الأحد 27 مارس 2022 / 10:25

ليست الحرب الأخيرة

محمود حسونة- الخليج الإماراتية

من يقلب في كتب التاريخ، يجد أن الدم يلوِّنها، والطمع يسطرّها، والرعب يستحوذ عليها، فأبواب الحروب وفصول القتل المجاني والتشريد المستدام، تستحوذ على معظم صفحاتها، وكأنه كُتب على الإنسان منذ معركة قابيل وهابيل أن ينتقل من معركة إلى أخرى.

تحدثنا كتب التاريخ عن حروب اشتعلت في العصور القديمة؛ نتيجة رغبات قادة في الاستحواذ على الكوكب كاملاً، وحروب في العصور الوسطى، لدوافع عقدية ولأطماع سلطوية، وحروب في العصر الحديث لرغبات استعمارية وأهداف إمبراطورية، ومن بين الحروب التي خاضتها البشرية الحربان العالميتان اللتان وقعتا في القرن الماضي؛ حيث قاتل خلالهما نصف الكوكب نصفه الآخر.

من يتأمل التاريخ الإنساني مع الحروب يعتقد بأن التطاحن والتدمير لم يسلم منه متر مربع واحد من الأرض، وكلما توقعنا أن انتشار العلم وما تبعه من تحضر إنساني وتقدم تقني يمكن أن يقي الكوكب شر الحروب، أدركنا أننا واهمون؛ إذ إن القرن الحادي والعشرين الذي بلغ فيه التقدم والتحضر منتهاه، عاش الإنسان خلال عقديه المنتهيين سلسلة من الحروب. فما تكاد البشرية تخرج من واحدة حتى تجد نفسها في مواجهة أخرى، وكأن قدر الإنسان أن يهرب من حرب إلى حرب؛ لذا لا نستغرب أن نقرأ أخباراً عن أفغان هربوا من نيران بلادهم، ليلقوا حتفهم في أوكرانيا، أو عراقيين هربوا من أرضهم، لتقتلهم الحرب على أرض سوريا، أو عن سوريين هربوا من جحيم بلادهم، ليموتوا في أرض ليبيا، وهكذا دواليك.

حروب اليوم، ليست حروب دول ضد دول فقط، لكنها حروب جماعات إرهابية ضد دول وضد العالم، أنتجت حروب دول ضد هذه الجماعات، وهي ليست حروباً بالأسلحة العسكرية التقليدية فقط، ولكن أيضاً بأسلحة مستحدثة؛ أبرزها: الطائرات المسيّرة، والحروب الإلكترونية التي تستهدف الاستيلاء على بيانات ومعلومات دقيقة وخطرة في أجهزة ووزارات وهيئات حساسة في الدولة المُستهدفة، وحروب إعلامية لا تختلف عن تلك التي خاضها هتلر ضد خصومه في الحرب العالمية الثانية، وحروب اقتصادية تعزل دولاً، وتخنق اقتصادها حتى ينهار؛ لتأليب الشعوب على حكوماتها، وغير ذلك من حروب أفرزها القرن ال21 الذي أصبحت فيه كل أسلحة وتقنيات العالم مشهرة ضد بعضها.

استقبلنا القرن بتفجيرات 11 سبتمبر 2001، والتي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، والتي هزت العالم وأوصلت الغضب الأمريكي إلى أقصاه، وأفرزت موجة من حروب أمريكا والعالم ضد الإرهاب، بدأت بالحرب ضد تنظيمي القاعدة وطالبان في أفغانستان بعد أقل من شهر من التفجيرات، واستمرت 20 عاماً لتنتهي العام الماضي بانسحاب أمريكي مهين من دون تحقيق أهدافها، وتسليم الدولة الأفغانية لطالبان.

غضب الولايات المتحدة امتد إلى العراق الذي غزته إلى جانب حلفائها بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل، و"نشر قيم الديمقراطية في المنطقة انطلاقاً من العراق". كلها كانت أسباباً مفبركة، خلقت حرباً هدمت دولة عربية، وزعزعت استقرار المنطقة، وضاعفت أعداد وأشكال جماعات الإرهاب، وكشفت عن دول تدعم الجماعات المتطرفة وتمدها بالسلاح وتغريها بالمال، لاستخدامها في زعزعة دول أخرى، وجّرت دول المنطقة إلى سلسلة من الحروب ضد الإرهاب، نجحت خلالها بعض الدول في محاصرته وتشتيته وتشريد عناصره، ولكن لا يستطيع أحد اقتلاع الإرهاب من جذوره، لأن الأمر يستلزم تغيير العقل الذي استوطنته الأفكار الهدامة والمتطرفة، وهو ما يحتاج إلى عقود وعقود.

من الحرب ضد الإرهاب دخل العالم حرباً من نوع آخر، عبر الحرب ضد فيروس كورونا الذي تسبب في جائحة أجبرت العالم على إغلاق أبوابه وشل إنتاجه وفرض حظر تجوال وإعلان طوارئ، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا، لتفرض على العالم التقوقع إعلامياً، بعد أن وفر الغرب كل الأسباب الممكنة وغير الممكنة لإطالة زمن الحرب، وبعد أن استحوذت الضربات الروسية على خاركيف وزاباروجيا وميكولايف وسومي والعاصمة كييف وحصار ماريوبول واستهداف مدن أخرى، وهو ما أجبر الأوكرانيين على الهروب بالملايين إلى المجهول في دول الجوار.

حرب أوكرانيا لن تكون الأخيرة، ويبدو أن التخطيط لإشعال حروب جديدة لم يتوقف ومؤمرات الساسة ضد البشر لن تنتهي، والمستقبل سيكون أكثر تخمة بالصراعات.