الأربعاء 7 يوليو 2021 / 13:31

كيف أظهرت الانتخابات بداية تصدّع النظام في إيران؟

تطرق الكاتب السياسي الإيراني المقيم في فرنسا حميد عنايت إلى التفسخات التي يشهدها النظام الإيراني والتي تظهرت أكثر بفعل نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية. كتب عنايت في منصة "مودرن ديبلوماسي" الأوروبية عن نسبة المقاطعة الكبيرة التي شهدتها الانتخابات المزورة والتي مثلت معارضة بارزة لسياسات القيادة الإيرانية.

اختار النظام طوال سنوات تجاهل صوت الشعب ومواصلة سياسة القمع عوضاً عن تغيير سلوكه وأخذ تصويت الإيرانيين بالحسبان واعتناق الديموقراطية بمعناها الحقيقي

حتى بالنسبة إلى المشاركين، أشّر العدد الكبير وغير المسبوق للأوراق البيضاء إلى استياء الشعب من النظام ومرشده الأعلى. وخلق عدم الرضا وغياب الثقة انقساماً سلبياً بين الشعب والحكومة بلغ ذروته حالياً. تعليقاً على نسبتي المقاطعة الكبيرة والأوراق البيضاء، توجه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بسؤال إلى القيادة: "إذا لم يكن هذا إشارة استياء، خيبة أمل، وعدم رضا الشعب تجاه الحكومة، فعندها ماذا يمكن أن يُسمى؟".

سلسلة أكاذيب
وفقاً لأرقام النظام، قاطع 62% من الناخبين الانتخابات الرئاسية. تشبه نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة النسبة التي شهدتها انتخابات مارس (آذار) 2009 التشريعية. في ذلك الوقت أيضاً، امتنع 62% من الناخبين عن الاقتراع. ويربط الكاتب هذه الأرقام بتدهور أحوال الإيرانيين بمرور الأيام والأسابيع. في سياق مشابه، إن للنظام الإيراني تاريخاً مظلماً في توفير أرقام دقيقة عن الانتخابات. وغياب الشفافية على جميع المستويات هو واحد من أسوأ صفاته. فسلسلة أكاذيبه بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية وحصيلة قتلى تظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وتزوير أرقام ضحايا كورونا هي مجرد أمثلة بسيطة عن غياب الشفافية لديه.

الأولى من نوعها
استشهدت المعارضة الإيرانية بـ 1200 تقرير في 400 مدينة إيرانية وبآلاف الفيديوهات والصور من دوائر انتخابية مختلفة لتعلن أن أرقام النظام عن المشاركين في الانتخابات الرئاسية هي أعلى بخمس مرات من العدد الحقيقي، أي أن الاقتراع كانت أقل من 10%. بحسب أرقام النظام، أكثر من 4 ملايين شخص اقترعوا بأوراق بيضاء. ذهب هؤلاء إلى صناديق الاقتراع خوفاً من السجن والاستجواب وانتهاكات أخرى. وذكر عنايت أن العديد من المقترعين بالأوراق البيضاء كانوا أعضاء في الحرس الثوري والباسيج والموظفين الرسميين الذين يرون ضعف المرشد الأعلى ويأسه وهم يفقدون الثقة به. هذه البادرة من فئة اجتماعية تعد الجسم الرئيسي الذي يعتمد عليه النظام هي الأولى من نوعها في تاريخ نظام الملالي.

مقلق للمرشد

قبل الانتخابات، أصدر خامنئي فتوى قال فيها إن التصويت واجب ديني وإن عدم المشاركة في الانتخابات هو خطيئة عظيمة. بالرغم من بروباغندا النظام والتهديدات والوعود الجوفاء والرشاوى وغيرها، لبى الشعب دعوات المقاطعة. أصبح حضور ونفوذ المعارضة الإيرانية واضحين جداً وهذا مقلق للمرشد الاعلى والنظام برمته. تقول المعارضة الإيرانية المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إنها توسعت سريعاً منذ أواسط نوفمبر 2019 ونشرت رسالة المقاطعة بين الشعب بنجاح. وأضاف عنايت أن نسبة المقاطعة للانتخابات الرئاسية في مدينة طهران وصلت إلى 80% وفي المحافظة إلى 70%.

