المرشد الإيراني علي خامنئي ونجله مجبتي ورئيس مجلس القضاء ابراهيم رئيسي (أرشيف)
المرشد الإيراني علي خامنئي ونجله مجبتي ورئيس مجلس القضاء ابراهيم رئيسي (أرشيف)
الجمعة 24 يناير 2020 / 15:00

معركة خفية في إيران...هل يخلف مجتبى والده خامنئي؟

رأى تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن طهران تشهد معركة خفية حول الخليفة المحتمل للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وبعد أن أصبح المتشددون يعتقدون أن لهم اليد العليا في اختيار خليفة خامنئي.

عند وفاة خامنئي سوف يتولى الحرس الثوري الإيراني السيطرة الكاملة على البلاد إلى أن يقوم مجلس خبراء القيادة باختيار المرشد الأعلى الجديد

ويُشير التقرير، الذي أعدته نجمة بزرجمهر، إلى رسائل المرشد في خطبته بصلاة الجمعة الماضية، عندما وصف جنازة سليماني، قائد فيلق القدس الذي اغتالته الولايات المتحدة ببغداد في 3 يناير(كانون الثاني) الجاري، بـ "أكبر موكب جنازة في العالم"، وشدد على الضربات الصاروخية غير المسبوقة التي شنتها إيران ضد القوات الأمريكية بالعراق في 8 يناير(كانون الثاني) من خلال الحرس الثوري الإيراني.

ويرى التقرير أن خامنئي بعث رسالة واضحة للسياسيين الإيرانيين، وإلى بقية العالم، مفادها حسب المحللين أن إيران ستكون أكثر ثباتاً في طريقها الإيديولوجي في الدخل، وفي الوقت نفسه سستمر تعزيز الحرس الثوري الإيراني للتطرف في الخارج وبقية أنحاء الشرق الأوسط.

ورغم تورط الحرس الثوري الإيراني في إسقاط الطائرة الأوكرانية التي قتلت 82 إيرانياً بعد ساعات من الهجوم على القوات الأمريكية، إلا أن خامنئي، 80 عاما، يدعم الحرس الثوري بشكل ثابت على خلفية المعركة المتوترة على خليفته، القرار الذي سيحدد مصير إيران لعقود.

ويعتمد هذا الاختيار على الجهة الأقوى داخل إيران بعد وفاة خامنئي، وفي الأسابيع الماضية كان توازن القوى يميل أكثر لصالح الحرس الثوري وأنصارهم المتشددين.

وينقل تقرير الصحيفة البريطانية عن محللي إصلاحي: "نشهد الألاعيب المحلية والأجنبية الأكثر تعقيداً حول قضية الخليفة المحتمل لخامنئي، وثمة سياسة متعمدة لتمكين الحرس الثوري بشكل أكبر ليصبح القوة المهيمنة القادرة على لعب الدور الرئيسي في انتقال السلطة".

رداً على اغتيال سليماني
ويعتبر العديد من المتشددين أن الأحداث تبرز الحاجة إلى زعيم براغماتي مستعد للوقوف في وجه الولايات المتحدة، ويتجاهلون تكهنات الإصلاحيين بتطلع الإيرانيين إلى أن يكون المرشد المقبل مجرد منصب شرفي لا  شخصية أخرى تملك جميع السلطات.

وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن خامنئي هو الذي أمر بإطلاق أول هجوم صاروخي مباشر ضد القوات الأمريكية لإظهار تصميم إيران على الانتقام لاغتيال سليماني، ولكن دون شن حرب شاملة.

ورغم أن هذه الضربة لم تقتل جنوداً أمريكيين، إلا أن إيران بعثت برسائل عبر السفارة السويسرية للولايات المتحدة مفادها أنها الضربة الأولى والأخيرة، إذا امتنعت الإدارة الأمريكية عن الرد.

ويقول أحد أقرباء خامنئي: "كانت التطورات الأخيرة بمثابة دعوة للاستيقاظ، فالولايات المتحدة يمكنها الدخول في حرب ضد إيران، ولذلك نحتاج إلى زعيم آخر شجاع، قادر على الحفاظ على استقرار البلاد وقوتها. ولن تكون إيران قادرة على تحمل خطر فترة تجربة وخطأ من قائد عديم الخبرة".

