الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ (أرشيف)
الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ (أرشيف)
الثلاثاء 11 يوليو 2023 / 13:30

أمام الصين.. أمريكا تخسر نفوذها في جنوب شرق آسيا

شهدت السنوات الخمس الماضية نشاطاً عسكرياً ودبلوماسياً مكثفاً للصين في جنوب شرق آسيا، كما في العديد من مناطق العالم. فعززت وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وتوسعت في نشر سفنها في البحر، وقطعاً عسكرية لمنع سفن دول جنوب شرق آسيا الأخرى من الصيد في مياهها الإقليمية فيه.

يبتعد أصدقاء واشنطن المقربين في آسيا، عنها، وهو اتجاه مكلف للولايات المتحدة، وقد يصبح خطيراً عليها في المستقبل.

وزادت تهديدات الصين لتايوان، ويتبنى الدبلوماسيون الصينيون في مختلف أنحاء العالم  نهجاً عدوانياً يصل أحياناً إلى ما يعرف بدبلوماسية "الذئاب المحاربة". ورغم أنه يمكن توقع أن تكون لذلك تأثيرات سلبية على وضع الصين في المنطقة، لكن العكس هو الصحيح.

حضور صيني

وحسب دراسة جديدة شاملة ومثيرة لمعهد لوي الأسترالي للأبحاث فإن النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا زاد في السنوات الخمس الماضية، على حساب الولايات المتحدة التي تشهد تراجعاً سريعاً في نفوذها في إحدى أهم ساحات التنافس بين بكين وواشنطن حسب المحلل الأمريكي جوشوا  كورلانتزيك، في التحليل الذي نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

واستخدم تقرير معهد لوي بعنوان "مشهد القوة في آسيا: الصين والولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا" عدة مؤشرات لقياس النفوذ الإقليمي للدولتين عبر أربع فئات، هي العلاقات الاقتصادية، والشبكات الدفاعية، والنفوذ الدبلوماسي، و الثقافي. وقال التقرير إن الولايات المتحدة "تفقد نفوذها لصالح لصين في جنوب شرق آسيا خلال السنوات الأربع الماضية في الفئات الأربع".

وأشارت دراسة لمعهد يوسف إسحاق أو معهد دراسات جنوب شرق آسيا سابقاً في سنغافورة إلى أن استطلاع رأي وجد أن أغلب المشاركين يرون أن الصين هي القوة الأكثر سيطرة  اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً في جنوب شرق آسيا.

تراجع أمريكي

تأتي هذه التطورات لتكشف حجم تراجع النفوذ الأمريكي، حيث قالت دراسة لمعهد لوي في 2018، إن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر نفوذاً في 3 دول بالمنطقة، وأن نفوذ واشنطن وبكين في تايلاند كان متساوياً.

ولكن المفارقة أن النفوذ الأمريكي في جنوب شرق آسيا يتآكل رغم أن الكثير من دول المنطقة مثل فيتنام، وماليزيا، وإندونيسيا، تشعر برعب واضح من تنامي التحركات العسكرية الصينية.

وظهرت هذه المخاوف في دراسة معهد لوي  التي قالت إن "الولايات المتحدة لا تزال القوة العسكرية المسيطرة عند الكثير من دول جنوب شرق آسيا"، رغم تراجع تصنيفها وفق هذا المقياس أيضاً.

وباستثناء الفلبين فإن دول المنطقة الأخرى ورغم خوفها من القوة العسكرية للصين فإنها تقبل بشكل متزايد الهيمنة الصينية.

ويرى مؤلف كتاب "هجوم بكين الإعلامي العالمي: حملة الصين غير المتكافئة للتأثير على آسيا والعالم" كورلانتزك أن السبب الرئيسي في النفوذ الصيني الاقتصادي الكبير في المنطقة، هو تزايد شعور دول جنوب شرق آسيا بأنه لا خيار أمامها سوى الاصطفاف مع بكين.

وتشير دراسة معهد لوي إلى أنه في العام الماضي "كانت علاقات الولايات المتحدة مع كل دول دول جنوب شرق آسيا أضعف من علاقة الصين بتلك الدول".

وإلى جانب التجارة والاستثمار ، تزايد حضور الصين ملاذاً آخيراً لتلك الدول للحصول على على القروض، عندما كانت دول العالم الغنية الأخرى تعاني أزمات ديون واقتصاد.

وفي حين ساعدت الولايات المتحدة في وقت من الأوقات في ترتيب حزم إنقاذ اقتصادي ضخمة لدول عدة في المنطقة من تايلاند، إلى إندونيسيا، نرى أن هذا الدور الأمريكي تراجع في السنوات الأخيرة.

وحتى ماليزيا الذي يعتبر رئيس وزرائها المنتخب أخيراً  أنور إبراهيم، مؤيداً قديماً للديمقراطية ويرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، يتقارب بشكل متزايد  مع بكين ويبتعد عن واشنطن، بسبب المساعدات والاستثمارات الصينية الكبيرة في بلاده. علاوة على ذلك، فإن ماليزيا ودول أخرى مثل تايلاند، تشتري بشكل متزايد  الأسلحة الصينية، ما يشير إلى صعود الصين عسكرياً واقتصادياً.  ويرى معهد لوي أن تراجع النفوذ الأمريكي في ماليزيا بين 2018و 2022 كان الأكبر مقارنة مع تراجع نفوذها في أي دولة أخرى بالمنطقة.

التكامل الاقتصادي 

في الوقت نفسه يبدو أن الصعود الاقتصادي للصين في المنطقة لا توقف، في حين لا تسعى واشنطن لدعم موقفها في أي منافسة على النفوذ الاقتصادي. وفي السنوات الخمس الماضية، واصلت الصين تقوية نفسها للتكامل الاقتصادي في المنطقة، ودخلت في العديد من الاتفاقيات التجارية الإقليمية، وطورت بعض أدواتها، في مقابل انسحاب واشنطن من الاتفاقيات التجارية التي تضم دول جنوب شرق آسيا مثل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ.

وأخيراً يرى جوشوا كورلانتزيك أن الولايات المتحدة لا تزال تملك الخيار، إما مواصلى النهج الحالي فتستمر في خسارة النفوذ، أو تعيد التفكير في  الانخراط في المنطقة.

وفي كل الأحول على صناع السياسة الأمريكية أن يضعوا في حسبانهم  أهمية جنوب شرق آسيا في أي جهود لردع الصين عن غزو تايوان، أو لفرض تكلفة اقتصادية ضخمة على بكين إذا لم تفلح جهود الردع، وغزت تايوان بالفعل.

لكن استمرار الوضع الراهن ليس خياراً جذاباً. وكما تشير تقارير معهدي لوي ودراسات جنوب شرق آسيا، يبتعد أصدقاء واشنطن المقربين في آسيا،  عنها، وهو اتجاه مكلف للولايات المتحدة، وقد يصبح خطيراً عليها في المستقبل.