وزيرا الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان والأرميني آرارات ميرزويان.(أرشيف)
وزيرا الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان والأرميني آرارات ميرزويان.(أرشيف)
الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 / 10:12

إيران المضطربة تبدّل استراتيجيتها على حدودها الشمالية

24-زياد الأشقر

يبدو أن المناورات العسكرية الأخيرة التي أجرتها إيران على نهر آراس فضلاً عن جهودها الديبلوماسية في أرمينيا، تتعلق بقضايا أبعد من حرب ناغورنو-قره باخ.

بصرف النظر عما إذا كان التهديد الإسرائيلي أو التركي أو الكردي أو الأذري، واقعياً أو متخيلاً، من الجوهري فهم هذه السياسات ونتائجها في سياقاتها المحلية والدولية الأوسع

ويقول الباحث ألكسندر ناتشمان الحاصل على درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة أوكسفورد في مقال بمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية إن إن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لأرمينيا لمدة ثلاثة أيام والتدريبات التي أجراها الحرس الثوري لمدة ثلاثة أيام على نهر آراس، تمثل تحولاً في استراتيجية إيران حيال حدودها الشمالية الغربية. وعلى رغم الأهمية التي تكتسبها في حد ذاتها، فهي لا تعكس فقط مقاربتها حيال حدودها الشمالية بعد حرب ناغورنو-قره باخ، وإنما أيضاً جهود لمقاومة التدخل الأجنبي وما تصفه بالحركات الانفصالية داخل حدودها ولدى جيرانها.


وفي الوقت الذي حافظت إيران على سياسة رسمية من الحياد في مواجهة أرمينيا وأذربيجان منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، فإن تدخل تركيا إلى جانب أذربيجان في حرب ناغورنو-قره باخ، التي انتهت عام 2020، دفع إيران إلى تقديم دعم أكبر لأرمينيا.

إن مصلحة إيران هنا ذات شقين. الأول، أن لدى إيران مصلحة وجودية في الحفاظ على سلامة حدود جيرانها، التي تغيرت خلال أوقات مختلفة من تاريخها، خصوصاً في الشمال، بحيث كانت أرمينيا وأذربيجان ذات مرة جزءاً من إيران. والشق الثاني، هو أن الحفاظ على أمن الحدود يخفف من التدخل الأجنبي ومقاومة الانفصاليين. لكن تجدد العنف بين أرمينيا وأذربيجان في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر(تشرين الأول) من هذا العام، تداخل مع الاحتجاجات الواسعة في إيران، وكذلك مع النزاعات المسلحة في كردستان، حيث تعزوهما طهران، إلى التدخل الأجنبي وتمرد الانفصاليين.

مناورات وزيارة لأرمينيا
في 22 أكتوبر، أنهى الحرس الثوري مناورات على نهر آراس، وتوج عبد اللهيان زيارته لأرمينيا بفتح قنصلية في كابان. وخلال زيارته، ناقش الوزير الإيراني مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الحاجة إلى الحفاظ وتعزيز الممر بين الجنوب والشمال، الذي سيشكل طريقاً بين الخليج والبحر الأسود عبر أرمينيا وجورجيا، كذلك أكد على أن طهران ضد أي تغيير في حدود المنطقة.

ويؤشر كلام عبداللهيان عن الحدود، مباشرة إلى المنطقة المتنازع عليها في ناغورنو قره باخ التي سيطرت عليها أذربيجان عام 2020- وإلى الجهود الموازية من قبل تركيا وأذربيجان لشق ممر زانيجزور، الذي سيكون محاذياً للحدود الجنوبية لأرمينيا ويوفر لتركيا وصولاً مباشراً إلى آسيا الوسطى، مما يقلل من النفوذ الإيراني.

وفي أواخر أكتوبر، اجتمع باشينيان أيضاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لحل هذه المشاكل ديبلوماسياً، مع إعراب رئيسي علناً عن عدم تسامحه مع إنشاء ممر زانجيزور. وفي الوقت الحاضر، وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن ممر زانجيزور سيشكل بديلاً تشتد الحاجة إليه بين الشرق والغرب. ومع ذلك، فإن إيران دعمت الممر الذي يصل الشمال بالجنوب لأنها ستستفيد أكثر من ممر ترانزيت بين الخليج والبحر الأسود، مما هو عليه الحال من ممر بين الشرق والغرب في القوقاز. إن ممر زانجيزور سيضمن أيضاً المصالح الروسية والتركية.

ويلفت الكاتب إلى أن المناورات العسكرية المتزامنة التي أجراها الحرس الثوري على نهر آراس، تعكس قلقين إيرانيين فوريين. الأول ينبع من ممر زانجيزور، الذي من الممكن أن ينطوي على تدخل في الحدود الإيرانية-الأرمينية، فضلاً عن مشكلة أخرى هي التي أعرب عنها نواب إيرانيون في ما يتعلق بحضور إسرائيلي في القوقاز وآسيا الوسطى. والقلق الثاني من الممكن فهمه في سياق السياسة المحلية الحالية، وسط الإحتجاجات المتواصلة والنزاع المسلح في المناطق الكردية.

ومن طريق اللجوء إلى استراتيجيات مختلفة، تحاول إيران ضمان حدودها الشمالية الغربية. وبصرف النظر عما إذا كان التهديد الإسرائيلي أو التركي أو الكردي أو الأذري، واقعياً أو متخيلاً، من الجوهري فهم هذه السياسات ونتائجها في سياقاتها المحلية والدولية الأوسع. كما أنه يجب ملاحظة أن التدخل الأجنبي، بينما لا يكون دائماً السبب في الإضطرابات ويجري تضخيمه في بعض الأحيان، فإنه من الناحية التاريخية يعتبر واقعاً.

ويخلص الكاتب إلى أن النزاعات في شمال غرب إيران ليست جديدة. ورغم ذلك، فإن الإجراءات الأمنية الإيرانية في المنطقة هي موجهة إلى الأحداث الداخلية، التي بدورها تؤدي إلى نتائج على السياسات الإقليمية في القوقاز وكردستان والتجارة العالمية في ما يتعلق بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. إن الخسائر البشرية الناجمة عن هذه السياسات، هي بالطبع، الثمن الفعلي للأمن، والتجارة والإستقرار-وهو ثمن شهد تزايداً في الأسابيع الأخيرة.