الإثنين 29 أبريل 2024 / 09:02

أبوظبي تصنع الثقافة

عبدالسلام فاروق - الأهرام

خلال أيام سينطلق معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين بمركز أبوظبي الوطني للمعارض "إدنيك" لمدة أسبوع يبدأ من 29 أبريل (نيسان) حتى 5 مايو (أيار) 2024 تحت شعار: (هنا تُسرد قصص العالم). 

ورغم أن المعرض مستمر منذ انطلاقته الأولى عام 1981، إلا أنه يبدو مختلفاً كثيراً هذا العام. 
فمن القراءة الأولى لحجم الفعاليات والبرامج الثقافية التي سيحفل بها المعرض أستطيع أن أستشف أنه يلقي بكل ثقله ليكون مختلفاً وبراقاً لا على مستوى المعارض السابقة في "أبوظبي" فحسب، بل لينافس نظائره من معارض العالم. ولعل من أبرز وأهم ما يميز معرض هذا العام أن مصر هي ضيفة الشرف له، وأن أديبها العالمي نجيب محفوظ هو شخصية المعرض.
منذ اللحظات الأولى تشارك مصر في كواليس الإعداد والتجهيز لمعرض أبوظبي، كما يتضح من مشاركة رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الدكتور أحمد بهي الدين في المؤتمر الصحافي الذي أقيم في متحف اللوفر أبوظبي، بحضور الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، وسعيد الطنيجي مدير معرض أبوظبي للكتاب مع حشد من الشخصيات الثقافية البارزة.  
المعرض يمثل حدثاً ثقافياً له ثقله ومكانته، واختار الحدث أن يدعم هذا الثقل بشخصية بارزة تعبر عن مكانة الثقافة العربية حول العالم هي شخصية "نجيب محفوظ" أديب نوبل. 
والحق أن الاحتفاء بصاحب الثلاثية الروائية الأشهر لن يقتصر على طرح أعماله الروائية وإقامة الندوات والجلسات الحوارية حول أعماله، بل تم الإعداد لبرنامج ثقافي متكامل سيحتوي على الكثير من الفعاليات، مثل استضافة شخصيات مقربة من نجيب محفوظ، فيما سُمّي بجلسة الحرافيش، للحديث عن ذكرياتهم معه. وسوف تُقدَّم تجربة مرئية متكاملة للتعريف بأديب نوبل تشمل حياة نجيب محفوظ وأعماله بتصميم مُستوحى من قلب الحارة المصرية التي أفرد لها محفوظ الجزء الأعظم من أدبه الروائي.
الكم الهائل للفعاليات الثقافية كما يتضح من التقارير الإعلامية يملؤني حماساً واشتياقاً لمتابعة ومشاهدة أحداث هذا المعرض الاستثنائي..

يحدث لأول مرة!

معرض هذا العام هو معرض الأرقام القياسية، إذ سيشمل أنشطة وفعاليات كثيرة تحدث لأول مرة في تاريخ المعرض، وربما في تاريخ المعارض العربية.. منها أن الصين ستشارك بأكبر وفد يشغل تسعة أجنحة تضم 80 دار نشر صينية، ثم الهند التي ستشارك بحوالي 23 دار نشر، ومعهما 12 دولة آسيوية وأوروبية ولاتينية تشترك بالمعرض لأول مرة هي: (اليونان - سريلانكا- ماليزيا - باكستان – قبرص - موزمبيق -  كازاخستان - أوزبكستان - طاجيكستان - تركمانستان - قيرغيزستان - البرازيل). 
ولعل الحدث الأبرز في هذا المضمار محور (كتاب العالم) الذي يسلط الضوء على كتاب تاريخي ذي تأثير عالمي، وكتاب هذا العام هو (كليلة ودمنة) لعبدالله بن المقفع ذي التأثير الممتد عبر الثقافات والحدود والزمن. 
ومن خلال هذا المحور ستتم إثارة موضوع نقدي مهم هو "أدب الخرافة بين الشرق والغرب".
أما أكثر ما لفت انتباهي في فعاليات المعرض الجديدة والمثيرة هو ما يختص بمحور الثقافة الرقمية وصناعة الإبداع، وهو بمثابة الحصان الأسود الرابح بالمعرض.

