تعبيرية.
تعبيرية.
الجمعة 10 مايو 2024 / 15:56

إيكونوميست: النظام الليبرالي الدولي يتفكك ببطء

للوهلة الأولى، يبدو الاقتصاد العالمي مرناً على نحو مطمئن، لقد ازدهرت أمريكا حتى مع تصاعد حربها التجارية مع الصين، وصمدت ألمانيا أمام فقدان إمدادات الغاز الروسي بدون التعرض لكارثة اقتصادية، ولم تجلب الحرب في الشرق الأوسط أي صدمة نفطية.

أصبح معدل الوفيات بين الرضع أقل من نصف ما كان عليه سنة 1990

وبالكاد أثّر المتمردون الحوثيون الذين يطلقون الصواريخ على التدفق العالمي للسلع، وانتعشت التجارة بعد الوباء ومن المتوقع أن تنمو بشكل صحي هذا العام.

وعلى هذه الوقائع، ترد مجلة "إيكونوميست" كاتبة: "انظروا بشكل أعمق، مع ذلك، سترون هشاشة".

واضح في كل مكان

لسنوات عدة، تآكل النظام الذي حكم الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية،  واليوم هو على وشك الانهيار.

ثمة عدد مثير للقلق من المحفزات التي يمكن أن تتسبب بانزلاق إلى الفوضى، حيث القوة هي الحق، والحرب هي مرة أخرى ملاذ القوى العظمى، وحتى لو لم يصل الأمر إلى نزاع، فإن تأثير انهيار الأعراف على الاقتصاد يمكن أن يكون سريعاً ووحشياً. 

وبحسب الصحيفة، فإن تفكك النظام القديم واضح في كل مكان، إذ تم استخدام العقوبات 4 مرات أكثر مما كان عليه الأمر خلال التسعينات، وفرضت أمريكا مؤخراً عقوبات "ثانوية" على الجهات التي تدعم قوات روسيا، وبالرغم من أن الدولار لا يزال مهيمناً وأن الاقتصادات الناشئة أكثر مرونة، بدأت تدفقات رأس المال العالمية بالتفتت.

ضريبة خفية

إن المؤسسات التي حمت النظام القديم إما أصبحت ميتة بالفعل أو أنها تفقد صدقيتها بسرعة.

وستبلغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين في السنة المقبلة، لكنها ستكون قد أمضت أكثر من 5 أعوام في حالة من الركود، بسبب الإهمال الأمريكي.

ويعاني صندوق النقد الدولي من أزمة هوية، فهو عالق بين الأجندة الخضراء وضمان الاستقرار المالي.

أما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشلول. وفي الشهر الماضي، هدد سياسيون أمريكيون، بمن فيهم زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات إذا أصدرت أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيل التي تتهمها جنوب أفريقيا أيضاً بارتكاب جرائم إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية.

وحتى الآن كان التشرذم والانحلال سبباً في فرض ضريبة خفية على الاقتصاد العالمي بحسب المجلة: إنها ضريبة يمكن إدراكها، لكن فقط إذا كان المرء يعرف أين يبحث. لسوء الحظ، يظهر التاريخ أن الانهيارات الأعمق والأكثر فوضوية ممكنة، ويمكن أن تضرب فجأة بمجرد بدء الانحدار. لقد قضت الحرب العالمية الأولى على عصر ذهبي للعولمة افترض كثيرون في ذلك الوقت أنه سيستمر إلى الأبد. 

وفي أوائل ثلاثينات القرن العشرين، وعقب أزمة الكساد الكبير وتعريفات سموت-هاولي الجمركية، انهارت الواردات الأمريكية بنسبة 40% في غضون عامين فقط.

وفي أغسطس (آب) 1971، أوقف ريتشارد نيكسون بشكل غير متوقع إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب، بعد 19 شهراً فقط، انهار نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة.

خلف الانتقادات

واليوم، يبدو من الممكن تصور حدوث تمزق مماثل، فإن عودة دونالد ترامب بنظرته العالمية ذات المحصلة الصفرية إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى استمرار تآكل المؤسسات والأعراف.

والخوف من حدوث موجة ثانية من الواردات الصينية الرخيصة قد يؤدي إلى تسريعها.

كما أن حرباً مباشرة بين أمريكا والصين حول تايوان أو بين الغرب وروسيا قد تؤدي إلى انهيار عظيم.

في العديد من هذه السيناريوهات، ستكون الخسارة أعمق مما يعتقده كثر، من الرائج انتقاد العولمة غير المقيدة باعتبارها السبب وراء عدم المساواة والأزمة المالية العالمية وإهمال المناخ، لكن إنجازات التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ذروة الرأسمالية الليبرالية، لا مثيل لها في التاريخ، إذ أفلت مئات الملايين من قبضة الفقر في الصين مع اندماجها في الاقتصاد العالمي.

وأصبح معدل الوفيات بين الرضع في مختلف أنحاء العالم أقل من نصف ما كان عليه سنة 1990، كما بلغت النسبة المئوية لسكان العالم الذين قتلوا بسبب الصراعات الدائرة بين الدول أدنى مستوى لها بعد الحرب بنسبة 0.0002% سنة 2005؛ وفي سنة 1972 كانت النسبة أعلى بنحو 40 مرة.

وتُظهر أحدث الأبحاث أن حقبة "إجماع واشنطن" التي يأمل زعماء اليوم استبدالها كانت حقبة بدأت فيها البلدان الفقيرة بالاستمتاع بالنمو، الأمر الذي أدى إلى تضييق الفجوة مع العالم الغني.

ما البديل؟

يهدد تراجع النظام بإبطاء هذا التقدم، أو حتى عكسه. وبمجرد كسره، من غير المرجح أن يتم استبداله بقواعد جديدة. بدلاً من ذلك، ستنحدر شؤون العالم إلى حالتها الطبيعية من الفوضى التي تفضل اللصوصية والعنف.

وفي غياب الثقة والإطار المؤسسي للتعاون، سيصبح من الصعب على البلدان أن تتعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين، بدءاً باحتواء سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى التعاون في الفضاء. 

وسيتم حل المشاكل من قبل أندية دول ذات تفكير مماثل. قد ينجح هذا، لكنه سينطوي في أغلب الأحيان على الإكراه والاستياء، كما هي الحال مع تعريفات الكربون الحدودية في أوروبا أو خلاف الصين مع صندوق النقد الدولي. وعندما يفسح التعاون المجال أمام استخدام التهديدات والإكراه، لن تجد الدول أسباباً تدفعها إلى الحفاظ على السلام.

فوائد هائلة 

صحيح أن النظام الذي تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية يحقق اقتران مبادئ أمريكا الأممية بمصالحها الاستراتيجية، ومع ذلك، جلب النظام الليبرالي أيضاً فوائد هائلة لبقية العالم،

والبلدان ذات الدخل المتوسط مثل الهند وإندونيسيا التي تأمل في شق طريقها إلى الثراء عبر التجارة، تستغل الفرص التي خلقها تفتت النظام القديم، لكنها ستعتمد في نهاية المطاف على بقاء الاقتصاد العالمي متكاملاً وقابلاً للتنبؤ به.

ويعتمد ازدهار قسم كبير من العالم المتقدم، وبخاصة الاقتصادات الصغيرة المفتوحة مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية على التجارة بشكل كامل، وبدعم من النمو القوي في أمريكا، قد يبدو الأمر وكأن الاقتصاد العالمي قادر على النجاة من كل التحديات التي تواجهه، لكن لا يمكنه ذلك، تختم المجلة.