الأربعاء 15 يناير 2020 / 13:51

الاقتصاد المتعثر يقوّض قدرة إيران على التصعيد

كتب بيتر غودمان، مراسل صحيفة "نيويورك تايمز"، أن اقتصاد إيران المتعثر يقوض رغبة نظام الملالي في مواجهة الولايات المتحدة، ويركزون على الأزمة الداخلية بدل التصعيد خوفاً من غضب الرأي العام المستاء من الاقتصاد المتدهور.

الاستسلام لن يقودهم إلى طاولة المفاوضات، ولا الحلول الوسطى لأنها ستظهر ضعفاً، ومن خلال إظهار قدرتهم على التصعيد، يحاول قادة إيران بناء النفوذالاقتصاد

 ويُشير غودمان إلى الأزمة الاقتصادية البائسة التي تعاني منها إيران؛ بسبب العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضدها وأسفرت عن منع إيران من الوصول إلى الأسواق الدولية، فضلاً عن ندرة الوظائف وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من الضروريات حيث وصل معدل التضخم إلى 40%، وتقلص الاقتصاد بشكل سريع مما أدى إلى تزايد غضب الإيرانيين.

تدهور الاقتصاد الإيراني
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وبلغ انكماش الاقتصاد الإيراني معدل 9,5 سنوياً الخطر. وأفادت شركة "أكسفورد إيكونوميكس" أن صادرات النفط الإيرانية وصلت فعلياً إلى الصفر في شهر ديسمبر(كانون الأول) الماضي، رغم التهريب .

ويعتبر المراسل أن الاقتصاد المتدهور يجبر إيران على تخفيف تصعيد الأعمال القتالية ضد الولايات المتحدة؛ إذ يدرك ملالي طهران أن الحرب ستقود إلى زيادة الأمور سوءاً واستنزاف ثروات البلاد بشكل كبير، وبخاصة بعدما بات الغضب الشعبي إزاء البطالة والفساد والتعثر الاقتصادي خلال الأشهر الأخيرة يشكل تهديداً وجودياً محتملاً لنظام الملالي المتشدد.
    
ومنذ أسبوع، استغل ملالي طهران اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في إعادة توجيه مشاعر غضب الرأي العام الإيراني ضد إدارة ترامب، ولكن الاحتجاجات اندلعت من جديد في مطلع هذا الأسبوع ضد نظام الملالي واستمرت يوم الاثنين الماضي بعد الاعتراف المفاجئ للحكومة الإيرانية بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية وذلك بعد ثلاثة أيام من الإنكار.

انتقام محسوب
ورغم أن الاحتجاجات كانت تعبيراً واضحاً عن ازدراء الشعب الإيراني لتستر نظام الملالي على إسقاطه الطائرة الأوكرانية الذي قتل جميع الذين كانوا على متنها (176 شخصاً)، إلا أن هذا الغضب الذي ظهر في الشوارع كان انعكاساًً لشكاوى أكبر مثل تدني مستوى المعيشة والاضطراب المالي إلى جانب الشعور بأن نظام الملالي يعجز في أحسن الأحوال عن مواجهة المشاكل الهائلة.

ويصف المراسل الضربات الصاروخية التي أطلقتها إيران على القواعد الأمريكية في العراق الأسبوع الماضي رداً على اغتيال الجنرال سليماني بأنها كانت محسوبة بدقة؛ لتمكين ملالي طهران من إعلان تنفيذ الثأر لمقتل الجنرال وفي الوقت نفسه من دون إثارة رد فعل شديد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ويقول التقرير: "لا شك في أن القيام بأعمال عدائية مع الولايات المتحدة، أكبر قوة عسكرية، قد يزيد صعوبة ومعاناة الشعب الإيراني؛ حيث سيقود على الأرجح إلى انهيار العملة وتفاقم التضخم إلى جانب تهديد ما تبقى من صناعة وطنية، وكذلك القضاء على الوظائف، وهذا يعني إثارة وتنشيط الضغط الشعبي ضد نظام الملالي".

خياران أحلاهما مر
وعلاوة على ذلك، ينذر الصراع مع الولايات المتحدة بسحب الأموال من البنوك المحلية حيث تسيطر الحكومة الإيرانية على قرابة 70% من الأصول المصرفية، إلى جانب انهيار الشركات الإيرانية التي تعتمد على القروض. ويقوم البنك المركزي الإيراني بتمويل الانفاق الحكومي وسد الثغرات في الميزانية الممزقة وذلك خوفاً من الغضب العام إزاء تخفيضات الميزانية، ويستلزم ذلك طباعة النقود الإيرانية، مما يزيد من الضغوط على العملة. وبالطبع، ستدفع الحرب الإيرانيين الأكثر ثراءً لسحب أصولهم المالية من البلاد، مما يهدد بمزيد من الانخفاض في قيمة العملة.

