السبت 16 أغسطس 2014 / 19:50

المصالحة الخليجية القطرية.. أبعد من تهدئة إعلامية



كثرت الأحاديث والتخمينات والتفسيرات وربما الأمنيات حول فحوى ما تمّ التوصل إليه أخيراً في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في جدة، إلا أن ما يمكن استنتاجه من الأجواء التي سبقت ورافقت وتلت تلك المحادثات، هو أنه لم يعد هناك متسع من الوقت لأي إبطاء في الوصول إلى تسوية نهائية لهذه الأزمة، لاسيما أمام تعاظم التحديات التي تواجه المنطقة، والخليج جزء أساسي منها، والتي كان ملك السعودية عبدالله بن عبد العزيز أشار إليها بوضوح تام في رسالته الأخيرة إلى الأمتين العربية والإسلامية.

إلا أنه، ورغم أنني شخصياً ممن تنفسوا الصعداء، لمجرد ورود أنباء ولو غير مؤكدة أو نهائية عن احتمال التوصل إلى تسوية لهذا الملف، وإنهاء أزمة خليجية- خليجية طال أمدها، وكانت مصدراً للأسى والمرارة بين جميع أبناء الخليج، أجد من المفيد، ولكي تنجح بالفعل مساعي حلّ الأزمة، التذكير بأن هذه الأزمة ليست "إعلامية" فحسب كما يطيب للبعض أن يصور المسألة، وإن كان الإعلام جزءاً مهماً منها، غير أنه يبقى نتاجاً ومظهراً من مظاهر الأزمة الأساسية، وهي أزمة سياسية في المقام الأول والأخير، وما لم تتمّ معالجة هذا البعد السياسي، بصورة جذرية، فإن المظاهر الإعلامية، سواء عبر الوسائل التقليدية أو عبر التواصل الاجتماعي، سوف تعود، وربما بصورة أسوأ مما شهدناه خلال الأسابيع والشهور الماضية.

إن جوهر أية تسوية محتملة وحقيقية ومثمرة للأزمة مع قطر، لابدّ من أن يمرّ بإثبات صدق النوايا، ولعلنا نذكر جميعاً حكمة قيادة الإمارات، مثلما تجلت على سبيل المثال لا الحصر، في مواقف ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أو في مواقف وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وتميزت بالهدوء والتعقل وإعلاء المصلحة العامة، مصلحة الخليج العربي مجتمعاً، وليس الإمارات فحسب، فوق أيّ بعد شخصيّ أو محاولة من قبل هذا الطرف أو ذاك لشخصنة الأمور، وقد رأينا حجم الهجوم الممنهج الذي تعرضت له الإمارات قيادة وشعبا، ورأينا طبيعة الردّ على هذا الهجوم، التي تجسدت فيها قيم الحكمة الحقيقية من حيث عدم الانجراف وراء المشاعر العابرة والمؤقتة من أي جهة أتت، والتأكيد دوماً على وحدة المصير الخليجي المشترك، وهذا ما زاد موقف الإمارات صلابة حتى في أشدّ لحظات الحملة الإخوانية ضدّها، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.

هذه الحكمة الموروثة عن الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي عمل صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على تكريسها أكثر فأكثر، باتت منهج عمل سياسي في دولة الإمارات، وساهمت إلى حدّ كبير في احتواء الكثير من التوترات والأزمات، أو على الأقل بعدم وصول هذه الأزمات إلى نقطة اللا عودة، وقد كان الزمن كفيلاً بكشف مدى صدقية هذا المنهج ونجاعته وقدرته على الارتقاء بالعمل السياسي، حين وقفت الإمارات (ولا تزال) طرفاً أساسياً ومؤثراً في كلّ ما من شأنه المساهمة بتجاوز التحديات والمخاطر التي تواجه منطقة الخليج، والنأي بها قدر الإمكان عن ما يعصف في المنطقة العربية من أحداث رأينا آثارها المدمرة في أكثر من مكان، وعلى أكثر من صعيد.

بعد صدق النوايا، يأتي صدق العمل، وهنا لابدّ من القول إن أية تسوية تقف عند حدود الكلام، وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لن تصمد، ولن تكتب لها الحياة، ذلك أن المسائل الموضوعة اليوم على المحكّ، ليست بالنظرية أو الكلامية، أو مجرد آراء ورؤى شخصية، بل إن هذه المسائل من شأنها رسم مصير المنطقة العربية بأسرها، ومن ضمنها وفي قلبها الخليج العربي، لأنها تتعلق بأمن هذه المنطقة ومستقبلها، وبالنظرة إلى واقعها ودورها وتطورها، وأية رؤية لا تأخذ هذه العناصر في الحسبان، وتتخذ الخطوات العملية انطلاقاً من الفهم الدقيق لها، إنما هي مضيعة للوقت والجهد، ويبقى السؤال الذي تحدّد الإجابة عليه الموقف من هذه الأمور كلها: هل ستعمل المنطقة لخدمة نموها وتطورها وصنع مستقبل أفضل لأبنائها، أم ستكون عرضة للخطر الدائم بسبب انتماء حزبي هنا أو أيديولوجي هناك؟ وهل سنجتمع في الخليج على ما يزيدنا قوة ومناعة، أم سنستسلم لمصالح ضيقة، رأينا جميعاً ما يكفي من نتائجها المريرة في أكثر من بلد من حولنا؟