الغزو الروسي على أوكرانيا (أرشيف)
الغزو الروسي على أوكرانيا (أرشيف)
الأربعاء 23 مارس 2022 / 10:53

حان وقت العقلانية السياسية

طارق الحميد - الشرق الأوسط

الأزمة التي يواجهها العالم اليوم بسبب الحرب في أوكرانيا تؤكد ضرورة العودة إلى العقلانية السياسية "Realpolitik" والابتعاد عن السياسة الافتراضية، إن جاز التعبير، وهي وسائل التواصل الاجتماعية.

لا يُعقل أن يبدأ، مثلاً، الرئيس الأمريكي بايدن حملته الانتخابية بهجوم على مصر ثم يلجأ للرئيس عبد الفتاح السيسي لإيقاف حرب غزة، ولا يُعقل أن يهاجم بايدن السعودية ثم يهرول خلفها لدعم استقرار الطاقة، ولا يُعقل أن تهاجم فنزويلا ثم تستعين بها نفطياً.

ومثال آخر، وآنيّ، لا يُعقل أن تحدث حرب في أوروبا وكان يمكن حلها في اجتماع "زوم" وليس رحلات مكوكية، ولا يُعقل أن تَنتج عن تلك الحرب عقوبات تؤثر في الغرب نفسه وأمريكا قبل أن تؤثر في روسيا، مثل أسعار النفط، مما يعني أنه قرار انفعالي.

ولا يُعقل أن تُفرض عقوبات على أفراد وممتلكاتهم من دون محاكمة، أو إقحام السياسة في الرياضة، ولا يُعقل أن تلوّح بعقوبات اقتصادية وكبرى الشراكات اليوم هي مع الصين، وليس أوروبا أو الولايات المتحدة التي هي بحاجة إلى الصين.

ولا يُعقل أن يصرّح وزير الخارجية الأمريكي بأن بايدن سيهاتف الرئيس الصيني ليطلب منه كذا وكذا، لا دولة تستجيب لطلبات علنية، وقبل حدوث المكالمة، هذا أمر مفيد لزيادة التصفيق، أو "الريتويت" و"التفضيل" لكن في عالم الواقعية السياسية لن تجد من يحترمك.

ولا يُعقل أن يرتفع سعر البترول فتهرع بريطانيا والولايات المتحدة للاتصال بالسعودية، وعندما يستهدف الإرهاب الحوثي السعودية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة إيرانية تهرع واشنطن إلى فيينا لاستكمال الاتفاق النووي.

ولا يُعقل أن يتحول الاتفاق النووي الذي يُفترض أنه سيَحول دون تمكين إيران الإرهابية من أن تتحول نووية إلى اتفاق تبادل أسرى بدلاً من اتفاق يَحول دون وصول إيران للنووي، ويوقف مشاريعها الصاروخية، وتوغلها في المنطقة.

ولا يُعقل أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، يتحدث الآن، وليس قبل أسبوع، أو شهر، قائلاً: "نُدين هجمات الحوثيين في الساعات الـ48 الماضية ضد البنية التحتية المدنية السعودية"، مضيفاً "الحوثيون يشنون هذه الهجمات الإرهابية بتمكين من إيران، التي تزوّدهم بمكونات الصواريخ والطائرات من دون طيار والتدريب والخبرة"، حسناً، وماذا بعد؟ أوليست الإدارة الأمريكية هي من أزال الحوثيين من قائمة الإرهاب؟.

وهل من موقف جاد من الإدارة الأمريكية التي تتحدث الآن عن "الشراكة" و"التحالف" مع السعودية، ودول الخليج؟ أين الموقف الأمريكي الجاد من أمن الخليج، وكما يطالب الأمريكيون السعوديين والخليجيين الآن بالحد من أسعار النفط، ودعم الاستقرار الدولي؟.

وأين الموقف الأمريكي الجاد من أمن العراق و"الحرس الثوري" الإيراني يعلن إطلاقه 12 صاروخاً باليستياً على أربيل ثم يقال أن واشنطن تريد شطب "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب؟ أين الموقف الأمريكي الجاد وإيران تعطل تشكيل الحكومة العراقية للآن، بينما لا تزال واشنطن تهرول خلف طهران في فيينا؟.

وعليه، اليوم ظهر لساسة وسائل التواصل الاجتماعية أن ارتفاع أسعار النفط هو الحقيقة وليس ارتفاع "الترند"، ولمواجهة هذه الأزمة، وغيرها، فما من حل دون الرجوع إلى العقلانية السياسية، عدا عن ذلك ما هو إلا عبث وشعبوية.