الرئيس الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بكين عام 2018. (رويترز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بكين عام 2018. (رويترز)
الأربعاء 21 سبتمبر 2022 / 14:04

هكذا نسجت الصين شبكة تجسس في دول أوروبية

24- طارق العليان

عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ظلَّ كثيرون من أبناء الشعب الصيني يقاومون النظام الجمهوري. وبحسب ما جاء على لسان ماو تسي تونغ، كان لدى الحزب الشيوعي الصيني ثلاثة "أسلحة سحرية": جيش مُنظَّم وحزب متين وأداة الجبهة المتحدة المعروفة حالياً باسم إدارة عمل الجبهة المتحدة باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

لمكافحة تهديدات التجسس الصينية دون تقييد الحريات المدنية والوقوع في فخ رهاب الأجانب، يرى الباحث أنه يتعين التعرف على الصين والحزب الشيوعي الصيني ومؤسساته العديدة المُتحركة بشكلٍ أفضل

وأقنع العاملون في الجبهة المتحدة، وذلك بالتأكيد على الإجماع والتستُّر على خططهم البعيدة المدى، شخصيات نافِذَة بدعمِ الحكومة الجديدة. وتفادى رئيس الحزب التباهي بسلاحٍ سحري رابع، ألا وهو جهاز تجسس كان يُعرف آنذاك باسم إدارة الشؤون الاجتماعية للحزب الصيني الشيوعي (أو شيهوي بو "SHB").

فخلال الفترة بين عاميّ 1946 و1949، توغّلَ جواسيس تلك الإدارة في صفوف الحزب الوطني والجيش والحكومة. وخلال العقود الأولى من الجمهورية الشعبية، ظلَّت أجهزة الجبهة المتحدة وإدارة الشؤون الاجتماعية الاستخباراتية بالغة الأهمية، ولو أنها بقيت سريَّة إلى حدٍ كبير، وخضعت لإشراف أبرز قادة الحزب أمثال تشوان لاي ودينغ شياو بينغ وسيئ السمعة كانغ شينغ.

وبعد أن قضى شي على الفساد الذي استشرى في إدارة عمل الجبهة المتحدة، استهلَّ إصلاحات إضافية وأعاد تنظيم الجيش وأجهزة المخابرات، مما أفضى إلى تأكيدٍ أكبر من وزارة أمن الدولة على أنشطة التجسس في الخارج التي تمثَّلت في "تجسس سيبراني شرس بشكلٍ متزايد" على ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وسرقة تقنية المحركات النفاثة الأمريكية بمعرفة ضابط أمن الدولة شو يانغون.

إعادة تنظيم أجهزة الاستخبارات تؤتي ثمارها

ويبدو أن إعادة تنظيم شي لأجهزة مخابراته آتت ثمارها، بحسب ما أفاد الباحث ماثيو برازيل، زميل في مؤسسة جيمستاون الأمريكية، في تحليل له نشرته مجلة "ناشونال ريفيو" الأمريكية.

وأوضح الباحث أن بروكسل التي تستضيف مقري حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي باتت هدفاً أساسياً لبكين وروسيا، مشيراً إلى أن هناك مئات الجواسيس من البَلَدَان يعملون حول مقري الناتو والاتحاد الأوروبي. ومن بين القوى الأوروبية كلها، ربما تملك بريطانيا أقوى جهاز مخابرات مضادة وأنشطة استخبارات أجنبية تستهدف الصين وروسيا، غير أن الأموال المُتدفقة من هذين البلدين تجد طريقها إلى المجتمع البريطاني، خاصَّة عبر العقارات.

استخدام شبكة الجيل الخامس في بريطانيا
ولفت الباحث النظر إلى أن تأثير بكين على الشركات العملاقة الساعية إلى دخول السوق الصينية كان فعّالاً في بريطانيا فعاليته في بقاع أخرى.
ثمة تقرير صدر عام 2020 بمساهماتٍ من جهاز الاستخبارات البريطاني "MI6" يشير إلى أن أهداف الصين في المملكة المتحدة تشمل استخدام شبكة الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية هناك للولوج إلى الأسواق الأوروبية التي تمهِّد الطريق لحضور قوي للتأثير المؤيد للصين، وتقوِّض تحالف لندن مع الولايات المتحدة. وفي تصريحات أخرى، قال مسؤولون بريطانيون إن الصين واحد من أربعة تهديدات كبرى للمملكة من حيث أثرها وأنشطة تجسسها، داعين الشركات البريطانية إلى التعامل مع المسألة بقدرٍ أكبر من الجديَّة.

تأثير الصين في فرنسا والبرتغال
وفي باريس، يقول الباحث: "نلمس عزماً كبيراً على مقاومة برنامج التجسس الأوروبي لبكين. ففي يوليو (تموز)عام 2020، حكمت محكمة خاصة في باريس على "بيير ماري هـ." و"هنري م." بالسجن 12 عاماً و8 أعوام على الترتيب بتهمة التجسس لصالح الصين".

