الإثنين 14 مارس 2022 / 13:05

نيويورك ماغزين: الحرب الأوكرانية نحو أفق مسدود وخطير

يعتقد إريك ليفيتز في مقال بـ"نيويورك ماغزين" أن غالبية السيناريوهات التي يمكن أن تنشأ عن غزو أوكرانيا قاتمة، ففي أقل من أسبوعين، تحول اجتياح روسيا لأوكرانيا من حريق إقليمي إلى أزمة دولية. أدى التعنت الإمبريالي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمقاومة البطولية للشعب الأوكراني والحماسة الأخلاقية للجمهور الغربي، إلى دفع البشرية نحو حافة الكارثة الاقتصادية، إن لم تكن حافة الحرب العالمية الثالثة.

تتمثل الأهداف التقليدية الأخرى للحرب الاقتصادية في إكراه المعتدي على قبول تسوية سلمية أو في تقويض إمكاناته العسكرية لشن حرب. لكن ثمة سبب للتشكيك في فاعلية هذه العقوبات على الجبهتين

من خلال تعبئة دفاعهم عن ديموقراطيتهم الوليدة، أحبط الأوكرانيون آمال موسكو في انتصار سريع وخطة غربية ضمنية لاحتجاج فاتر ضد الاعتداء الروسي.

في الأساس، حاول جو بايدن ونظراؤه الأوروبيون تحقيق توازن بين معاقبة جرائم الكرملين وحماية أسواق السلع. لكن رفض زيلينسكي وضع سلامته الشخصية فوق التضامن مع دولته المحاصرة وحمل ملايين الأوكرانيين العاديين السلاح، وقنابل المولوتوف للدفاع عن المثل العليا للغرب سرعان ما جعلا توازناً مماثلاً غير قابل للاستدامة.

الوفيات بسبب الجوع
يوم الثلاثاء، منعت الولايات المتحدة واردات النفط الروسي مغلقة واحدة من بضع ثغرات قليلة متبقية في حصارها الاقتصادي على دولة تصدر حصة كبيرة من المعادن، والقمح، والطاقة، التي يحتاجها العالم.

ويوم الجمعة، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع في تعليق العلاقات التجارية مع روسيا، وسيكون تأثير هذه العقوبات غير المسبوقة محسوساً وراء الحدود الروسية.

إن إزالة كميات ضخمة من المحروقات، والمنتجات الزراعية الروسية من الأسواق العالمية تضغط بالفعل تصاعدياً على أسعار المواد الغذائية العالمية التي سجلت ارتفاعاً قياسياً في الشهر الماضي.

وحتى قبل الأزمة الحالية، كان ملايين الأفغان معرضين لخطر المجاعة. والآن، تتهيأ أعداد الوفيات بسبب الجوع للارتفاع بينما ينتشر المزيد من المصاعب المادية في شمال الكرة الأرضية.

ومن المحتمل أن تزداد التوقعات الاقتصادية سوءاً بإعلان الكرملين أنه سيفرض قريباً عقوبات انتقامية.

خيط رفيع 
انتشرت دعوات لفرض منطقة حظر جوي، أي إسقاط أي طائرة روسية تدخل المجال الجوي الأوكراني، بين القادة في كييف، مروراً بالناشطين الغربيين، وصولاً إلى نخب السياسة الخارجية الأمريكية.

وحتى الآن بقي البيت الأبيض عنيداً في معارضته للصراع العسكري المباشر بين ناتو وروسيا، المواجهة التي من شأنها أن تكون حرباً عالمية بين قوى نووية.

لكن هناك خيط رفيع بين مساعدة أوكرانيا في جهودها العسكرية والانضمام إلى الحرب، حسب ليفيتز.

وبالتالي، يقود مسار النزاع الحالي العالم إلى سيناريو يخسر فيه الجميع مع انكماش دولي وزيادة خطر اندلاع حرب نووية. ليس واضحاً كيف ينوي كل طرف تفادي الكارثة، أو تأمين انتصار.

خياران 
خسرت روسيا الحرب إلى حد غير ضئيل، بني الغزو على تصور عن أوكرانيا أثبت زيلينسكي وناخبوه أنه غير صحيح. رأى بوتين ومسؤولوه الاستخباريون أن الوطنية الأوكرانية عموماً ومتغيرها الليبيرالي الديموقراطي خصوصاً، صادرات غربية فرضت على سوق غير مبالية.

واعتبروا أن الغرب يعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية ويقدر المستثمرين المحليين ولهذا السبب لن يقاتل كثيراً، ولكنهم كانوا مخطئين في جميع النواحي.

تترك هذه الحسابات بوتين مع خيارين غير مستساغين. يمكنه التخلي عن أهدافه الحربية الأساسية وعقد تسوية تشمل تنازلات لا تقترب من تعويض تكاليف مغامراته، أو تحويل أوكرانيا إلى ركام، وتأسيس حكومة مكروهة على أنقاضها، وتبديد موارد روسيا المتراجعة على مكافحة تمرد دموي لا ينتهي.

سيكون بوتين حكيماً باختيار انسحاب استراتيجي عوض السعي إلى تحقيق "انتصار" باهظ الثمن. لكن الكاتب يتساءل عن الذي سيراهن اليوم على تبصر الرئيس الروسي.

سياسة الغرب الغامضة 
يرى ليفيتز أن تصور الغرب لنهاية الحرب على المستوى نفسه من غموض التصور الروسي. وفي الأسبوعين الماضيين، صعدت الولايات المتحدة وأوروبا سريعاً حربهما الاقتصادية على روسيا مجتازتين حدوداً لم يكن وارداً أن تجتازاها في بداية الحرب.

