الخميس 24 مارس 2022 / 15:49

خبراء يفندون إستراتيجية أمريكا بعد حرب أوكرانيا؟ (1)

قدّم سبعة من كبار محللي السياسة الخارجية نظرتهم للتغيير الذي ستحدثه الحرب الروسية الأوكرانية على السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي والأوروبي.

كانت الحرب بمثابة جرس إنذار للأوروبيين الذين اعتقدوا أن نشوب حرب كبيرة في قارتهم أصبح مستحيلاً بسبب القواعد ضد الغزو والمؤسسات الدولية والاعتماد الاقتصادي المتبادل والضمانات الأمنية الأمريكية

وكتب المحلّلون السبعة، في تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، أن الحرب الروسية على أوكرانيا دخلت شهرها الثاني، وتبدو تسميتها بالتحوُّل التاريخي "فكرة مبتذلة ومُكرَّرة"، إذ أنها أول حرب عدوانية شاملة في أوروبا منذ عام 1945.

وأضافوا أن الصين تتجه أكثر إلى الاقتراب من روسيا المنكوبة، فيما لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها موحَّدين منذ عقود كما هم الآن، حتى أن ألمانيا أدركت مدى حاجتها إلى إعادة التسلُّح.

ودفعت صدمة الحرب إدارة بايدن جاهدةً لإعادة كتابة مخططها للأمن القومي. وكان من المقرر أن تصدر استراتيجية الدفاع الوطني لدى وزارة الدفاع الأمريكية، التي تحدد نهج الولايات المتحدة للتحديات الأمنية الطويلة المدى، في فبراير (شباط)، ولكنها لن تصدر حتى إشعار آخر.

وعندما تصدُر النسخة المنقَّحة من أهم وثيقة أمنية لواشنطن، سيتعين عليها أن تعكس الحقائق الجديدة على الأرض: غير العدوان الروسي الأمن الأوروبي تغييراً جذرياً بطرق لا تزال غير واضحة في ظل استمرار الحرب؛ وذلك لأسباب ليس أقلها انعدام اليقين بشأن مدى التقارب بين بكين وموسكو بسبب الصراع. علاوةً على ذلك، أعطت استجابة الدول الغربية الفجائية المخططين للسياسة الخارجية مجموعة أدوات أكبر للاستفادة منها أثناء تخطيطهم للتحديات المستقبلية.

فكيف ستغيّر الحرب الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة، والتي بدت قبل شهر تركز بالكامل تقريباً على الصين والمحيط الهندي والمحيط الهادئ؟

تسليم الأمن الأوروبي إلى الأوروبيين
وقال ستيفن إم والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، إن الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة قد ركزت، على مدار أكثر من قرن، على المساعدة في الحفاظ على توازناتٍ مواتية للقوة في أوروبا وشرق آسيا، وبدرجة أقل في الخليج العربي. وكان صعود الصين بمثابة أكبر تحد لقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على هذه الترتيبات الإيجابية للقوة. ولا يغيِّر الغزو الروسي "الوحشي" لأوكرانيا هذه الحقيقة. وبالنظر إلى المستقبل، لا ينبغي لإدارة بايدن أن تسمح للأحداث المروعة في أوروبا بصرف انتباهها عن المهمة الأكبر المتمثلة في إعادة بناء القوة في الداخل وموازنة القوة الصينية في الخارج.

وأضاف: "لقد كانت الحرب بمثابة جرس إنذار للأوروبيين الذين اعتقدوا أن نشوب حرب كبيرة في قارتهم أصبح مستحيلاً بسبب القواعد ضد الغزو والمؤسسات الدولية والاعتماد الاقتصادي المتبادل والضمانات الأمنية الأمريكية".

وأكد أن أوروبا يمكنها التعامل مع التهديد الروسي المستقبلي بمفردها. والآن مع الكشف عن قدرات روسيا الحقيقية، يجب أن تزداد الثقة في قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها بشكل أكبر.

واعتبر أن الحرب في أوكرانيا هي لحظة مثالية للتحرك نحو تقسيم جديد للعمل بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، حيث تكرس واشنطن اهتمامها لآسيا ويتولى شركاؤها الأوروبيون المسؤولية الأساسية عن دفاعهم. على أمريكا أن تتخلى عن معارضتها الطويلة الأمد للاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، وأن تساعد بنشاط شركائها في تحديث قواتهم. يجب أن يكون القائد الأعلى لحلف الناتو المقبل جنرالاً أوروبياً، وعلى قادة الولايات المتحدة أن ينظروا إلى دورهم في "الناتو"، ليس كمستجيبين ولكن كمدافعين عن الملاذ الأخير.

وشدّد الكاتب على أن تسليم مسؤولية أمن أوروبا إلى الأوروبيين يجب أن يكون تدريجياً، مشيراً إلى أن الوضع في أوكرانيا لا يزال دون حل، ولا يمكن استعادة القدرات الدفاعية الأوروبية بين عشية وضحاها، بيد أنه على المدى الطويل، يجب أن تسعى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أيضاً إلى بناء نظام أمني أوروبي لا يستبعد روسيا– لتعزيز الاستقرار في أوروبا ولإبعاد موسكو عن الاعتماد المتزايد على الصين. ويجب أن ينتظر هذا التطور وجود قيادة جديدة في موسكو، ولكن يجب أن يكون هدفاً طويل المدى.

بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، انجرفت الولايات المتحدة إلى ما يسمى بحرب مكلفة على الإرهاب وجهود مضللة لإحداث تحولات الشرق الأوسط الكبير. ويجب ألا ترتكب إدارة بايدن خطأ مماثلاً اليوم، إذ لا يمكن تجاهل أوكرانيا، لكن ذلك لا يبرر التزاماً أمريكياً أعمق تجاه أوروبا بمجرد حل الأزمة الحالية. ولا تزال الصين هي المنافس النظير الوحيد، ويجب أن تظل على رأس أولويات الولايات المتحدة الإستراتيجية.

الحرب الاقتصادية غيّرت مجموعة الأدوات الإستراتيجية إلى الأبد
من جهتها، أوضحت شانون أونيل، نائبة رئيس مجلس العلاقات الخارجية ونائبة مدير الدراسات والباحثة الأولى في المجلس، أن العقوبات الاقتصادية والمالية غير المسبوقة على روسيا، والمساعدات العسكرية التقليدية لأوكرانيا، غيّرت نهج الولايات المتحدة القائم على القهر المالي والدمار الاقتصادي.
ورأت أن هذا يمكن أن يغير مجموعة أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى الأبد، مع عواقب عميقة لنظرة واشنطن، وإن اعتبرت أن الاستخدام السابق للعقوبات لم يؤد إلى تغيير النظام أو إنهاء الحروب.

ولكنها في الوقت نفسه اعتبرت أنه إذا انتصرت الولايات المتحدة- وأجبرت المعركة الاقتصادية بوتين على سحب جيشه أو حتى خسارة السلطة-، فستعمل الولايات المتحدة بكل تأكيد على صياغة إستراتيجية كبرى وتحديد ملامح طبيعة التحالفات والتسلسل الهرمي للقوى العظمى بالأساس في جزء كبير من القرن الحادي والعشرين.

وقالت: "سيعيد ذلك تأكيد هيمنة الولايات المتحدة بوسائل جديدة، وسيردع المعتدين الآخرين لأنهم سيدركون أن ليس لديهم طريقة كافية لحماية أنفسهم من التداعيات المدمرة للحرب الاقتصادية والمالية، وسيُنذر بنوع جديد من سباق التسلح غير العسكري، حيث تتنافس الدول على إقامة أنظمتها الخاصة وتكتلاتها التجارية الإقليمية، وإعادة تشكيل موازين القوة الاقتصادية. وفي النهاية، ستعيد حرب روسيا في أوكرانيا تعريف معنى أن تكون قوة عظمى وطبيعة الصراعات المقبلة.

الحفاظ على التركيز على الصين
بدوره، قال توشيهيرو ناكاياما، أستاذ السياسة الأمريكية والسياسة الخارجية بجامعة كيئو اليابانية، إن الحرب الروسية -الأوكرانية ستغيّر التصورات الجيوسياسية أكبر بكثير من تغييرها للواقع الجيوسياسي. وفي حين أن روسيا تحت حكم بوتين تلوح في الأفق باعتبارها تحديًا قصير المدى، ستظل الصين تمثل التهديد المهيمن على المدى المتوسط إلى المدى الطويل.

ورأى ناكاياما أن تحقيق التوازن بين الاثنين سيكون أمراً مهماً للغاية. وإذ أشار إلى تغييرات كبيرة محتملة في روسيا بعد بوتين- إذا لم يأخذ العالم إلى الجحيم قبل وفاته، إلا أنه يؤكد أن التهديد الآتي من الصين جذري، حيث لن يؤدي التغيير في القيادة إلى تغييرات كبيرة، حيث أن الصين تعمل على تضييق فجوة القوة مع الولايات المتحدة.

وقال: "ستحاول الصين التصرّف باعتبارها دولة أكثر مسؤولية حتى في الوقت الذي تتقرب فيه من روسيا. وبالنظر إلى وحدة الغرب وشركائه في الاستجابة للحرب الروسية، ربما تكون بكين الآن قد بدأت تتعلم مدى خطورة لعبة محاولة تغيير الوضع الراهن بالقوة. وسيصبح من الصعب على الصين على نحو متزايد تبرير شراكة صينية روسية "بلا حدود"، كما وصفها بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ قبل وقت قصير من الغزو.
وقد تؤكد الصين أنها ليست دولة خارجة عن القانون مثل روسيا بينما تضاعف من جهودها في إنشاء مجال نفوذ من خلال الإكراه غير العسكري، كما تفعل في الواقع. وفي واشنطن، قد نرى مقاومة من جانب أولئك الذين يفضلون المشاركة مع بكين استناداً إلى الحجة القائلة إن الصين تتصرف بمسؤولية أكثر من روسيا.

ولا تملك الولايات المتحدة القدرة العملياتية أو الاهتمام المستمر بالتزام كامل طويل الأمد بالقضيتين الأوكرانية والصينية، لكن الواقع الجيوسياسي يتطلب أن تلتزم واشنطن بكليهما. وإذا كان هذا هو الحال، فلن يكون أمام حلفاء الولايات المتحدة وشركائها على كل من جبهتي أوروبا والهند والمحيط الهادئ خيار سوى إلزام أنفسهم بنشاط أكبر.

وبينما أكدت الولايات المتحدة أنها لن تتدخل في أوكرانيا بشكل مباشر، حيث يوجد خط واضح بين أعضاء الناتو وغير الأعضاء، رأى ناكاياما أن هذا المنطق لا يمكن تطبيقه مباشرةً على آسيا، فلا شك في أن الطريقة التي ندرك بها مصداقية الولايات المتحدة ستتأثر بشكل كبير بالطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع أزمة أوكرانيا.