زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة  بن لادن مع خلفية للعلم الإيراني.(أرشيف)
زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن مع خلفية للعلم الإيراني.(أرشيف)
الأحد 22 نوفمبر 2020 / 13:47

تواطؤ إيران مع القاعدة.. غير مفاجئ

رد الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات توماس جوسلين على "تفاجؤ" صحيفة نيويورك تايمز بوجود الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبي محمد المصري في إيران قبل اغتياله على يد فريق إسرائيلي، مؤكداً أن العلاقة بين إيران والقاعدة ليست خبراً جديداً.

تحرك المصري بحرية في إيران كي يدير أعمال التنظيم يجب ألا يصدم صحيفة نيويورك تايمز التي "تفاجأت" لأن إيران وتنظيم القاعدة كانا "عدوين لدودين"

واستطاع عملاء إسرائيليون قتل المصري وابنته مريم في السابع من أغسطس (آب) الماضي بالنيابة عن مسؤولين أمريكيين في أحد شوارع طهران، بعدما كان الأخير مطلوباً من الأمريكيين لأكثر من عقدين. وقتل العملاء المصري بعد 22 عاماً على تورطه في تفجير سفارتين أمريكيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس سنة 1998.

ذكر جوسلين في موقع "ذا ديسباتش" أن حساباً تابعاً للقاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي تحدث أولاً عن العملية السرية ذاكراً مقتل المصري وابنته في إيران قبل أن يؤكد مسؤولون استخباريون هذا الخبر لصحيفة نيويورك تايمز ثم لوسائل إعلامية أخرى. وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن أن الإرهابيين كانا يخططان لهجمات ضد مصالح أمريكية وإسرائيلية قبيل اغتيالهما. إضافة إلى كونها ابنة الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، كانت مريم أرملة أحد أبناء أسامة بن لادن ووريثه الشرعي لزعامة التنظيم، حمزة. واغتالت الولايات المتحدة حمزة في مكان ما بين أفغانستان وباكستان، غير أن واشنطن لم توفر تفاصيل إضافية عن مكان قتله بالتحديد.

حفل زفافهما في إيران.. من المدعوون؟
تزوج الثنائي في إيران منذ حوالي 15 عاماً حيث كان يهدف اتحادهما إلى تعزيز الجيل الثاني من "القاعدة". بعد هجمات 11 سبتمبر، توجهت عائلة بن لادن إلى إيران. لم تسمح الأخيرة للعائلة بمغادرة أراضيها، فتوترت العلاقات. لكن إيران لم تقيّد دوماً تحركات المقربين من زعيم "القاعدة".

وجدت القوات الأمريكية تصويراً للزواج في مايو (أيار) 2011، بعد الهجوم الذي شنته على مقر بن لادن في أبوت آباد بباكستان. وفي سنة 2017، نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الفيديو مع آلاف الوثائق والملفات الإضافية. بحسب ما يظهره ذاك الفيديو، كان حفل الزفاف حدثاً احتفالياً حيث حضر المصري شخصياً إلى جانب قادة آخرين من التنظيم وجدوا ملاذهم في إيران.

حياة طبيعية

تناقضت إيران مع القاعدة في مسائل مختلفة. وذكرت تقارير أن إيران وضعت أبرز قادة التنظيم مثل المصري تحت شكل من أشكال الاحتجاز خلال فترة محددة. في 2015، حرر الإيرانيون المصري وأربعة عناصر آخرين في مقابل إفراج "القاعدة" عن ديبلوماسي كانت قد اختطفته لهذه الغاية. لكن المصري ورفيقه سيف العدل، وهو مسؤول بارز آخر في التنظيم، أصبحا يديران الشؤون الدولية للقاعدة من إيران، منذ ذلك الحين. في صيف 2018، رفعت وزارة الخارجية مقدار المكافأة لمن يدلي بمعلومات عنهما من 5 إلى 10 مليارات دولار. وأكد عميل آخر للقاعدة في ذلك الوقت أن الرجلين ما عادا مسجونين وهما يعيشان "حياة طبيعية" داخل إيران.

خرافة
باختصار، إن تحرك المصري بحرية في إيران كي يدير أعمال التنظيم يجب ألا يصدم صحيفة نيويورك تايمز التي "تفاجأت" لأن إيران وتنظيم القاعدة كانا "عدوين لدودين". لكن الصحيفة لم تتوقف لتراجع تقييمها الأحادي على الرغم من أن مصادرها شرحت أن المصري كان "يعيش بحرية في حي باسدران من طهران، وهو ضاحية راقية، منذ 2015 على الأقل"، أي طوال السنوات الخمس الماضية. ووصف الباحث الاعتقاد بعدم قدرة النظام الإيراني الشيعي على التواطؤ مع تنظيم القاعدة السني بالخرافة. وأشار إلى وجود العديد من الأدلة التي تظهر ذلك وتعود إلى التسعينات، حيث يشكل تفجير السفارتين الأمريكيتين سنة 1998 مثلاً جيداً على ذلك.

فيض من الأدلة
وجدت لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر أن إيران ووكيلها الإرهابي الرئيسي، حزب الله، أعطيا "القاعدة" "الخبرة التكتيكية" الضرورية لشن الهجومين المتزامنين منذ 22 عاماً. أُعجب بن لادن ومعاونوه البارزون بقدرة الإرهابيين المدعومين من إيران على دفع الأمريكيين للانسحاب من لبنان في الثمانينات وأرادت القاعدة استنساخ تلك التجربة. حين كان يعيش في السودان أوائل التسعينات، تواصل بن لادن مع أبرز إرهابي في إيران عماد مغنية.

نتيجة لذلك الاجتماع ولقاءات أخرى، أرسلت القاعدة عناصرها إلى إيران ومقرات حزب الله في البقاع اللبناني لتلقي تدريبات على كيفية بناء القنابل الضرورية لشن هجمات كتلك التي قادها الحزب سنة 1983 ضد الثكنات العسكرية الأمريكية والفرنسية في لبنان. هكذا، كان تفجير الثكنات سنة 1983 نموذجاً لتفجيرات 1998 ضد السفارتين.

اتفاق سري
أضاف الباحث أن هذه الوقائع غير خاضعة للجدل. علاوة على ما ذكره التقرير النهائي للجنة 11 سبتمبر، أعاد شهود من "القاعدة" تكرار هذه الرواية في محاكم أمريكية. كذلك، توصل المجتمع الاستخباري الأمريكي إلى تقييمات متطابقة. وفي السنوات الأخيرة، كشفت وزارتا الخزانة والخارجية وجود "اتفاق سري" بين إيران والقاعدة سمح للتنظيم بالاحتفاظ بـ "خط تسهيل أساسي" على أراضيها. أسامة بن لادن نفسه وصف المركز الإيراني بأنه "الشريان الأساسي" لشبكته العالمية.

وفي يوليو (تموز) 2011، قال مساعد وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية دايفد كوهين إنه عبر كشف الاتفاق السري بين إيران و"القاعدة" والذي سمح للتنظيم بتحويل الأموال والعملاء عبر أراضيها، "نلقي الضوء على جانب آخر من دعم إيران بشكل لا مثيل له للإرهاب".

يؤكد جوسلين أن المصري أدرك ذلك بشكل أفضل، ولهذا السبب قرر العيش داخل إيران خلال السنوات الخمس السابقة. كانت إيران ملاذه الآمن حتى أثبت له عملاء إسرائيليّون عكس ذلك.