الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي جو بايدن.(أرشيف)
الجمعة 25 مارس 2022 / 11:44

خبراء يفندون استراتيجية أمريكا بعد حرب أوكرانيا (2)

قدّم سبعة من كبار محللي السياسة الخارجية، في تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، نظرتهم للتغيير الذي ستحدثه الحرب الروسية الأوكرانية على السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي والأوروبي، والتي بدت قبل شهر تركّز بالكامل تقريباً على الصين والمحيط الهندي والمحيط الهادئ.

هناك اختلاف جوهري واحد بين أوروبا وآسيا، وهو أنه في حين أن الاقتصاد الروسي، بالرغم من دوره باعتباره مورداً للطاقة، مندمج اندماجاً طفيفاً في الفضاء الجغرافي الاقتصادي الأوروبي، إلا أن الصين مندمجة تماماً في آسيا

أوضحت آن ماري سلوتر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "نيو أمريكا"، أنه إذا انتصر بوتين، فسيعيد كتابة قواعد النظام الدولي الليبرالي، لكنها اعتبرت أن التغيير الأساسي هو في رفض الصين إدانة هذه الحرب.

وأشارت إلى خطورة العالم الذي تدعم فيه الصين وروسيا بعضهما، في إعادة رسم الخرائط الإقليمية وإعادة كتابة قواعد النظام الدولي بدلاً من العمل على كسب النفوذ من داخل المؤسسات القائمة.

وفي هذا السياق، قالت: "تتجلى أكثر مدى حماقة إدارة بايدن في تصعيد التنافس بين الولايات المتحدة والصين باعتبار ذلك التنافس نقطة محورية لسياستها الأمنية".

ورأت أنه كان ينبغي على واشنطن التركيز على أوروبا أولاً من خلال بناء أجندة اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية عبر المحيط الأطلسي وتوسيعها قدر الإمكان عبر نصف الكرة الارضية بأكمله، شمالاً وجنوباً، مشيرة إلى أن أفضل طريقة للتنافس مع الصين هي الاعتراف بأن القارات التي تعاملت معها أوروبا والولايات المتحدة على أنها ساحات خلفية لها تستحق المعاملة باعتبارها ساحات أمامية الآن.

وأوضحت أن غزو بوتين لأوكرانيا أكد أن أوروبا حليف عسكري لا غنى عنه للولايات المتحدة، وأظهر مكانتها بصفتها شريكاً اقتصادياً وأخلاقياً وقانونياً، مشيرة إلى أنه أقنع أوروبا بزيادة إنفاقها الدفاعي، استعدادًا لمستقبل قد لا تكون فيه أوروبا قادرة على الاعتماد على دعم الولايات المتحدة.
ولذاك، رأت أنه يتعين على الولايات المتحدة تشجيع الجهود الأوروبية لتطوير دفاع أقوى وأكثر تماسكاً لعموم أوروبا، وعلى إدارة بايدن المضي قدماً في عقد معاهدة تجارة واستثمار جديدة عبر المحيط الأطلسي وإنشاء سوق رقمية مشتركة، وتشجيع العلاقات الأوروبية مع دول الجنوب العالمي.

وأضافت أنه بعد رحيل بوتين، على واشنطن أن تدعم أوروبا في بناء بنية أمنية جديدة من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال، ربما مع دوائر متقاطعة ومتداخلة للتعاون الدفاعي بين مجموعات الدول.

تمكين التحالفات وتقاسم الأعباء
من جهته، اعتبر رجا موهان، زميل أول في معهد سياسة المجتمع الآسيوي، أن إدارة بايدن ركّزت في الأساس على الصين في توجيهاتها المؤقتة لعام 2021، حتى أن بايدن تواصل مع بوتين سعياً إلى علاقة مستقرة تسمح لواشنطن بالتركيز على أولوياتها في المحيطين الهندي والهادئ.
لكن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار تساؤلات حول استدامة ميل بايدن نحو المحيطين الهندي والهادئ، بحيث بات بعض المحللين في آسيا يشعرون بالقلق من أن التهديد الذي تمثله روسيا في أوروبا قد يجبر بايدن على تخفيف المواجهة مع الصين والعودة إلى استراتيجية الصين أولاً في المنطقة.

وعلى الرغم من محاولات واشنطن الدبلوماسية لتجنيد مساعدة بكين في وقف حرب بوتين، إلا أن الإعلان المشترك في 4 فبراير (شباط) عن شراكة صينية روسية "بلا حدود"، يمنع بوتين من الاختيار بين أوروبا وآسيا. وفي هذا الاطار، اعتبر موهان أن احتمال تفاوض أحد الزعيمين من أجل السلام على نحو منفصل مع واشنطن ضئيل جداً، خاصة وأن ضعف روسيا سيقربها من الصين أكثر.

وقال: "إذا كانت واشنطن تواجه الآن تحدياتٍ صينية وروسية، يجب عليها تمكين حلفائها وتجديد ترتيبات تقاسم الأعباء في آسيا وأوروبا، والتركيز على ما يسميه مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان العمل الشبكي للشراكات المرنة والمؤسسات والتحالفات ومجموعات الدول والذي بدأ يكتسب بالفعل زخماً كبيراً في آسيا".