سلطة مطلقة
ويوضح التقرير أن النظام الثيوقراطي الإيراني يعتمد على ولاية الفقيه، ووفق التفسير الذي يفضله السياسيون المتشددون، يختار كبار رجال الدين في مجلس الخبراء، الزعيم الديني. وفي المقابل يعترض السياسيون الإصلاحيون على هذا التفسير الديني، ويطالبون بأن يكون اعتماد القائد بموجب شرعية عامة من خلال انتخابات وطنية.

وتعيش إيران على هذا الصراع السياسي لهذه التفسيرات المختلفة منذ 1989، عندما تولى علي خامنئي منصب المرشد الأعلى بعد الخميني.

واعتمد خامنئي، الذي لا يتمتع بكاريزما ومكانة دينية رفيعة مثل سلفه، على الدستور المنقح الذي منحه "سلطة مطلقة" على جميع شؤون الدولة. ومنذ ذلك الحين، اعتمد على مساعدة الحرس الثوري الإيراني لتوسيع نفوذه وتحويله إلى ذراعه الرئيسية لممارسة السلطة. وحسب المقربين من النظام، فإن الأحداث الأخيرة سرعت تلك الجهود. 

ويقول مسؤول في النظام الإيراني: "بعدوفاة خامنئي سيتولى الحرس الثوري الإيراني السيطرة الكاملة على البلاد، إلى أن يختار مجلس خبراء القيادة المرشد الجديد. ووقتها ستكون للحرس الثوري اليد العليا للتأثير على الاختيار، وكبح أي أزمة محتملة، والأهم من ذلك الحفاظ على السلامة الإقليمية".

هيمنة الحرس الثوري

ويوضح تقرير "فايننشال تايمز" أن الحرس الثوري الذي يضم 120 ألف عنصر، يُعد المؤسسة الأكثر تنظيماً في إيران، وهو ما يمنحها نفوذاً كبيراً لاختيار خليفة خامنئي، فضلاً عن أن الحرس الثوري يسيطر على قوة من المتطوعين يُعتقد أنها تصل إلى عدة ملايين، ما يزيد من قدرتها على ممارسة هذا التأثير.

إلى ذلك، فإن الحرس الثوري ليس مجرد قوة عسكرية، حيث أن السياسيين المقربين منه موجودون في مؤسسات مختلفة مثل مكتب القائد، والبرلمان، والقضاء، ولديه مصالح في الاتصالات، والتجارة، والبتروكيماويات، وقطاعات أخرى.

وقدحاول الرئيس الإيراني حسن روحاني في السابق كبح نفوذه بوقف العقود التي تمنحها له الشركات المملوكة للدولة.

ويتوسع الحرس الثوري أيضاً ثقافياً بإنتاج الأفلام والبرامج الوثائقية، وصولاً إلى الفن المعاصر، ويتولى إدارة جهاز مخابرات مسؤول عن سجن النشطاء المؤيدين للديمقراطية وذوي الجنسية المزدوجة المتهمين بالتجسس.

إيديولوجية الحرس الثوري
ورغم أن للحرس الثوري بعض التأثير على خامنئي، إلا أنه يظل موالياً له ويحترم كلمته الأخيرة في جميع الشؤون، ولكن خليفة خامنئي قد لا يتمتع بالكثير من السلطة، فالحرس الثوري الإيراني بات في موقع قوي إلى درجة أن أي زعيم في المستقبل لن يهدد مصالحه، خاصةً لأن إيران في حالة طوارئ دائمة وتحتاج بشدة إلى الاستقرار ولديها مخاوف تاريخية من انعدام الأمن.

ويلفت التقرير إلى أن الحرس الثوري يعرب عن التزامه بالواجب الدستوري في الحفاظ على حدود البلاد، ولكنه مسؤول أيضاً عن "تحقيق المهمة الإيديولوجية للجهاد في سبيل الله".

