الرئيسان الصيني شي جين بينغ والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الرئيسان الصيني شي جين بينغ والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الثلاثاء 4 فبراير 2020 / 13:13

حلم إيران بالنموذج الصيني... لا يُنهي كابوس طهران

بحثت مجموعة من الأكاديميين من إحدى أشهر الجامعات الإيرانية عن إجابة لسؤال وجيه: "هل يمكن لمقتل الجنرال قاسم سليماني أن يكون بمثابة علاج بالصدمة لإقناع أصحاب السلطة الحقيقية في طهران بالاعتراف بفشل استراتيجية أوصلت إيران إلى طريق مسدود؟".

صناع القرار في إيران عاجزون عن إنتاج نموذج "دينغ إيراني" لأنهم لا يريدون إنشاء اقتصاد إنتاجي، وكل ما يهمهم جني الأموال والهرب بها

وتعليقاً على المناقشات، كتب أمير طاهري، كاتب الرأي لدى موقع غيتستون، ومدير التحرير التنفيذي السابق في صحيفة كيهان الإيرانية، عن أهمية مناقشة قضية تعتبر من المحرمات، معتبراً أنها تشير لاستعداد عدد متزايد من الإيرانيين لتحدي قواعد الصمت التي فرضها النظام، وطرح قضايا محظورة بشكل أكثر أو أقل صراحة.

مقارنة
وخلال النقاش قارن أحد المشاركين بين مقتل سليماني وموت الماريشال لين بياو، وزير الدفاع الشيوعي الصيني في تحطم طائرته في 1971، الذي فتح الباب أمام تغيير جوهري في مسار الصين الماوية.

فبعد مقتل لين، تمكن إصلاحيون صينيون قادهم يومها رئيس الوزراء شو إن لاي، من إقصاء ما عرف باسم "عصابة الأربعة"، بقيادة أرملة ماو، جيان تشينغ، وإنهاء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مقدمةً لتغيير تاريخي لمسار صُمّم لتحويل الجمهورية الشعبية من أداة لخدمة القضية الثورية، إلى دولة طبيعية.

وفي غضون بضعة أعوام، بدأت جمهورية الصين الشعبية بقيادة دينغ شياو بينغ في بناء اقتصاد رأسمالي مع إطار سياسي شمولي، والتخلي عن أحلام "تصدير الثورة".

مصدر جديد
ويشير الكاتب لما عمل عليه النظام الشيوعي الصيني، بعدما فقد شرعيته الثورية، فسعى إلى اكتساب مصدر جديد للشرعية بإنجازات اقتصادية، ورفع كبير لمستوى عيش مئات الملايين من الصينيين.

وأدرك الصينيون أن إنتاج وتصدير سلع لمن يرغب فيها في كافة أنحاء العالم، كان أسهل وأربح من محاولة تصدير ثورة لا تريدها إلا قلة من الطلاب في لندن، وباريس.

ورغم ذلك، يعتقد كاتب المقال أن المقارنة غير دقيقة. إذ اتهم لين بإقامة علاقات سرية بـ"الإمبريالية"، والتخطيط لانقلاب ضد الصين الماوية، فيما كان سليماني من أخلص مساعدي المرشد الأعلى علي خامنئي. وكتب عن سيرة لين الباهرة وقيادته جيش التحرير الشعبي في عدة معارك توجت بالانتصار ودخول بكين، آخر معاركه الناجحة.

مراجعة
وفي المقابل، لا يستطيع حتى أشد المعجبين بسليماني تسمية معركة واحدة خاضها، ناهيك عن الانتصار فيها. وإلى اليوم، ليس بوسع محبيه سوى ادعاء تحقيقه إنجازات سياسية، منها ما يُفترض أنه منع سقوط النظام السوري، والسيطرة على أجهزة الدولة اللبنانية عبر وكلائه هناك.

ورغم ذلك، يعتقد كاتب المقال أن مقتل سليماني فرصة لإجراء مراجعة جادة لسياسة خامنئي في تصدير الثورة التي كلفت إيران أموالاً طائلة، وخسائر بشرية كبرى، دون أن تتبنى أي دولة عقيدة الخميني ونظام حكمه.

وحسب الكاتب ليست فكرة محاكاة النموذج الصيني أمراً جديداً في إيران. إذ طرحت لأول مرة في 1990، من قبل علي أكبر رفسنجاني، رئيس الجمهورية يومها، وقد مضى رفسنجاني أبعد من ذلك للتأكيد، لكن بشبه مزاح، أنه قد يتخلى عن عباءة رجال الدين، ويرتدي الزي المعاصر.

وبعد أن تعهد الشاه بتحويل إيران إلى "يابان أخرى"، وعد رفسنجاني بجعل إيران "صيناً ثانية".

وعجز الشاه عن تحقيق وعده لأن الثورة هاجمته وهو في منتصف الطريق، وغادر إلى المنفى.

وقال بعض أقرب مساعدي رفسنجاني إنه كان "جباناً إلى درجة ما"، وأنه فوت فرصة تنفيذ ما فعله دينغ بسبب انغماسه في صفقات تجارية فاسدة.

وحسب هؤلاء، لم يدرك رفسنجاني أن المرء يبدأ بجمع الأموال لنفسه، ولأسرته وحاشيته، بعدما ينفذ ما فعله دينغ، وليس قبله، إذ جنت أسرة دينغ، بمن فيهم ابنته وصهره، وأنصاره، الملايين بعد تخلي الصين عن الماوية. أما في حالة رفسنجاني، فقد جمع ملايين دون أي محاولة للتخلي عن الخمينية.

خوف من المستقبل
ويلفت كاتب المقال أيضاً إلى انتصار الثورة الصينية بعد نضال استمر عشرات السنين، وحرب أهلية قتل فيها عشرات الملايين من الجانبين.

وفي المقابل، نجحت الثورة الخمينية في أربعة أشهر، لأن الشاه رفض القمع الجماعي، وقرر التخلي عن السلطة، ومغادرة إيران.

ويرى الكاتب أن "صناع القرار" في طهران يشكلون اليوم أقلية تزداد عزلة، وعالقة بين ماضٍ متخيل وخوف من المستقبل. والأسوأ، أن هؤلاء حولوا أموالهم بالفعل إلى الخارج، وأرسلوا أبناءهم للدراسة في أوروبا وأمريكا.

 وعند تأمل كيفية تصرف صناع القرار، يدهش المرء من تصرفهم بانتهازية، يتعاملون مع إيران منطقة للسلب والنهب وإرسال الإيرادات إلى الغرب، فنهم عاجزون عن إنتاج نموذج "دينغ إيراني" لأنهم لا يريدون إنشاء اقتصاد إنتاجي، وكل ما يهمهم جني الأموال، والهرب بها.