مناصرون لحركة الإنصاف  يسدون أحد الطرق احتجاجاً على نتائج الانتخابات
مناصرون لحركة الإنصاف يسدون أحد الطرق احتجاجاً على نتائج الانتخابات
الجمعة 16 فبراير 2024 / 13:34

باكستان عند مفترق طرق

بعد إقالة حكومة عمران خان في تصويتٍ بسحب الثقة في أبريل (نيسان) 2022، أصبح "الاستقرار" الشعار الذي يتردد صداه في كل رواق من أروقة الهيئات الحكومية الباكستانية.

يجب أن تسود إرادة الشعب إذا كانت الأمة تتطلع إلى مسار من الازدهار والاستقرار

وثار جدل كبير حول شرعية الحكومة ومشاكلها الاقتصادية، مما ألقى بظلال الشك على مستقبل باكستان، حسبما أفاد أسامة قيوم، مستشار سياسي وطالب دراسات عليا في جامعة أكسفورد.

تعميق المخاوف

وقال قيوم في تحليل بموقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي إن الانتخابات التي أجريت في 8 فبراير (شباط) لم تؤدِ سوى إلى تعميق هذه المخاوف، لا سيما فيما يتعلق بشفافية العملية الانتخابية في الدولة، وهي القضية التي طالما عرقلت الديمقراطية الباكستانية، ورددت هذه المخاوف الآن هيئات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ لم تكشف الانتخابات سوى عن فشلٍ منهجيّ لمؤسسات الدولة.
وبخلاف توقعات المؤسسة الباكستانية، بل حتى بخلاف توقعات كثيرين داخل حزب حركة الإنصاف الباكستانية، خرج المرشحون المستقلون المدعومون من الحزب منتصرين رغم مواجهتهم سلسلة من العقبات التي كانت تهدف إلى تقويض نجاحهم.

وشاركَ مؤيدو الحزب في التصويت بأعدادٍ كبيرة، مما أدى إلى سيناريو غير مستقر إذ يُشكِّل المستقلون المدعومون من حزب حركة الإنصاف الباكستانية الآن أكبر مجموعة داخل الجمعية الوطنية.
ومن الناحية العمليّة، يضيف قيوم، وبغض النظر عن الخلافات الحادة بين الفصائل المختلفة، يُعدُّ حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بقيادة رئيس الوزراء السابق نواز شريف أكبر حزب سياسي واحد في باكستان. 

ومع ذلك، يُشترَط لتشكيل الحكومة مد يد المصالحة إلى كيانات سياسية أخرى، لا سيما حزب الشعب الباكستاني الذي يقوده بيلاوال بوتو زارداري، وتحالفات مع أحزاب أصغر ومستقلين.

وتجري حاليّاً مفاوضات، في ظل إدراك معسكر بيلاوال بوتو زارداري تماماً لدوره المحوري في أي تشكيل حكومي محتمل.

وعبَّر بيلاوال عن تردده في أن يتولي أي منصب في الحكومة الفيدرالية، لكنه يسعى بفارغ الصبر إلى تولي والده، الرئيس السابق آصف علي زرداري، منصب الرئاسة الفخري. ويدرك بيلاوال أهمية تفادي الانحياز الوثيق لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية ومقاومة أن يكون مُجرد أداة لتحقيق طموح الحزب في السلطة، ولذلك فهو حريص كل الحرص على رسم مساره السياسي الخاص.

وهو يسعى إلى تجنب أي تصوُّر لارتباطه الوثيق بحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية أو تأثره به. 


ومع ذلك، أعلن بيلاوال علانيةً دعمه لحكومة يقودها حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، على غرار الحركة الديمقراطية الباكستانية التي كانت في السلطة سابقاً، وتمثل تحالفاً يضم معظم الأحزاب الكبرى باستثناء حزب حركة الإنصاف الباكستانية، ورشح رئيس الوزراء السابق شهباز شريف مرةً أخرى لرئاسة الوزراء.
ووفق الكاتب، فإن هيمنة حزب حركة الإنصاف الباكستانية الانتخابية في هذه الانتخابات مذهلة على أقل تقدير، فقد بدا الأمر وكأن السيناريو مُعد مسبقاً بعودة نواز شريف المظفرة إلى باكستان، حيث أُعِدّ لقيادة الأمة نحو الاستقرار والازدهار بالتزامن مع إقصاء عمران خان نهائيّاً.

وكان من المتوقع أن تؤدي الانتخابات ببساطة إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذا الانتقال في السلطة.

غير أنَّ الدعم المتزايد لحزب حركة الإنصاف الباكستانية، الذي ظهرَ بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، أدهش المؤسسة الحاكمة، وتُرْجِمَ إلى زخمٍ شعبي ملموس. ورغم حملات القمع الشديدة التي أعقبت سحب الثقة من عمران خان في عام 2022، وبالتزامن مع تحمُّل قادة حزب حركة الإنصاف الباكستانية لأهوال للسجن والتعذيب والترهيب، لم يخرج المرشحون المدعومون من الحزب منتصرين وحسب، وإنما انتصروا انتصاراً مُقْنعاً، وأزاحوا شخصيات بارزة من الرابطة الإسلامية الباكستانية (نواز).
ومع ذلك، يبدو أن لجنة الانتخابات الباكستانية قد قيّدت هذا الفوز بطريقةٍ غير عادلة، إذ أصدرت أحكاماً مشكوك فيها منحت مقاعدَ لنوابٍ تخلّفوا، وفقًا لجميع الروايات، عن الفوز بها بهامش كبير. ودفعت هذه المخالفات حتى المرشحين الفائزين المعلنين، مثل حافظ نعيم الرحمن من حزب جماعة الإسلام، إلى التخلي عن مقعده في السند، معلناً عن أنه لم يفز في حقيقة الأمر.
ويُعزى نجاح حزب حركة الإنصاف الباكستانية إلى المشاركة الانتخابية الكبيرة والمفاجئة من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المقاطعات التي لم تكن معقلاً له سابقاً. ويمثِّل هذا الحشد غير المسبوق للناخبين انتصاراً مدوياً ليس فقط لحزب حركة الإنصاف الباكستانية، ولكن للمشهد السياسي بأكمله، وهو مشهد لطالما شوهه الإحباط والاعتقاد السائد بأن التغيير بعيد المنال.

شكوك حول شرعية الحكومة الجديدة

ومع ذلك، يرى الكاتب أنه في ظل أسئلة تكتنف الفترة التي أعقبت الانتخابات مباشرةً، بما في ذلك التأخير الكبير في إعلان النتائج والتناقضات بين تقارير وكلاء الاقتراع المحليين والإخطارات الرسمية، ستثور الشكوك حول شرعية الحكومة الجديدة.
واختتم قيوم تحليله بالقول: "تقف باكستان حاليّاً عند مفترق طرق بالغ الحساسية. ويتعين على القوى الديمقراطية أن تتكاتف معاً لرسم مسار للمضي قدماً، لأن الاعتماد على المؤسسة العسكرية وحدها سيؤدي إلى تعزيز هيمنتها، وهو دور قُوبل بالرفض بشدة من جانب جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي. ويجب أن تسود إرادة الشعب إذا كانت الأمة تتطلع إلى مسار من الازدهار والاستقرار. سيكون دورَا لجنة الانتخابات والمحكمة العليا محورياً في الأيام والأسابيع المقبل".