وأضاف: "لا تستطيع آسيا ولا أوروبا تحقيق التوازن بين الصين وروسيا بمفردها في المستقبل المنظور، لكن من خلال بذل مزيد من أجل أمنهم، فإنهم يساعدون في تعزيز الدعم السياسي المحلي للولايات المتحدة من أجل استمرار الالتزام العسكري في المنطقتين. ومن خلال تعزيز دور أكبر لحلفائها وزيادة تفعيل موقفهم السياسي، يمكن لواشنطن بناء توازناتٍ إقليمية دائمة للقوى في آسيا وأوروبا، مدعومةً بالقوة العسكرية الأمريكية، ما قد يجبر بكين وموسكو على تبنِّي نهج أكثر منطقية مع جيرانها وغض الطرف عن الاعتقاد بأنهما قادرتان على عقْد صفقات القوى العظمى مع واشنطن على حساب آسيا وأوروبا".

واعتبر أنه "من شأن الأعباء المشتركة والتحالفات القوية مع الولايات المتحدة أن تسهل على آسيا وأوروبا التوازن بين نهجي الاحتواء القريب المدى والمصالحة الطويلة المدى مع الصين وروسيا، بما يعزّز الهدف الدائم لإستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى وهو منع هيمنة أي قوة عظمى على إحدى المنطقتين بمفردها".

الإبقاء على عزلة روسيا
بدوره، قال روبين نيبليت، مدير معهد تشاتام هاوس، إن غزو أوكرانيا كشف عن ضعف حالة النظام الأمني الأوروبي بقدر ما غيرَّه.
وأشار إلى أن ربط الصين في مدار العقوبات الغربية إلى جانب روسيا أدى إلى تقارب هاتين القوتين العظميين أكثر، وبالتالي فإن محاولة فصل الصين عن روسيا في خضم هذه الأزمة صعب جداً، إذ أن التهديد بفرض عقوبات ثانوية على الصين إذا قدمت دعماً اقتصادياً صريحاً لروسيا سيحمل معه مخاطر كبيرة على استراتيجية الولايات المتحدة الأوسع.

وأوضح: "ستظل السوق الصينية مهمة للدول الأوروبية والآسيوية بطرق لا تنطبق على الاقتصاد الروسي. وستكون السيطرة على التحالفات عبر المحيط الأطلسي وعبر المحيط الهادئ أكثر صعوبة إذا انفلت الصراع من كونه بين الغرب وروسيا فحسب، ليصبح بين الغرب والحليفتين روسيا والصين".

وأكد أن قلة من الدول سترغب في الانضمام إلى الولايات المتحدة في ظل هذا العالم المنقسم بشدة، وبالتالي يظل التحدي هو الإبقاء على عزلة روسيا وكشفها بسبب غزوها السافر والوحشي على سيادة جارتها.

سياسة واشنطن تجاه روسيا لن تنجح في آسيا
من جهته، رأى كيشور محبوباني، الزميل البارز في معهد أبحاث آسيا في جامعة سنغافورة، أن الدرس المستفاد لإستراتيجية الولايات المتحدة من حرب روسيا في أوكرانيا بسيط جداً، وهو أن البراغماتية الجيوسياسية أفضل في الحفاظ على السلام من وجهة النظر الأخلاقية المطلقة التي ترى أن كل بلد حر في اختيار مصيره، بغض النظر عن العواقب الجيوسياسية.

واعتبر أن تبني وجهة النظر الأخلاقية المطلقة بأن شعب تايوان يجب أن يكون حرًّا في تقرير مصيره أمر خطير أيضًا، لأنه على عكس الرد الغربي القوي على الغزو الروسي لأوكرانيا، لن يكون هناك رد آسيوي موحد مماثل ضد الغزو الصيني لتايوان.

وأكد أن أكبر تغيير مطلوب في عقلية صانعي السياسية الأمريكية المنخرطين في سياسة المحيطين الهندي والهادئ هو التخلي عن تصنيف الأمور بين أبيض وأسود، وبدلاً من ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تتعلم كيف تكون براغماتية من الناحية الجيوسياسية وتعمل مع مجموعات في آسيا تشمل الصين.

وأضاف أن هناك اختلاف جوهري واحد بين أوروبا وآسيا، وهو أنه في حين أن الاقتصاد الروسي، بالرغم من دوره باعتباره مورداً للطاقة، مندمج اندماجاً طفيفاً في الفضاء الجغرافي الاقتصادي الأوروبي، إلا أن الصين مندمجة تماماً في آسيا.

واعتبر أن منتقدي استراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ محقون في الإشارة إلى الثغرة الكبيرة في هذه الإستراتيجية؛ حيث يجب أن تكون السياسة الاقتصادية طويلة المدى. ولكنه في الوقت نفسه، أكد أن الفجوة أكبر من ذلك، إذ تفتقر الولايات المتحدة إلى القدرة على صياغة إستراتيجيات براغماتية جيوسياسية تتماشى مع إستراتيجيات معظم الدول الآسيوية، التي ليس لديها مشكلة في العمل مع الصين في تجمعاتها الإقليمية، بل إنهم يعتقدون أن ربط الصين في هذه المجموعات المتعددة الأطراف هو نهج أفضل.

وقال: "إذا كان هذا النوع من البراغماتية الجيوسياسية يمنع اندلاع الحرب في آسيا، سواء حول قضية تايوان أو أي من القضايا الأخرى، فسيكون ذلك أفضل بكثير من استبداد الغرب الأخلاقي على أوكرانيا".