الثقافة الرقمية

السوشيال ميديا أصبح لها دور لا يمكن إغفاله في تشكيل وعي الشباب. لهذا لا ينبغي لمعرض ثقافي كمعرض الكتاب إهمال جانب الثقافة الرقمية في فعالياته. وهذا ما بدأه معرض أبوظبي منذ ثلاث سنوات، حينما استضاف عدداً من أبرز وأشهر منصات البودكاست في الخليج. 
وفي هذا العام سوف يستضيف المعرض لأول مرة منصة بودكاست "ثمانية" السعودية ذات الشهرة الواسعة والتأثير الكبير. إنها خطوة بارعة تمثل محاولة للتقارب مع الشباب العربي من خلال مفردات الثقافة الحديثة وعلى رأسها صفحات التواصل. 
عدد كبير من منصات البودكاست يستضيفها المعرض منها: بوح ومايكس والشرق والشباب العربي والبودكاسترز، وهي قنوات أثبتت تواجدها القوي الفعال خلال السنوات الماضية. 
ولتسهيل التعاملات الإلكترونية سيطبق المعرض هذا العام تطبيق الدفع الرقمي. أكثر من هذا أن "الذكاء الاصطناعي" سوف يزين مائدة المعرض الحافلة كأحد أهم مفردات المستقبل الرقمي، ولهذا تم تخصيص منتديات وجلسات وورش عمل تتناول شتى مجالات الذكاء الاصطناعي مع تدشين برنامج زمالة أبوظبي، بالإضافة لمبادرة جديدة لدعم التقنيات والإحصاءات الرقمية في العالم العربي، وتقديم ورش متطورة لبناء مهارات الناشرين العرب في هذا المجال.
إنه برنامج حافل تم الإعداد له بشكل بارع، إذ يستضيف نخبة من أبرز الخبراء والمتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي والنشر الرقمي منهم: كاريني بنسا رئيسة اتحاد الناشرين الدوليين، خوسيه بورينو، سكرتير عام الاتحاد الدولي للناشرين، ومايلز ستيفنز هواري، رئيس شركة media RB أكبر ناشر صوتي في العالم، وميشيل كوب، رئيسة اتحاد الناشرين الدوليين للكتب الصوتية، ومحمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب.
كل هذا دليل على اهتمام معرض أبوظبي بالأدوات الحديثة للصناعات الثقافية والإبداع الأدبي.

الثقافة بمعناها الأوسع

رغم أنه معرض للكتاب، لكن القائمين عليه أرادوا استهداف الثقافة بمعناها الشامل.. 
يهتم المعرض بالشعر، فخصص له فعاليات: "ليالي الشعر" تستضيف عدداً من أهم شعراء الإمارات. واهتم بالأطفال والناشئة بتنظيم البرنامج المهني المتخصص: "منتدى المحتوى العربي للأطفال واليافعين"، وأنشأ ركناً للفنون والإبداعات الجمالية، وجعل لفن التصوير الفوتوغرافي نصيباً كبيراً من خلال منتدى (الصورة لغة)، يستعرض تاريخ الإمارات من خلال الصور، كما يستعرض التطورات الطارئة في مجال الفوتوغراف وتقنياته.
حتى سوق الكتب الشعبية الذي اشتهر في مصر تحت اسم "سور الأزبكية" قررت إدارة معرض أبوظبي استحداثه هذا العام، مع تقديم مزايا وتخفيضات كبيرة وعروض حصرية وبخاصة في المجالات الجديدة كمجال النشر الصوتي. ومن بين المزايا التي سيقدمها المعرض إتاحة تذكرة خاصة تمنح فرصة للدخول المجاني لمتحف اللوفر أبوظبي، وقصر الحصن، لتمتزج الثقافة بالفعاليات السياحية الجذابة. 
الموسيقى أيضاً لها وجود بارز بالمعرض، من خلال برنامج موسيقي متكامل مفعم بالتجارب الموسيقية الجديدة والمنطلقة من الثقافة المحلية في الإمارات والخليج. هذا بخلاف البرنامج السينمائي وعروض الشاشة الذهبية الثقافية المتميزة..
اللافت أن مفردات الثقافة اليومية أيضاً حاضرة في هذا المعرض المتميز الدسم، من خلال ما أسماه المعرض: (ركن أنماط الحياة) وهو المختص بموضوعات الاهتمام المشترك لدى الأسرة بمختلف أفرادها صغاراً وكباراً كالتنمية البشرية والصحة واللياقة البدنية والتغذية والرياضة. 
الأدهى أن (الطعام والطهي) له ركن خاص يهتم بالاستكشاف والتعرف على التنوع الثقافي للأطعمة من مختلف أنحاء العالم، وهي فكرة جديدة ذكية يتبناها المعرض، إذ تشير إحصائيات اليوتيوب إلى أن قنوات الطهي تتصدر قوائم الأكثر تصفحاً! وهو أمر مدهش يسترعي الانتباه.

أسبوع المتعة الثقافي

الواضح أن معرض أبوظبي هذا العام يمثل حدثاً استثنائياً ثرياً فخم العماد ضخم الإعداد.. 
في أسبوع واحد سيتم حشد عدد من الناشرين يبلغ 1350 ناشراً قادمين من 90 دولة. ثمة 140 داراً للنشر تشارك للمرة الأولى في هذا المعرض، ونحو ربع الناشرين عارضون محليون. 
لا تقتصر برامج المعرض الكبير على تقديم وجبة مكثفة من الثقافة المقروءة من خلال عرض الكتب العربية والأجنبية، بل الثقافة المرئية والمسموعة والرقمية، لدرجة أن فعاليات المعرض المتنوعة بين الموسيقى والشعر وعروض السينما والندوات وورش العمل والمنتديات والمناظرات سيتعدى عددها 2000 فعالية! كل هذا في أسبوع واحد، لابد أنه أسبوع من المتعة.