جنديان إسرائيليان أمام مبنى مدمر في غزة (أرشيف)
جنديان إسرائيليان أمام مبنى مدمر في غزة (أرشيف)
الخميس 1 فبراير 2024 / 21:19

حرق المنازل في غزة.. عدوى تتفشى بين الجنود الإسرائيليين

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أعقاب هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وصور الدمار القادمة من القطاع الفلسطيني المحاصر شتى، فمنها ما يوثق قصص تدمير بالقصف الجوي، وأخرى بالتفجير الممهنج، أما الصادم، فكان بالحرق، إذ بث جنود إسرائيليون مراراً صوراً لهم وهم يضرمون النيران في منازل الغزيين على وسائل التواصل الاجتماعي في فعل لقي استنكاراً واسعاً، وأثار تساؤلات كثيرة عن دوافعه.

صحيفة "هآرتس" وبعد 118 يوماً من الحرب، سلطت الضوء على ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من انتهاكات لقوانين الحرب، فقالت في تقرير لها، إن الجنود أضرموا النيران في مئات المنازل بقطاع غزة وحولوها إلى خراب عديم الفائدة، بناء على أوامر مباشرة من قادتهم الميدانيين، دون الحصول على إذن قانوني. 

 وقال الجيش الإسرائيلي رداً على تقرير هآرتس، إن تدمير المباني في غزة يتم فقط بوسائل محددة ومعتمدة من قبل وحدات الهندسة، مشيراً إلى أنه سيتم النظر في أي انتهاك لتلك القواعد. 

سبب مجهول 

وأكدت الصحيفة، أنها وجهت سؤالاً مباشراً للجيش عن السبب والدافع الرئيسي لإحراق جنوده منازل المدنيين في غزة، ورداً عليه، قال قائد مشارك في العملية البرية المستمرة على قطاع غزة منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن المباني يتم اختيارها للحرق بناء على معلومات استخباراتية.

وعندما سُئل عن مبنى أضرمت فيه النيران في مكان غير بعيد عن مكان إجراء المقابلة، قال القائد العسكري، "لا بد من وجود معلومات عن مالكه، أو ربما تم العثور على شيء هناك، لكن لا أعرف بالضبط سبب إضرام النار فيه". 

عادة شائعة

ومع تكرار الفعل في أكثر من موقع في قطاع غزة، صار عادة ملازمة للجيش الإسرائيلي، وأكد 3 ضباط يقودون القتال في غزة للصحيفة، إن إحراق المنازل أصبح ممارسة شائعة، وعلى سبيل المثال، في ختام إحدى المعارك، أمر قائد عسكري فرقته بإخراج معداتها من منزل تحصنوا فيه خلال اشتباكات مع مقاتلي الفصائل الفلسطينية، استعداداً لحرقه. 

وكشف التقرير، أن حرق المنازل، مخصص لحالات بعينها، لكن تكراره دون إذن ومسوغ قانوني، حوله إلى عادة شائعة، وفي الآونة الأخيرة لجأ الجنود إلى توثيق الأمر  من خلال بثه مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي "انتقاماً لمقتل زملائهم الجنود، أو حتى لهجوم 7 أكتوبر". 

وكتب أحد الجنود الإسرائيليين"المنازل في غزة مدمرة ومحتلة، وما تبقى الآن هو تفتيشها بدقة، داخل الأرائك والخزانات، للبحث عن الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية وفتحات الأنفاق وقاذفات الصواريخ، وبعد أن نجد كل هذه الأشياء، لا يبقى سوى حرق المنزل بما فيه". 

"متعة"

وأشار التقرير إلى حادثة حرق صادمة، ففي إحدى المرات، ترك جنود كانوا على وشك مغادرة مبنى في إحدى المناطق بغزة رسالة نشرت على الإنترنت للقوات القادمة مكانهم، قائلين فيها، "نحن على وشك المغادرة، لن نحرق المنزل، سنتركه لكم كي تستمتعوا فيه، لكنكم تعرفون ما يتوجب عليكم فعله حينما تغادرونه، أحرقوه".

ويعد حرق منازل المدنيين في الحروب مخالفة جسيمة للقانون الدولي، وحتى الشهر الماضي، كانت قوات الهندسة في الجيش الإسرائيلي، تقدم على تدمير المنازل في غزة عبر الألغام والمتفجرات، والهدم بالآليات الثقيلة، كجرافات D9، لكن مع استمرار القتال انتقل الجنود للحرق، مستهدفين منازل مدنيين غير منتمين إلى حماس، أو منخرطين في القتال.

وخلفت سياسة حرق المنازل في غزة انتقادات حادة، دفعت واشنطن إلى الضغط على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، لتجنب ارتكاب أفعال كهذه لما لها من تبعات على حياة المدنيين الفلسطينيين الساعين للعودة إلى بيوتهم بعد أن انتهاء الحرب. 

وتقول الصحيفة، رضخ الجيش الإسرائيلي للضغوطات الأمريكية وقبل بها، وعمل على تقليص حرق المنازل، إلا في حالات معينة، واجهت فيها القوات المتشرة في كل قطاع غزة، خطراً جسيماً. وذكر التقرير أن الحرب في غزة تركت بالفعل دماراً هائلاً في المباني المدنية، تفوق ما خلفته صراعات أخرى أكبر مندلعة حول العالم. 

 ووفق صور أقمار صناعية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد تضرر ما بين 144 ألفاً و170 ألف مبنى في قطاع غزة منذ بداية الحرب، وتوصل تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الشهر الماضي، إلى أن مساحات كاملة في بيت حانون وجباليا وحي الكرامة في غزة طمست بالكامل. 

وتسببت الحرب بتدمير 350 مدرسة، ونحو 170 مسجداً وكنيسة.

خوف من الإدانة 

وتخشى إسرائيل أن تستخدم سياسة حرق المنازل في غزة لإدانتها أمام المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية، حيث تواجه إسرائيل تهماً بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في دعوى أقامتها جنوب إفريقيا. 

وقالت الصحيفة، هناك خوف مضاعف في إسرائيل من أن تؤدي عمليات حرق المنازل العشوائية في غزة إلى تحفيز المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات عقابية ضدها.

كما يمكن أيضاً ربط حرق المنازل بتصريحات الساسة الإسرائيليين الذي دعا بعضهم علناً لحرق وتدمير غزة بكل الطرق الممكنة، وقبيل انعقاد جلسة محكمة العدل الدولية للبت في دعوى جنوب إفريقيا يوم الجمعة الماصي، كرر عضو الكنيست من حزب الليكود، نسيم فاتوري، دعوته إلى "حرق غزة"، قائلاً في مقابلة إذاعية، "من الأفضل حرق وهدم المباني بدلاً من إصابة الجنود".