وزراء دول قمة النقب في إسرائيل (أرشيف)
وزراء دول قمة النقب في إسرائيل (أرشيف)
الثلاثاء 29 مارس 2022 / 11:11

الشرق الأوسط الجديد: شرم الشيخ.. العقبة.. النقب

نديم قطيش - الشرق اللبنانية

من قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، مروراً بقمة العقبة الأردنية المصرية الإماراتية العراقية، وصولاً إلى اجتماعات النقب غير المسبوقة بين وزراء خارجية كل من أمريكا، والإمارات، ومصر، والبحرين، والمغرب، ترتسم ملامح حيوية سياسية إقليمية تسابق الزمن.

الخط العام الذي يضم هذه اللقاءات هو اندفاعة معسكر السلام العربي باتجاه نقل التفاهمات العامة مع إسرائيل، إلى واقع تحالفي تفصيلي يسعى إلى بناء هندسة استراتيجية إقليمية يتكامل فيها الأمن الأمني والأمن الغذائي وأمن الاقتصاد والطاقة.

رسائل هذا الحراك المتسارع كثيرة، والمرسل إليهم يبدأون من دول الجوار العربي، إلى دول الجوار الإقليمي، ولا سيما إيران، وصولاً إلى القوة الأولى في العالم، أي الولايات المتحدة.

ففي لحظة شديدة التعقيد هي لحظة الغزو الروسي لأوكرانيا بكل ما لها من تداعيات سياسية واقتصادية تتجاوز مسرح الأحداث المباشر، تقف دول وحكومات القمم والاجتماعات المذكورة على مسافة بعيدة عن الاصطفاف التقليدي.

لم تتخذ أي من هذه الحكومات مواقف حاسمة في الصراع، بل تركت لنفسها مساحات واسعة من الاستقلاليّة تسمح لها بلعب أدوار وحماية مصالح وتطوير علاقات، في عالم لم يعد كما كان منذ أربعة أسابيع.

زخم الغزو الروسي لأوكرانيا أنضج ديناميات جديدة في المنطقة كانت تعتمل بالكثير من الصمت والقليل من العلنية، وأبرز هذه الديناميات، العلاقة بين واشنطن وحلفائها الكلاسيكيين في المنطقة، عرباً وإسرائيليين.

الانطباعات واحدة في تل أبيب، وأبوظبي كما في القاهرة، والرياض، والمنامة. أمريكا ساعية إلى الخروج من المنطقة، ومتراجعة عن التزاماتها التاريخية، ومهووسة بالتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لا يأخذ مصالح الحلفاء المعتدى عليهم بعين الاعتبار، دعك عن تنامي القناعة في أمريكا نفسها أن الاتفاق ما عاد يحقق مصالح واشنطن.

إزاء ذلك، تقول هذه الاجتماعات إن "العتب" على تراخي الالتزام الأمني الأمريكي، لا يعني أن هذه الدول غير قادرة على صياغة قواعد حماية لمصالحها من دون الأمريكيين. أما تمسكها بالاتفاقات والالتزامات الأمنية الأمريكية وبضرورة إحيائها، فهو دفاع محق عن استثماراتها في العلاقات التاريخية مع واشنطن، من دون أن يعني ذلك أن هذه الدول يتيمة بلا الراعي الأمريكي.

وتقول هذه الاجتماعات أيضاً، إن هذه المجموعة من الدول وإن كانت من أنظمة حكم مختلفة وخلفيات ثقافية متعددة وتجارب سياسية غير متطابقة، إلا أنها تمتلك خطاباً واحداً حيال مرتكزات الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وتعريفاً متماثلاً للمخاطر والمصالح، وأنها لا تقبل وصايات من أحد، يحدد الآخرون فيها مصالح هذه الدول ويصادر تعريف المخاطر التي تواجهها.

بمعنى آخر، تستطيع واشنطن أن توقع ما تشاء مع إيران، لكن ذلك لا يُترجم إلى التزامات فورية من قبل الحكومات التي التقت بين شرم الشيخ، والعقبة، والنقب.

ثمة شرق أوسط قيد الولادة. بدأت ولادته مع القرار بمواجهة اختطاف الإخوان المسلمين لثورات "الربيع العربي"، وتُستكمل الآن بمواجهة محاولات الإخوان المسلمين الإيرانيين اختطاف رغبة واشنطن الساذجة في بناء نظام استقرار إقليمي من خلال الاتفاق النووي. والبناء والتراكم مستمران.

لأول مرة ينتقل السلام من إطاره السياسي الضيق إلى إطار تكامل المخاطر والفرص. أمن الرغيف في مصر، وليس من باب الصدف أن مسماه "العيش" في مصر، هو أمن قومي إقليمي لا أمن قومي مصري فقط، والاتفاقات غير المعلنة على تثبيت تسعيرة النفط المباع لمصر، هو قاعدة من قواعد تثبيت هذا الأمن.

أما الربط الأمني والاقتصادي والاستثماري التجاري والسياحي بين إسرائيل والإمارات ومصر في منطقة البحر الأحمر، فهو ملمح جديد يُراد له أن ينتقل بالعلاقات المصرية الإسرائيلية من السلام البارد إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، ولا سيما إذا ما أُضيفت إليه التفاهمات السابقة حول غاز شرق المتوسّط، الذي تستضيف القاهرة منتداه وتحل فيه الإمارات، مشاركاً بصفة مراقب.

اجتماعات شرم الشيخ ناقشت أيضاً خارطة طريق إماراتية تفصيلية وجديدة لكيفية استعادة سوريا من الحضن الإيراني، ووجدت للمرة الأولى آذاناً إسرائيلية صاغية.

أما لقاء العقبة فكان أبرز ما فيه البحث المعمّق في الربط النفطي بين ميناءَي البصرة والعقبة، عبر خط أنابيب ستشارك الإمارات بتمويل أجزاء كبرى منه، لإيصاله عبر البحر الأحمر إلى مصر. وبُحِثت خطط طموحة للربط الكهربائي كانت نوقشت في عدد من القمم الأردنية المصرية العراقية، تحت عنوان المشرق الجديد.

وهنا يأتي موقع سوريا المركزي في هذا التطور الاقتصادي السياسي الناشئ منذ العام 2019، وربما لبنان لاحقاً، الذي يُعد انضمامه إلى هذه الديناميات والتشكلات السياسية الخطوة الأكثر منطقية، لإعادة الاعتبار له دولةً ووطناً. فهو من دول شرق المتوسط، ومن الدول الناشئة في سوق الغاز، ويمتلك كلّ الحوافز للتفاهم مع إسرائيل بحماية عربية مصرية إماراتية، لضمان مستقبل له في الإقليم الذي يرتسم أمامنا.

لقاء النقب، يحمل كل ما سبق، ويزيد بأنه إعلان ضمني عن تحالف عربي إسرائيلي استراتيجي لمواجهة الشرق الأوسط المضاد الذي تقوده إيران بصواريخها المباشرة، كما حصل في إربيل، وبصواريخ ومسيرات ميليشياتها كما يحصل من استهدافات للسعودية والإمارات، أو عبر التغول السياسي الذي تمارسه ميليشياتها المذهبية في العراق، وسوريا، ولبنان.

قمم ولقاءات ثلاث، سبقها ما سبقها وسيليها ما يليها، تحاول تقديم مقترح سياسي اقتصادي أمني لشرق أوسط جديد، بحيوية عربية غير مسبوقة وبتطلع شجاع لنقل السلام ليكون محور الصناعة الاستراتيجية في الشرق الأوسط.