الخميس 9 مايو 2024 / 09:06

عن الاستهداف غير البريء لمعبر كرم أبوسالم

أوس أبوعطا - العرب اللندنية

من إيجابيات الحرب على غزة أنها كشفت الأمور على حقيقتها تماماً، ووضعت المتابع العربي بشكل مباشر مع الأحداث الجارية في المنطقة وجهاً لوجه دون الحاجة إلى أيّ تأويل.

فمن اليسير القول إن وجود المكتب السياسي لحركة حماس في قطر هو قرار أمريكي بحت وليس قراراً سيادياً قطرياً، وبالتالي فإن طرد قادة حماس من قطر من عدمه هو قرار أمريكي أيضاً، فوجود حماس في قطر اليوم مرهون بالإرادة الأمريكية فقط لا غير.
ومما يسترعي الانتباه بشكل أكبر التوجه الأمريكي الواضح لإنهاء الحرب في غزة، بسبب عوامل داخلية جليّة، أولها تهدئة الشارع الأمريكي، وخصوصاً انتفاضة الجامعات وما شكلته من ضغط على القيادة الأمريكية التي استدعت الدولة العميقة لقمع الحراك الجامعي، وثانيها الانتخابات الأمريكية وما تحتاجه من رفع لأسهم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بمواجهة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومن الواضح أيضاً الاستدارة البيّنة في موقف يحيى السنوار، والتي كان سببها رهانه الخاسر على دخول إيران الحرب المباشرة ضد إسرائيل وتوسعها بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل، والتي أقل ما يمكن القول عنها إنها صفعة في الهواء ورسالة إلى الداخل الإيراني أكثر منها إلى الخارج.
كما خسر السنوار رهانه على الضفة الغربية التي حاول مراراً وتكراراً إشعالها مع قادة الحركة في الخارج، فحماس تطلب من أبناء الضفة الغربية التحرّك أكثر مما تطلب من كوادرها هناك، بالإضافة إلى دعواتها الدائمة لتحريك الضفة الغربية واستخدام عبارات مثل "ضفة العياش" نسبة إلى الشهيد يحيى عياش بقصد سحب البساط من تحت السلطة الوطنية الفلسطينية التي تعاملت مع الأحداث بوعي كبير وواضح، ورفضت نقل ذرائع المذبحة الجارية في قطاع غزة إلى مناطق سيطرتها.
وإذا بادرنا لسؤال جريء مفاده، لماذا تم مؤخراً استهداف معبر كرم أبوسالم تحديداً، مع العلم أن القوات الإسرائيلية منتشرة في كل قطاع غزة ومن السهل استهدافها اليوم؟
بعد استهداف معبر كرم أبوسالم، بدأ أهل قطاع غزة باتهام أباطرة المال والتجار المُستغِلين، كونهم يقفون خلف هذا الاستهداف غير البريء، وذلك لرفع أسعار المواد الغذائية والإنسانية والتحكم برقاب الناس كما يحلو لهم، ففتح معبر كرم أبوسالم ودخول المساعدات منه سيؤثر سلباً على ابتزازهم للمواطنين الفلسطينيين في غزة وبيعهم المواد الغذائية والإنسانية كما يحلو لهم ويرضي جشعهم.

هذا الاستهداف الذي حقق إصابات مباشرة وخسائر في الصفوف الغازية، أرضى بنيامين نتانياهو وأقرانه في حكومة اليمين المتطرفة، وقدم له سبباً وجيهاً للإصرار على اقتحام رفح، وأن خطر حماس مازال قائماً.

وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى أقل من شهر على هذه الحادثة حين تم إطلاق عدد من الصواريخ من خان يونس بعد انسحاب القوات الغازية منها، وكأن مطلق الصواريخ يطلب من الاحتلال العودة ويخبره أن المقاومة ما زالت بخير كما يردّد قادة حماس دائماً.

ولكن وبصريح العبارة، لم تعد حماس تملك القدرة على التحكم بمصائر الفلسطينيين نهائياً، فقادتها بالداخل يجهّزون أنفسهم للرحيل عن القطاع وحل كتائب القسام، وقادتها بالخارج يبحثون عن دولة تستضيفهم بعد انتهاء حقبة قطر، فالليونة التي تظهرها حماس في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل هي مكرهة عليها، وبالتالي عليها أن تكون أكثر ليونة في محادثاتها مع إخوتها الفلسطينيين في حركة فتح والتي تظهر لها تشدداً كبيراً، لعل وعسى أن تحظى حماس بقبول الأخيرة لكي تلوذ بنفسها داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الاختباء الحمساوي داخل المنظمة يجب أن تسبقه ضمانات حمساوية برعاية طرف ثالث، على ألا تكرر انقلابها الأسود الذي قامت به عام 2007 وأن تخضع قوات أمنها لأجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل كامل، فوجود حماس بلا أظافر هو مصلحة مشتركة فلسطينية وعالمية.