المستضعفون أظهروا قوتهم

بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية إيسنا بلغ العدد الإجمالي للأوراق البيضاء والملغاة في محافظة طهران 70%. مع ذلك، قالت وسائل إعلامية رسمية إن تلك الانتخابات كانت انتصاراً لنظام الحكم. لكن إحداها تحدثت عن أن تركز السلطة في بضع مؤسسات حكومية يجب ألا يؤدي إلى القضاء على المستضعفين. يرد عنايت بأن المستضعفين أظهروا قوتهم مجدداً وقد يفعلون ذلك هذه المرة بشكل أكبر مما حدث في نوفمبر 2019.

ليس تحذيراً بل حريقاً
جرت الانتخابات المحلية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية. نتيجة لذلك، كان عدد الذين شاركوا هذه السنة أقل بـ 75% من الانتخابات الماضية. في انتخابات مجلس مدينة كرج (محافظة طهران)، حلت الأوراق البيضاء في المرتبة الأولى (38888)، متفوقة على الأصوات التي حصل عليها المرشح الفائز بحوالي 16 ألفاً. طوال تاريخ النظام، إنها المرة الأولى التي احتلت فيها الأوراق البيضاء المرتبة الأولى في المدن الكبرى مثل كرج وأراك (عاصمة محافظة مركزي) وهمدان (عاصمة محافظة همدان). بينما احتلت هذه الأوراق المرتبة الثانية في طهران. وانخفضت نسبة المشاركة المحلية في طهران إلى 26%. لم يعد هذا الوضع تحذيراً بل حريقاً فعلياً. ويتوقع عنايت أن تكون أرقام المشاركة في الأجزاء الأبعد من البلاد مشابهة لتلك التي شهدتها طهران بالاستناد إلى أن بقية المدن غالباً ما تتبع مسار العاصمة.

شرط التغيير الحقيقي
نقل عنايت عن عالم الاجتماع والأستاذ في جامعة طهران أزاد أرمكي قوله إنه كان يتحدث عن قوة ثالثة منذ سنة إلى سنتين حيث لن يكون مرشحوها إصلاحيين أو متشددين مضيفاً أن من صوتوا بأوراق بيضاء اجتازوا انقسام إصلاحي-متشدد. وأضاف أرمكي أن هذه الظاهرة تشير إلى أن جزءاً كبيراً من المجتمع لم يعد يتصرف ضمن إطار العمل السابق ويختار السير نحو وجهات أخرى. يرى عنايت أن هيكلية النظام هي السبب الوحيد لما يحصل اليوم داخل المجتمع الإيراني. لا يمكن حصول تغيير حقيقي وجوهري من دون هدم وإزالة ولاية الفقيه وهذا يعني نهاية نظام الملالي بحسب الكاتب.

حكم التاريخ
لقد اختار النظام طوال سنوات تجاهل صوت الشعب ومواصلة سياسة القمع عوضاً عن تغيير سلوكه وأخذ تصويت الإيرانيين بالحسبان واعتناق الديموقراطية بمعناها الحقيقي. لكن اللجوء إلى الخيار الأخير يمكن أن يكون مكلفاً للنظام. والأهم أن تعيين رئيس متورط في مجزرة 1988 بحق سجناء سياسيين يدل إلى أن النظام قرر استخدام أجهزته القمعية ضد الشعب الإيراني. لكن عنايت يستند إلى التاريخ كي يستنتج في ختام مقاله أن الديكتاتورية لا تستطيع التغلب على سلطة الشعب.