الثلاثاء 26 ديسمبر 2023 / 09:23

أزمة الملاحة الدولية في البحر الأحمر

مها محمد الشريف - الشرق الأوسط

الملاحة البحرية في البحر الأحمر مقلقة وليست على ما يرام، تشرح هذا الموقف، تلك الهجمات على السفن عند مضيق باب المندب، ما دفع شركات شحن عملاقة إلى تعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر، فإذا كانت السياسة تعني نشاطاً مشؤوماً ومصطنعاً، فذلك لوجود اغتراب سيتحول إلى أداة شر تنشر الفوضى حول محيطها، وهذه هي النتائج اليوم.

من أجل ذلك، يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين اتخاذ قرار وإعطاء أمر، لإيقاف هذه الحوادث والهجمات على السفن في البحر الأحمر، حيث تجهز الولايات المتحدة تحالفاً دولياً، وتجري محادثات مع دول أخرى لتشكيل قوة عمل في أعقاب سلسلة من الهجمات التي نفذها الحوثيون على سفن تجارية خلال الأسابيع الماضية.

وعلى إثر هذه الهجمات اتهمت الولايات المتحدة إيران بالضلوع الوثيق في الهجمات التي يشنها الحوثيون من اليمن على سفن تجارية تعبر البحر الأحمر، مصعدة من لهجتها حيال طهران، في الوقت الذي تدرس فيه اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تشمل استخداماً محتملاً للقوة، ففي المشهد الذي يتهيأ العالم لحضوره يفرض بدائل جديدة على هذه الخريطة البحرية والغرب لا يطيق أن تعيش مصالحه تحت التهديد.

ومن أجل القضاء على هذا الخوف سيظهر احتمال القضاء على مصادر هذا الخوف، وقد تبالغ أمريكا في تدخلاتها لتبدو كقوة شاملة للتعقب والعقاب، فقد أصبح من الواضح أن ارتفاع أسعار النفط في تعاملاته في الأسواق العالمية تأثر بتصاعد التهديدات للملاحة في مضيق باب المندب وعبر البحر الأحمر وقناة السويس التي من المحتمل أن تتأثر إيراداته، علماً بأن 12 في المائة من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، وسيكون الضرر كبيراً على سلاسل الإمداد عالمياً ويرتفع التضخم.

إلى جانب قلق الأسواق من التصعيد في البحر وتأثيره في شحن النفط عبر الممر الملاحي بسبب الهجمات، هناك أيضاً مخاوف من تعطيل الصادرات الروسية، إذ أدى الطقس السيئ في روسيا إلى تعليق تحميل ما يصل إلى نسبة 60% من خام الأورال من المرافئ الروسية نتيجة عواصف ثلجية وعمليات صيانة.

يبدو أن الأحداث الأخيرة تلامس سلسلة الأحداث السابقة ولها الآلية نفسها والحجج أيضاً، وبذلك يمكن تعزيز قناعات العالم بأن هذا هو حال الاضطرابات في المنطقة، وتدرس الولايات المتحدة تعزيز حماية السفن التجارية حول طريق الشحن الحيوية، وفقاً لمسؤولين عسكريين، مع أعضاء القوات البحرية المشتركة، وهي قوة عمل بحرية متعددة الجنسية مكلفة بحماية الشحن التجاري في البحر الأحمر.

تتغير تقنيات الحروب وعلاقات البشر حسب متطلبات عصرها، ولكن تظل كما هي في تناقضاتها تعيش ضمن إطارها، فليست هناك من فلسفة حتى وإن هدفت غالبية الصراعات السياسية إلى تحويل السيادة من موقع لآخر، فالمناقشات حول الأمن البحري رفعت من وتيرة القلق في المنطقة، وتصدرت قائمة الأولويات الأمريكية بعد هذه الهجمات على تعطيل الملاحة البحرية التي تمر عبرها ملايين براميل النفط يومياً. والمسؤولون الأمريكيون قالوا علناً إن المناقشات تركزت على إمكانية مرافقة السفن العاملة في البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب إلى خليج عدن القناة الضيقة التي تفصل بين اليمن والقرن الأفريقي.

فهل هذا يعالج المسألة، أم أنه يضع المنطقة في خطر أكبر؟ فكل شيء يخبر بأن هناك قوة آيلة للسقوط تحاول دحر القوة الأمريكية التي تستعرض قوتها، حيث دخلت حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" خليج عدن، مع هذا هناك من يضخم تلك القدرات ويشير إلى إخفاق جميع المحاولات لإيقافهم، أو تطبيق سياسة تشريعية لتنظيم هذه الجماعة وتنفيذ العقوبات على الطرف الممول لتلك الهجمات.

وقالت الـ"فايننشال تايمز": "يُظهر عام 2023 أن النمو الاقتصادي لا يولد السلام دائماً، فقد كان هذا عاماً مملوءاً بالصراعات والعنف المروع. إن الحرب في أوكرانيا، وخطر حدوث صراع بين القوى العظمى في بحر الصين الجنوبي، وانفجار العنف في فلسطين وإسرائيل، تشكل ثلاثية رهيبة"، أضف لها أزمة الملاحة في البحر الأحمر.