يبقى المنطق الاستراتيجي خلف تلك الخطوات، أي كيفية مساهمة إفقار روسيا في المحافظة على أوكرانيا مستقلة، غير واضحة بشكل كبير.

وثمة سبب للخوف من أن يعكس التصعيد الغربي ضغوطاً سياسية داخلية أكثر من حسابات ديبلوماسية باردة.

فالبيت الأبيض حريص على إظهار القيادة الأمريكية على المسرح العالمي مع رفض توريط القوات الأمريكية في صراع آخر بعيد المدى، لذلك، قد تكون العقوبات المتزايدة الطريق الأسهل بصرف النظر عن المكان الذي يبدو أنها توصل إليه.

لماذا التشكيك في فاعلية العقوبات؟

ليس المقصود من ذلك أن نهج الغرب يفتقر لأي أساس معقول. لا شك أن العقوبات الحالية رادع ضد الغزو في المستقبل. لكن إذا كان ذلك هدفها الوحيد فمن المرجح أن بالإمكان تحقيقه بكلفة أقل على الازدهار العالمي.

وتتمثل الأهداف التقليدية الأخرى للحرب الاقتصادية في إكراه المعتدي على قبول تسوية سلمية أو في تقويض إمكاناته العسكرية لشن حرب. لكن ثمة سبب للتشكيك في فاعلية هذه العقوبات على الجبهتين.

في شهادة أمام مجلس النواب الثلاثاء الماضي، قالت مديرة الاستخبارات القومية أفريل هاينز إن سرعة وحدّة العقوبات الغربية فاجأت موسكو لكن "محللينا يقدرون أن من غير المرجح أن يرتدع بوتين بهذه الانتكاسات، وعوض ذلك، قد يصعّد".

لم يُفرح هذا الأمر المشرعين. وعندما سئل عن رؤيته للمخرج من هذه الأزمة، قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف: "أعتقد أن ما يمكننا فعله هو ببساطة مواصلة زيادة الثمن الذي على بوتين وروسيا دفعه".

وأضاف أنه يصعب رؤية النظام الروسي يبحث عن مخرج طالما لم يشعر بأنه في خطر.

تحليل غير مرضٍ
رأى الكاتب أن تحليل شيف غير مرض على مستويات عدة، أولاً إذا كانت العقوبات الأمريكية لن تثمر حتى تزعزع استقرار نظام بوتين، فإنها قد لا تفعل أبداً. وتاريخياً، غالباً ما أدت الحروب الاقتصادية إلى تحويل المجتمعات المستهدفة، غضبها بعيداً عن القادة المحليين، إلى الذين فرضوا العقوبات.

أعرب 58% من الروس عن دعمهم للحرب في أوكرانيا وفق استطلاع رأي حديث لباحثين مستقلين. وذلك، جزئياً، بسبب إحكام الكرملين قبضته على المعلومات.

ولا يستطيع منتقدو الحرب التعبير عن معارضتهم دون المخاطرة بالتعرض للسجن، بينما حُظرت الصحافة المستقلة داخل البلاد.

والأوليغارشيون الروس أكثر اعتماداً على بوتين من العكس. بالنسبة إلى كثيرين، يعد تسييل علاقاتهم الشخصية مع بوتين مصدر دخل حيوي. ولهذه الأسباب، من المرجح أن تفشل استراتيجية شيف. ومع ذلك، قد يكون هذا الأمر أقل إثارة للقلق من الاحتمال الثاني.

هل يستخدم السلاح النووي؟
وفقاً لتقرير حديث عن الضابط السابق في المخابرات الوطنية الأمريكية في أوروبا كريس تشيفيس، قادت الحكومة الأمريكية عشرات الألعاب الحربية بعد اجتياح بوتين القرم في 2014 لتوضيح التداعيات المرجحة للأشكال المختلفة من التصعيد بناء على أفضل الاستخبارات المتوفرة.

ومن بين أكثر الاستنتاجات صلابة "سيستخدم بوتين على الأرجح سلاحاً نووياً إذا خلص إلى أن نظامه مهدد" وفقاً لتشيفيس.

إن أقوى مبرر للعقوبات الغربية هو أنها ستحد من الموارد المتاحة أمام صناعة الحرب الروسية. لكن ذلك أيضاً ينطوي على خطر عواقب غير مقصودة.

ولاحظ الأستاذ في الكلية الحربية البحرية إريك ساند وعالمة السياسة سوزان فريمان، أن "العزلة الاقتصادية نادراً ما تتسبب في استسلام أهدافها تماماً" وتؤدي غالباً إلى "تبني الدول المنخرطة في الحرب استراتيجيات أكثر خطورة".

وفي هذا الإطار، يجد القادة العسكريون أنفسهم في مواجهة "نافذة تغلق أمام تفادي كارثة يرونها مقبلة" ويفعلون ذلك في كثير من الأحيان بالعنف التصعيدي.

أقل الخيارات سوءاً

وفقاً لليفيتز، من المحتمل أن تكون العقوبات القاسية أقل خيارات الغرب سوءاً. فالسماح لمعتدٍ إمبريالي بإخضاع ديموقراطية ليبيرالية دون دفع ثمن باهظ، ينطوي على مجموعة خاصة من المخاطر.

ومع ذلك، فإن تمتع الغرب بالقليل من الوضوح حول كيفية مساهمة الحرب الاقتصادية بالسلام في أوكرانيا أمر مزعج.

إن خطراً مرتفعاً بمجاعة، وانكماش دولي، وكارثة نووية ربما هو كلفة ضرورية لإحباط اعتداء روسيا. "لكن من الجيد أن يكون هناك حساب أكثر شمولية عن استراتيجية الغرب، قبل أن ندفع نحن والعالم الثمن" يختم الكاتب.