ويعتقد الحرس الثوري أيضاً أنه يتحمل مسؤولية تحفيز البلاد ضد أي تهديد أمريكي متوقع لإيران والعالم الإسلامي.

ويخشى المتشددون في طهران من قدرة واشنطن على التأثير في السياسة الإيرانية ويشككون في أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة والإصلاحيين في إيران، يأملون منذ فترة طويلة حل الخلافات التاريخية لتشكيل مستقبل إيران.

طموحات روحاني
ويلفت تقرير "فايننشال تايمز" إلى أن توقيع روحاني الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى في 2015 أثار المخاوف داخل الحرس الثوري من احتمال خسارة النفوذ الإيراني في المنطقة، بيد أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 وفرض العقوبات الاقتصادية الأكثر صرامة ضد إيران، قضى على إنجاز روحاني المميز وبدد معه أي طموحات في تولي منصب المرشد الأعلى الجديد بعد وفاة خامنئي.

ويقول التقرير: "يبدو أن الاستراتيجية التي تنتهجها إيران في الوقت الحالي تتمثل في التقليل من العقوبات الأمريكية القاسية، وتعبئة الرأي العام في المنطقة ضد واشنطن وإسرائيل".

ويورد التقرير أن المجتمع الإيراني لم يعد مطيعاً كما كان قبل ثلاثة عقود، وربما أصبح أقل استعداداً لقبول زعيم جديد قريب من القوى المتشددة، خاصةً أن الإيرانيين أكثر تعليماً، ويتطلعون إلى الانفتاح والاندماج في العالم.

ويُشر السياسيون الإصلاحيون إلى أن الرأي العام الإيراني لن يتسامح أكثر مع عدوانية النظام المحفوفة بالمخاطر مع الولايات المتحدة، مثل إسقاط الطائرة الأوكرانية الأمر الذي دفع الآلاف إلى الاحتجاج في المدن الكبرى.

احتجاجات عنيفة
ويلفت التقرير إلى الاحتجاجات في أعقاب الاضطرابات العنيفة في جميع أنحاء إيران منذ نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، ضد نظام الملالي بسبب الانهيار الاقتصادي، والفساد، والعقوبات الأمريكية، والتي ردت عليها الحكومة الإيرانية بوحشية، وقتل قرابة 300 متظاهر.

ولكن الكثير من الإيرانيين فقدوا الثقة في قدرة الإصلاحيين على أي تغيير، وعلى الأرجح  ستمنع معظم الإصلاحيين من الترشح للانتخابات البرلمانية في الشهر المقبل، ما يمهد الطريق لانتصار المتشددين.
 
ويرى بعض المراقبين السياسيين أن على المرشح الناجح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021، أن يكون شاباً متشدداً ولديه دوافع أيديولوجية.

سيناريو التوريث
ويكشف التقرير أن ثمة تكهنات بأن الحرس الثوري يميل إلى تولي مجتبى خامنئي، 51 عاماً، والنجل الثاني لخامنئي، منصب المرشد الإيراني بعد والده، إذ يملك عقلية مماثلة لوالده، ونظرة ثاقبة للقضايا السياسية والعسكرية، ويتمتع بعلاقات جيدة مع الحرس الثوري، رغم أنه لن يتمتع على الأرجح أنه لن  بسلطة والده المطلقة، ولكن الحرس الثوري لن يستطيع أن يملي عليه الأوامر.

ويُشير التقرير إلى إبراهيم رئيسي، المرشح المحتمل الآخر، رئيس القضاء المتشدد الذي خسر الانتخابات الرئاسية في 2017 أمام حسن روحاني.  

ويخلص التقرير أن الذي يحدد اختيار خليفة خامنئي، هو الكلفة والفوائد السياسية القائمة بين مجموعات المصالح المختلفة، والتي تصب في صالح الحرس الثوري الإيراني الذي يصر على أن تكون المؤسسة الإيديولوجية والسياسية المركزية هي القادرة على اختيار الزعيم الديني المقبل لحكم إيران وتوسيع نفوذها في الخارج بالعراق.