جنود أوكرانيون في دبابة شرق البلاد.(أف ب)
جنود أوكرانيون في دبابة شرق البلاد.(أف ب)
الجمعة 25 نوفمبر 2022 / 21:05

الدبلوماسية الإماراتية ... إرادة نزيهة للسلام والأمن الدوليين

دعونا نتأمل أدبيات الدروس القيادية للدبلوماسية الإماراتية التي تجاوزت مراحل غير مسبوقة من التنسيق والنضج السياسي والحكمة في التعاطي مع الأحداث الجسام، فالشواهد كثيرة على الثقة الدولية والمصداقية التي تحظى بها السياسة الإماراتية النزيهة في حل الصراعات الشائكة


العالم قرية كونيَّة صغيرة، فما يحدث في أي بقعة تتوالى أصداؤه في كل بقاع العالم؛ لذلك فإن الحرب التي نشبت بين روسيا وأوكرانيا هبَّت رياحها على منطقتنا رغم بُعد المسافة.

هذه الأزمة الحاليَّة تظل أبعد من كونها أزمة سياسيَّة، وأعمق وأخطر مما تبدو؛ وذلك لأن هذا النزاع يقوض السلام العالمي قبل الاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنيَّة والمعيشيَّة في حياة المجتمعات الإنسانيَّة كافة؛ فقد سلّط الصراع بين روسيا وأوكرانيا الضوء على مدى التشابك الكبير في المصالح السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة التي تجمع بين آسيا والشرق الأوسط من جهة وروسيا من جهة أخرى.

ونحن هنا أمام تساؤل حول تداعيات الأزمة الأوكرانيَّة، وهل هي إعلان سياسي إيذانًا بعالم جديد، عالم لا يمكن أن نعرف تداعياته ومعطياته؟
طبيعة هذه الأزمة هي صراع بين قطبين دوليين، ومنظومة عالميَّة، وهو صراع مهما تكن ذرائعه المحمودة أو السيئة، فسوف يلقي بظلاله على العالم أجمع، بل إنه ألقى بظلاله بالفعل، وجعل العالم يعيش حالة من انعدام التوازن، مع الكثير من القلق والترقب.

الطرفان كل منهما مُصرٌّ على عدم التراجع؛ الأمر الذي ستكون له تكلفة سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة وأمنيَّة باهظة الثمن، وللأسف فإن تبعات هذا العناد سيتحملها العالم أجمع، ولم نجد أي أذن مصغية لدعوات السلام، أو الجلوس على طاولة المفاوضات، لتغدو تلك الدبلوماسيَّة والتحضُّر والتنوير تعبيرًا تكتيكيًّا هشًّا.

إننا نقرُّ بأن المشكلات الأمنيَّة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، ولكن لا بدَّ من الاعتراف بأن تداعياتها السيئة على حضارتنا الحديثة ومستقبلنا واستقرارنا، بل على المجتمعات الإنسانيَّة، لها أثمان باهظة، وخاصة أننا نحيا في عالم ما زالت الحدود فيه ترسم بالدماء، فلا شيء أقوى من الكراهية في رسم حدود الجغرافيا.

إن الشروط الأساسيَّة لبناء أيَّة حضارة هي الأخلاق، بكل جوانبها الخلاقة ومعانيها الفاضلة، والحريَّة باتساعها المنضبط، بعيدًا عن الازدواجيَّة والانتقائيَّة في تطبيق القيم الإنسانيَّة، فضلًا عن الحوار الإنساني الذي يقبل الرأي الآخر؛ ويجلب الأمن والحريَّة والشعور بالكرامة.

وإن المستقبل القريب يحمل كثيرًا من المفاجآت التحوليَّة المهمَّة والقرارات الدوليَّة المصيريَّة للتعامل مع هذه الأزمة، وكلها ستنعكس قطعًا على مزاج الرأي العام العالمي، وتعيد بناء ثقافة جديدة، وما ستسفر عنه هذه الأزمة إما يكون مؤشرًا حقيقيًّا من مؤشرات التحضر أو مؤشرًا للتخلف والرجعيَّة.
الطرفان بحاجة إلى الرجوع للمعايير الدوليَّة والتنويريَّة، وما تنص عليه قوانين المنظمات الدوليَّة، واتفاقات الحدود والخرائط، بدلاً مما وصلنا إليه من توقف سلاسل الإمداد الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار العالميَّة بصورة كبيرة، وأهمهما أسعار النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن أسعار المواد الغذائيَّة وأهمها القمح.

الأمر يستدعي دقَّ ناقوس الخطر، وعدم تجاهُل المعطيات بل التداعيات للأزمة التي توحي بأنها ستطول، وستُسبِّب جراحًا عميقة، وسيصبح الأمر أكثر تعقيدًا، وسيؤدي إلى ضبابيَّة في الرؤية الإستراتيجيَّة.

دعونا نتأمل أدبيات الدروس القيادية للدبلوماسية الإماراتية التي تجاوزت مراحل غير مسبوقة من التنسيق والنضج السياسي والحكمة في التعاطي مع الأحداث الجسام، فالشواهد كثيرة على الثقة الدولية والمصداقية التي تحظى بها السياسة الإماراتية النزيهة في حل الصراعات الشائكة، وقد شكلت هذه المميزات كقوة دفع لتحريك السلام وإنهاء القطيعة، لأن إرادة قوية في تحقيق السلم والامن نرفدها، ولهذا الادوار القيادية والدبلوماسية تتطلب إرادة نزيهة للسلام والأمن الدوليين، لهذا ترحب موسكو بأي دور تقوم به أبوظبي للوساطة في الملفات المطروحة، وزاد أن «الإمارات شريك موثوق»، وقد «اقترحت في وقت سابق لعب دور للوساطة».

وتلقت هذه المعطيات تأكيداً غير مباشر من جانب الإمارات، في كسر جمود المفاوضات وتوفير الوساطة، وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية، الخميس، أن الدبلوماسية لا تزال هي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية.

إن العالم بحاجة ماسة للوحدة والتعاون والتضامن، بين الدول، ومحاولة إيجاد صدق النيات في مثل الظرف الحالي، والالتزام باتخاذ إجراءات لتعزيز الأمن الغذائي وأمن الطاقة ودعم استقرار الأسواق.

والقوى الكبرى لا بدَّ أن تبحث عن صيغة تعايش جديدة، مبنيَّة على عدم استخدام القوة لحسم الخلافات، والانتصار للقيم المجتمعيَّة والإنسانيَّة.