السبت 23 أغسطس 2014 / 12:55

حكاية سلاح غزة



تتحدث اسرائيل، ومعها حلفاؤها الغربيون، في أمر نزع سلاح المقاومة من غزة، وتربط ذلك بعملية الإعمار المفترض إنسانياً وأخلاقياً أن لا تتأخر كثيراً ونحن على أبواب فصل الشتاء.

ولا ينبغي توقع أن يتكرر سيناريو الكيماوي السوري في غزة ، فلن نرى بواخر ترسو في عرض البحر كي تحمل الصواريخ ومدافع الهاون، كي تتلفها في أي مكان، فإلى جانب أن ذلك مرفوض من حيث المبدأ، فإن إمكانية تحقيقه تبدو مستحيلة، حتى لو وسعت إسرائيل مجال الحرب البرية، ذلك أن من يفتش عن سلاح في قطاع غزة الضيق والمكتظ بالناس والبنايات، سيكون حاله وهو يفتش عن السلاح المخبأ هناك كحال من يفتش عن إبرة في كومة قش.

وحكاية نزع سلاح المقاومة، هي حكاية تاريخية رافقت كل مراحل الكفاح الفلسطيني. وتُسجل الوقائع الموثقة، أنه ما من مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني إلا وطرح هذا المطلب، وكان الفلسطينيون الذين خذلتهم تجارب الماضي، يرفضون تسليم سلاحهم ويقاتلون دونه، حتى أصبح السلاح وتحريم تسليمه طوعاً ثقافة متعمقة ومتوارثة.

ولو أجريت استطلاعاً للرأي بين الفلسطينيين المتشددين والمعتدلين على حد سواء، لكانت النتيجة 100% لصالح الاحتفاظ بالسلاح وعدم تسليمه وفق أي تسوية او إغراء.

المطالبون بنزع السلاح عرفوا هذه الحقيقة جيداً ووضعوا ما يعتقدونه علاجاً ناجعاً لها، وهو إن لم يوافق الفلسطينيون على نزع سلاحهم بصورة تقليدية كما حدث مع الكيماوي السوري، فإن إسكات السلاح بترتيبات محكمة هو الوصفة المعتمدة لهذا الأمر، ويستعين أصحاب هذه الوصفة، بنجاعة ما حدث مع حزب الله في لبنان حيث لم تنزع قطعة سلاح واحدة، إلا أن الترتيبات الدولية التي تمت بعد تدمير الضاحية الجنوبية وصدور قرار مجلس الأمن، حجبت عن إسرائيل أي طلقة ولو بالخطأ، وبالتالي فإن هذه التجربة التي تعتبرها إسرائيل ناجعة حتى الآن، يراد تطبيقها على السلاح في غزة، إلا أن فرص نجاح هذه الطريقة تبدو مستحيلة، نظراً للفوارق الهائلة بين الوضع في غزة والوضع على صعيد حزب الله، وبالإمكان هنا الإشارة إلى العناصر التي تشكل الفرق بين الحالتين، أولها بالطبع أن غزة والضفة الغربية وهما وحدة وطنية لا انفصام بينهما، ما تزالان تعيشان تحت الاحتلال، وفوق الاحتلال حصار شديد القسوة، ومع الاحتلال والحصار، لا يلوح في الافق أي مجال لتحرك سياسي يفضي إلى نتيجة تتعلق بوضع غزة وفوقها وضع الوطن الفلسطيني بإجماله.

والسلاح في غزة كذلك إن لم يكن فعّالاً على صعيد إحداث توازن قوىً عسكري إلا أنه الورقة الاقوى التي لا يستقيم منطقياً إلقاؤها مقابل وعد غامض بادخال مواد إعادة الإعمار.

ولكي نكون واقعيين أكثر فيمكن الاستنتاج بأن صمت السلاح في غزة ولو لفترة طويلة، هو أمر ممكن إذا ما كان الهدف هو حقن الدماء والحصول على تسهيلات تتعلق بالحصار وإعادة البناء، لكنّ غياب صيغة سياسية، تضع حلاً لمعضلة الاحتلال في الضفة وغزة يمكن أن يقوض معادلة صمت السلاح، ويستبدلها بالدخول في حرب جديدة وفق المسلسل التقليد ... الذي عنوانه الدقيق... بين كل حرب وحرب حرب محتملة ، وبين كل هدنة وأخرى انفجار أكيد، ساعتئذ يخرج السلاح الذي تم إسكاته من مخابئه لينطلق كما حدث من قبل، ويبدو لي وأنا أراقب ما يدور داخل إسرائيل من حوارات حادة بين الأفراد والأحزاب وسائر الفعاليات الشعبية، وكذلك ما يقال إقليمياً ودولياً حول معضلة غزة، أن ميلاً نحو البحث عن صيغة سياسية لحماية أي ترتيبات امنية بدء بالتنامي، ولو بصيغ غير مباشرة فعندما يجري التشكيك بجدارة الجيش الإسرائيلي القوي والحديث في حسم الحرب مع غزة، فإن ذلك يعني بالمقابل منطقياً أنه لم يبق أمام إسرائيل سوى تجربة المسار السياسي الذي يفضي حتماً وعلى عكس المسارات السابقة إلى حل جذري للحالة الفلسطينية بإجمالها.

إلا أن اسرائيل التي دخلت مرحلة التردد في الحرب والسلام، سوف تراقب عن كثب الخلاصات السياسية الراهنة لحرب غزة، فإن وجدتها مريحة ومضمونة النتائج، فلن تفكر في أي حل سياسي، وإن وجدتها غير مضمونة بل وتحمل خطر انفجارات متتالية، فربما تفكر بصورة أخرى وعلى الفلسطينيين وحلفائهم أن يمسكوا باللحظة وأن لا يهدروها بأداء سقيم كما كان يحدث من قبل.