على مدار عشر سنوات، كان بيير ماري يزاول أعمالاً أقرب ما تكون لأنشطة أمين الأرشيف الروسي فاسيلي ميتروخين، وراح يُمرِّر معلومات سريَّة إلى بكين عن طريق هنري.

وكان أثر الصين أيضاً في البرتغال إشكاليّاً إذ قال مسؤول برتغالي: "نظّمت الصين مجموعة ضغط سياسية كبيرة في البرتغال، ترتبط بمصالح مالية في أحزاب سياسية كبرى وفي سوق العقارات في لشبونة وفي شركة التأمين الأكبر في الدولة "فيديليداد" وفي شركة "إي دي جي" الكبرى المتخصصة في المرافق، وفي واحدة من أشهر المستشفيات.

وأضاف المسؤول البرتغالي أنّ المخابرات البرتغالية تعتقد أن مكتب المخابرات التابع للجيش الصيني نَشَطَ في "المجتمع الصيني الجديد" للمهاجرين الذين انتقلوا إلى البرتغال بعد عام 1999.

إيطاليا وهولندا في مرمى نيران التجسس

وفي عام 2019، بعد أن تعرَّضَت إيطاليا إلى فترة كساد، أعلن رئيس الوزراء جوزيبي كونتي عن انضمام إيطاليا إلى مبادرة حزام وطريق الصينية إذ عقدت الآمال على أن تنتشلها المبادرة من الكساد الذي أصابها، وأصبحت بذلك أول دولة من دول مجموعة السبع تنضم إلى تلك المبادرة.
وهولندا ليست مُحصَّنَة ضد تلك الجهود الاستخباراتية. ففي عام 2010، حذَّرَت وكالة الاستخبارات الهولندية "AVID" علناً من أن عملاء المخابرات الصنيية نشطون في هولندا.

وفي عام 2019، استهدفت أنشطة المخابرات الصينية تقنية شركة ASML المُخصصة للتصدير، وهي الشركة المُصنِّعَة لأحدث مُعدات تصنيع أشباه الموصلات في العالم.

وشاركت إنغريد دي هوغ الدبلوماسية الهولندية السابقة في الصين في وضع دراسة عام 2020 أثبتت فيها أن التعاون المتزايد بين الصين وهولندا في مجالي التعليم والعلوم أدى إلى نقلٍ غير مرغوب فيه للمعارف، واعتمادٍ مالي على الصين وخطرٍ أكبر للتعرض للتجسس وأثرٍ سياسي لبكين على المجتمع الهولندي.

التجسس في وادي السيليكون
ووفق الباحث، فإن أمريكا تواجه مشكلاتها الخاصة فيما يتعلق بالأنشطة التجسسية لبكين، بحسب ما جاء في تقارير عدة بما في ذلك تقرير زاك دورمان الصادر عام 2018 بشأن التجسس في وادي السيليكون.

فمكتب التحقيقات الفيدرالي يُجري تحقيقاً يتعلق بالصين كل 12 ساعة، غير أن المكتب لا يُميِّز علناً بين أنشطة التجسس التقليدية التي تستهدف معلومات الأمن القومي وعمليات سرقة الملكية الفكرية التي ربما يديرها ضباط مخابرات محترفون والمحاولات الفردية للوصول إلى مناطق محظورة مثل منتجع مارالاغو.

ويقتضي الأمر دراية كبيرة بالصين في الحكومة الأمريكية والدوائر العلمية ومؤسسات إنفاذ القانون. وكما قال جوردان شنايدر مُضيف المدونة الصوتية "China Talk"، هناك عرض أكبر بكثير من الطلب على المدربين البارعين في اللغة الصينية والدراسات المتعلقة بها.

ولمكافحة تهديدات التجسس الصينية دون تقييد الحريات المدنية والوقوع في فخ رهاب الأجانب، يرى الباحث أنه يتعين التعرف على الصين والحزب الشيوعي الصيني ومؤسساته العديدة المُتحركة بشكلٍ أفضل.

وبالنسبة لمجتمع الأعمال الأمريكي، كانت الدراية بالصين عادةً تعني تعيين شخص يرتبط بـ "صلات" بالحزب الشيوعي الصيني لتيسير مزاولة الأعمال.

وأكد الباحث في ختام تحليلة ضرورة أن تضرب الحكومة الأمريكية والأوساط الأكاديمية ومؤسسات إنفاذ القانون وقطاع الصناعة الأمريكي مثلاً يُقتدى به للحلفاء في خلق دراية أكبر بالصين بين أولئك الذين يعكفون على دراسة القوة العظمى الأخرى في العالم والتفاعل معها.