الأربعاء 8 مارس 2023 / 15:28

حالات التسمم في مدارس إيران تكشف الهوة بين النظام والشعب

يقول الكاتب الإيراني بورزو دراغاهي في مقال بصحيفة "إندبندنت" البريطانية، إنه على النظام الإيراني إحداث تغيير جذري ومساءلة المسؤولين عن هجمات التسميم التي تطال مدارس الطالبات في المدن الإيرانية، والمستمرة منذ نحو 3 أشهر.

ويوضح الكاتب أن هناك "حالة من الذعر على مستوى البلاد بشأن حالات التسمم المتسلسلة لطالبات المدارس الإيرانيات، في الوقت الذي يُكافح فيه النظام من أجل السيطرة على الضجة الوطنية، بعد أن أضرت الأزمة بشرعية وسلطة حكام إيران، وكشفت عن انعدام الثقة بين النظام الإيراني وشعبه.

اعتراف نادر

بعد أسابيع من الصمت والتقليل من شأن الآباء وحتى اعتقالهم، اعترف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي أخيراً بالأزمة وتعهد بفعل شيء حيال ذلك، وقال في كلمة ألقاها الأربعاء: "متابعة هذا الأمر والتحقيق فيه بسرعة أمر بالغ الأهمية"، مدعيا أنه أمر وزارة الصحة وجهاز أمن النظام بالتحقيق.
ويشير دراغاهي إلى مرور 3 أشهر كاملة على الحادث الأول، الذي تم الإبلاغ عنه في مدينة قم في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث وصف الطلاب في جميع أنحاء البلاد منذ ذلك الحين رائحة غريبة تتسرّب إلى فصولهم الدراسية، فيصاب الطلاب بالمرض.
وزادت الحوادث على الصعيد الوطني، حيث تعرّض أكثر من 1000 طالب في 91 مدرسة في 20 مقاطعة منفصلة للتسمم المشتبه به، وفقا لأحدث الأرقام.
كما يضيف دراغاهي أن بعض مدارس البنين ابتليت أيضاً بهذه الهجمات، لكنها في الغالب تستهدف فتيات المدارس الثانوية، حيث وصف الطلاب رائحة الغاز النفاذة، يليها السعال والاختناق وفقدان الوعي، فيما تحدثت أنباء عن حوادث وفيات.

وتظهر مقاطع الفيديو فتيات مراهقات -نفس التركيبة السكانية للشابات اللائي قدن الاحتجاجات ضد النظام في الخريف الماضي- يتم نقلهن على نقالات ويكافحن للتنفس داخل غرف الطوارئ بالمستشفى، في الوقت الذي يواجه فيه الأهالي قوات الأمن خارج أسوار المدارس.

نظريات مؤامرة

يقول دراغاهي إن "المدافعين عن رئيسي والنظام الإيراني بدأوا بالفعل بتدوير نظريات المؤامرة القائلة بأن إسرائيل تقف وراء حالات التسمم، بينما اتهم رئيسي أعداء إيران بالوقوف وراء حالات التسمم للتحريض على الخوف واليأس بين الإيرانيين".
لكن العديد من الإيرانيين يعتقدون أنهم يعرفون من يقف وراء حالات التسمم ولماذا، كما يضيف دراغاهي، حيث يشير البعض إلى القضية على أنها حالات تسمم متسلسلة، وهي إشارة مشؤومة إلى جرائم القتل المتسلسلة البشعة للمعارضين السياسيين من قبل المتطرفين الموالين للنظام.

كما يعتقد العديد من الإيرانيين أن نفس الجماعات المتعصبة والعنيفة، وهي غالباً أجزاء من منظمات غامضة تشبه الطوائف المتجذرة في قم، تسمم الفتيات من أجل منع النساء من الذهاب إلى المدرسة أو انتقاماً لدورهن في الانتفاضة التي بدأت الصيف الماضي ومستمرة حتى الآن.
تقول إحدى الأمهات في قم، التي منعت ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات من الذهاب إلى المدرسة في الأسابيع الأخيرة، خوفاً من استهدافها: "نعتقد أن الحكومة لا تسيطر عليهم حتى لو كانت تعرف من هم.
حالات التسمم المروعة لفتت انتباه العالم، وحتى البيت الأبيض، الذي قال إنه "يجب أن تقلق الفتيات الصغيرات اللائي يذهبن إلى المدرسة بشأن التعلم فقط.. العالم بحاجة إلى معرفة الأسباب والدوافع، وبالتأكيد تحتاج عائلات هؤلاء الفتيات الصغيرات إلى معرفة ذلك".

هشاشة النظام

وعلى عكس حكومة طالبان في أفغانستان، يقول دراغاهي: "لم يقترح النظام الإيراني أبداً منع النساء من الذهاب إلى المدرسة، كما رفض مسؤولو التعليم الإيرانيون مقترحات للعودة إلى بروتوكولات التعلم عن بعد في عصر فيروس كورونا حتى تنتهي أزمة التسمم".
يقول أحد الوالدين الإيرانيين في مقابلة: "لم نر أي مزايا في التزام الصمت، احتجاجات الشوارع لن تحدث أي فرق في هذه الحالة. لقد رأينا الناس يخرجون ويحتجون ولا فرق.. لم يكن هناك تغيير. لكن في هذه الحالة، أجبروا على التصرف بعد انتشار الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، ومجرد اعترافهم أن شيئاً ما يحدث، فهو بمثابة نصر لنا".

ويرى دراغاهي أنه "إذا كانت مجموعة مريضة ذات عقلية إرهابية تحتضنها معاهد النظام الدينية والمؤسسات التي تمولها الدولة هي المسؤولة عن الهجمات، فيجب أن تكون هناك مساءلة قاسية وتغيير جوهري".
ولكن بالإضافة إلى فضح الهوة المتسعة بين الإيرانيين والنظام الذي يسيطر عليهم، يشير الكاتب إلى أن "الأزمة تُظهر أيضاً هشاشة وضعف إيران. وكما هو الحال في رده على احتجاجات العام الماضي بشأن الحجاب الإلزامي، أظهر النظام من جديد أنه لا يستجيب للمطالب العامة، وغير قادر على التكيف والتغيير، وإنه لا يعرف سوى العنف والوحشية، ولا يثق في التسوية والإصلاح".