ويرى غودمان أن إيران عالقة بين خيارين أحلاهما مر: فإما الحفاظ على الاقتصاد من خلال استمرار توجيه الائتمان للبنوك والصناعة، وهذا يزيد من مخاطر حدوث كارثة مصرفية في نهاية المطاف مع التضخم المفرط، وإما اختيار التقشف الذي سوف يتسبب في معاناة عامة فورية تهدد بالمزيد من الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع.

اقتصاد المقاومة
ولكن على الرغم من هذه الحقائق التي تقوض رغبة إيران في التصعيد، إلا أن بعض الخبراء يتوقعون أن المتشددين في نظام الملالي ربما يقبلون في نهاية المطاف الأعمال العدائية والتصعيد مع الولايات المتحدة كوسيلة لتحفيز الاقتصاد المنكوب؛ وبخاصة لأن إيران في السنوات الأخيرة بعد عزلها عن المستثمرين والأسواق الدولية ركزت على صياغة ما أطلق عليه "اقتصاد المقاومة"، واستثمرت فيه الدولة بقوة؛ حيث دعمت الصناعات الاستراتيجية مع استبدال السلع المستوردة بالإنتاج المحلي.

وبرأي الاقتصاديين، لم تكن هذه الاستراتيجية فعالة وأدت إلى زيادة الضغوط على ميزانية إيران والنظام المصرفي، بيد أنها خلقت فرص عمل، ولذلك ربما يعتبر المتشددون التصعيد مع الولايات المتحدة فرصة لتوسيع اقتصاد المقاومة وتأجيج الغضب القومي المفيد سياسياً لتحويل الانتباه عن المشكلات الاقتصادية.

ومن ناحية أخرى، يرى خبراء آخرون أن المخاوف الاقتصادية ليست ذات أهمية قصوى، حيث إن الهدف الأسمى الذي يسعى إليه ملالي طهران هو تأمين بقائهم في السلطة، ومن ثم فإنه إذا كان التصعيد مع القوى الخارجية يبدو واعداً لتعزيز قبضتهم على السلطة، فعلى الأرجح أن الملالي سوف يقبلون الألم الاقتصادي باعتباره كلفة ضرورية.
وينقل التقرير عن سانام فاكيل، نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية في لندن، قولها: "المتشددون على استعداد لإفقار الشعب للبقاء في السلطة، ولا تتخذ إيران قرارات تستند إلى نتائج اقتصادية بحتة".

احتجاجات ضد نظام الملالي
ويوضح المراسل أن على ملالي طهران التمعن جيداً في منطقتهم للاعتراف بالمخاطر التي يمكن أن يشكلها الضغط الاقتصادي على الأنظمة الحاكمة الراسخة. ففي الأشهر الأخيرة يشهد العراق ولبنان مظاهرات غاضبة أشعلها جزئياً تدهور مستويات المعيشة والفساد وإساءة استخدام السلطة. ولم يكن الأمر بعيداً عن إيران التي شهدت أيضاً في الآونة الأخيرة احتجاجات واسعة في شوارع المدن الإيرانية، بسبب الحالة الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر، هددت نظام الملالي.

ولكن اغتيال سليماني، بحسب فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، كان بمثابة نقطة تحول، ليس فقط من حيث توجيه الانتباه بعيداً عن المشاكل الداخلية ولكن أيضاً في حشد الإيرانيين ضد انتهاك الولايات المتحدة للسيادة الوطنية لبلادهم، ولم يعد الإيرانيون منشغلين بالسياسات الاقتصادية المضللة والفاشلة لنظام الملالي، ولكن بالعدوان الأمريكي المتعجرف ضد الأمة الإيرانية.

ويقول التقرير: "تغيرت الأمور من جديد، وتجددت الآن مظاهرات الشوارع الغاضبة إزاء قادة إيران بعد اعتراف الحكومة الإيرانية بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية. وكالمعتاد يسعى نظام الملالي إلى قمع المظاهرات ونصح المتظاهرين بالعودة إلى ديارهم".

تهديد المصالح الأمريكية

ويتوقع مراسل "نيويورك تايمز" أنه إذا استمر الغضب الشعبي فربما يلجأ المتشددون إلى تحدي المصالح الأمريكية من خلال تهديد سفن النفط في مضيق هرمز من أجل تقييد إمدادات النفط العالمية ورفع أسعار هذه السلعة الحيوية مما يعرض الأسواق العالمية للخطر. وتأمل طهران في أن تجبر المواجهة الرئيس ترامب على التفاوض بشأن صفقة تهدف إلى إلغاء العقوبات المفروضة على إيران.

وبغض النظر عما سيأتي بعد ذلك، فإن ملالي طهران يدركون بشكل مؤلم أن التخلص من العقوبات الأمريكية هو السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، ومع انسحاب ترامب من الصفقة النووية يبدو أن المواجهة والتصعيد هما السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، وكما تقول سانام فاكيل: "الاستسلام لن يقودهم إلى طاولة المفاوضات، ولا الحلول الوسطى لأنها ستظهر ضعفاً، ومن خلال إظهار قدرتهم على التصعيد، يحاول قادة إيران بناء النفوذ".