كشمير المحتلة من باكستان.


الصين وروسيا.. شراكة بلا حدود


ومنذ الرابع من فبراير (شباط) 2022، رسمت العلاقات الاقتصادية والعسكرية القوية شراكة "بلا حدود" بين روسيا والصين، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس شي جين بينغ على علمٍ بأن روسيا على وشك شن أكبر غزو بري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي حين أكد بيانهما المشترك على دعم روسيا الراسخ لموقف بكين بشأن تايوان، فإنه لم يُشِر إلى مطالبات الصين بأراضي الدول المجاورة في بحر الصين الجنوبي أو نزاعها الحدودي مع الهند. وخلال زيارة رسمية إلى نيودلهي في أبريل (نيسان) 2021، أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا هي الدولة الوحيدة "التي تزود الهند بتقنيات دفاعية متطورة". تغير هذا الوضع بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، إذ دفع فشل روسيا في تسليم المعدات العسكرية الموعودة إلى الهند نيودلهي إلى استكشاف خيارات غربية.
ورغم حياد الهند بشأن غزو روسيا لأوكرانيا وعمليات شراء النفط الضخمة التي بادرت بها روسيا على مدار العامين الماضيين، فعلاقاتها بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ظلت ودية.
ولكن مع تهديدات بوتين بشن ضربات نووية، من الممكن أن تؤثر التعقيدات الناتجة عن العقوبات الغربية وتعاون الصين وروسيا تقنياً على الهند وعلاقاتها بالغرب. يخشى الغرب من أن تكون الضربات الصاروخية الروسية على أوكرانيا قد تحققت بمساعدة صينية. فالصين تقدِّم لروسيا مكونات تمكِّن روسيا من تصنيع الأسلحة.
واختتمت الكاتبة مقالها بالقول: "الحقيقة الجلية هي أن الصين القوية اقتصادياً والمتقدمة تكنولوجياً يمكن أن تساعد روسيا أكثر من الهند. إن حديث نيودلهي القديم عن روسيا الحليفة الموثوقة للهند غير واقعي، لأن عيون موسكو تتجه شرقاً نحو بكين".