السبت 16 أغسطس 2014 / 22:54

أوهام العثمنة ومنزلقات البعثنة



يوغل قطار السياسة التركية في نفق الترجمات الشرق أوسطية للموجة القومية التي ألحقت تشوهات في الحياة الأوروبية، بين الحربين العالميتين، اللتين غيرتا مسارات التاريخ.

ففي وصول الرئيس رجب طيب اردوغان إلى قصر "تشنقاي" قوة دفع إضافية لجمع السلطات بين يديه، والسيطرة على الحزب والدولة، وتقليص نفوذ المحيطين به، تفضي إلى استعادة، يصعب إغفالها، لتجربة بلدين جارين استولى على الحكم فيهما حزب شمولي برأسين، في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، لينهي الحياة الديمقراطية، ويضعهما على حواف الحروب الأهلية والتقسيم.

أوجه الشبه والاختلاف ـ في حال إجراء مقارنة ـ بين إعادة تركيب "العدالة والتنمية" ليصبح على مقاس اردوغان و"البعث" بوجهيه السوري والعراقي، خلال حكم الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين، تتجاوز الخطوات التي اتبعت في تقويض التجربة الديمقراطية، وتكريس الحكم الفردي.

الديمقراطية كانت حاضرة كفكرة، وإن كان حضوراً خجولاً لدى " البعث " في بواكيره، قبل تحوله إلى نظام شمولي يحكم سوريا والعراق، مثلما هي حاضرة بشكل أو بآخر في تجربة اردوغان، وهو ينتقل من سدة الحكومة إلى قمة الهرم السياسي، ليعيد إلى الأذهان تجربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي لم تخرج من دائرة الحنين للزمن السوفيتي .
لا يخلو الأمر من ملامح أرضية فكرية تبقي على حالة من التنافر بين المكونات الديمغرافية، وتؤهل اردوغان للغرف من نماذج حكم استقرت في بطن التاريخ، وباتت أقرب إلى فلكلور سياسي، تحن له بعض الشرائح، وتسهب أخرى في نقده، بعدما أخفق في حل التناقضات الداخلية.
تراوح هذه الملامح بين "الطائفي" و"العرقي" الذي يقصي الآخر التركي، ويقلص من هوامش التعايش.

فقد جاء في أحد تصريحات اردوغان الاستقطابية "أنا سني وكليجيدار اوغلو علوي فلنتحدث عن ذلك بصراحة". وفي تصريح آخر "خصومي يتهمونني أنني من جورجيا، بل أفظع من ذلك يقولون إن أصولي أرمنية"، ليظهر بذلك العلوي والجورجي والأرمني أقل شأناً، وفقا لرؤية الرئيس، وإن كان زعيماً للحزب الجمهوري، كما هو حال كليجيدار اوغلو.

ذهنية "البعث" حاضرة أيضاً في النزعة العثمانية لدى اردوغان، الذي وقف على شرفة مقر حزبه العدالة والتنمية بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، ليعلن في نشوة انتصاره أن ما حققه يعد انتصاراً لإسلام أباد وكابول وحلب وحماة وحمص ودمشق وغزة ورام الله.

التجارب السياسية في المنطقة، منذ الحكم العثماني، حتى ظهور دولة الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي على أجزاء من العراق وسوريا، مروراً بتجربتي "البعث"، تثبت أن معمار الذهنية الاردوغانية التي تحاكي "تطرفات" المنطقة، وصفة نموذجية لنمو الهويات الفرعية، وتهميش الأقليات، وتقليص احتمالات التعايش، بين مكونات المجتمع، قد يكون النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال رئاسة اردوغان للحكومة، سبباً في خفض أصوات الخصوم، والحصول على أصوات الناخبين من الأرياف، إلا أن قدرته على تعويم التناقضات الداخلية تبقى محدودة، مع تكريس نموذج الحكم الفردي.