صاروخ باليستي إيراني
صاروخ باليستي إيراني
الجمعة 29 مارس 2024 / 12:28

واشنطن تفشل مجدداً في قياس التهديد النووي الإيراني

تناول بهنام بن طالبلو وأندريا ستريكر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات تقييماً حديثاً، صدر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية (أودني) للتهديدات العالمية، ووفق الكاتبين، فشل التقييم في وصف التهديد المتزايد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني، ما يثير تساؤلات حول استعداد واشنطن لمواجهة طهران، إذا تحركت بقوة نحو الأسلحة النووية.

مجتمع الاستخبارات لم يقم بكشف بناء إيران لمنشآت كبيرة لتخصيب اليورانيوم


وكتب بن طالبلو وستريكر في موقع "1945" أن التقدير السنوي للمكتب يحتوي على معلومات من وكالات على امتداد مجتمع الاستخبارات الأمريكي ويصف مجموعة من التحديات التي يواجهها الأمن القومي الأمريكي، والتي يفرضها أعداء أمريكا، من ضمنهم النظام الإيراني، ويتضمن التقرير أجزاء سرية وغير سرية.
تتضمن أحدث نسخة غير سرية النتيجة المستخدمة كثيراً، وهي أن "إيران لا تقوم حالياً بأنشطة تطوير الأسلحة النووية الرئيسية اللازمة لإنتاج جهاز نووي قابل للاختبار". مع القليل من التفسير لأساسه، قام المكتب بتضمين نسخة مختلفة من هذا البيان كل عام، منذ 2019، مباشرة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
يبدو أن مجتمع الاستخبارات يركز بشكل ضيق على ما إذا كان قد اكتشف قيام طهران بما يسمى أنشطة "التسليح"، وهي سلسلة من الخطوات التي تتخذها دولة لتجميع مواد انشطارية مستخدمة في صنع الأسلحة، من أجل تحويلها إلى سلاح نووي، وقد يكون هذا إشكالياً، وفق الكاتبين.


مصادر ناقصة؟


أولاً، ما لم يكن لدى مجتمع الاستخبارات مصادر استخبارية بشرية رفيعة المستوى أو قدرات موثوقة في مجال استخبارات الإشارات في إيران، فلا بد من أن يعتمد معيارياً على مجموعة من الوسائل الفنية الوطنية والمراقبة الدولية للتأكد من طبيعة وحالة البنية التحتية الذرية في إيران. مع ذلك، من المرجح أن تقوم إيران بأنشطة التسليح في منشآت عسكرية صغيرة وسرية للغاية تحت الأرض، مما يحد من قدرة مجتمع الاستخبارات على اكتشاف مثل هذه الجهود، وبالتالي التقييم بشكل قاطع بأن إيران لا تقوم بها.

 


وما يثير القلق أن مجتمع الاستخبارات لم يقم بكشف بناء إيران لمنشآت كبيرة لتخصيب اليورانيوم في الماضي: كشفت جماعة معارضة إيرانية ومنظمة غير حكومية سنة 2002 عن موقعين في نطنز، وفي البداية موقع في فوردو، كشفت عنه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في 2009.
علاوة على ذلك، كانت تلك المرافق أكثر قابلية للاكتشاف من مواقع التسليح المحتملة بالنظر إلى أنها تنطوي على أعمال بناء كبيرة فوق الأرض وحفر أنفاق، فضلاً عن شراء إيران غير المشروع لمعدات تخصيب اليورانيوم. وبناء على هذا، ينبغي أن تُقرأ بعين الشك قدرة مجتمع الاستخبارات على الإدلاء بمثل هذا الإعلان المطلق في تقييمه غير السري بشأن صعوبة العثور على جهود تسليحية.
لتحقيق هذه الغاية، ربما يهدف بيان المجتمع الاستخباري للإشارة ضمناً إلى أن طهران، حتى الآن، لم تقم بتحويل مواد انشطارية من المنشآت المعلنة إلى منشآت غير معلنة، ولم تكتشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تقوم بالتخصيب إلى درجة تصنيع الأسلحة في مواقع معلنة.
لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاحظت الأمر الأخير. في يناير (كانون الثاني) 2023، عثرت الوكالة على جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 84% تقريباً – وهو رقم قريب جداً من عتبة 90%، أو درجة التسليح – في معدات محطة فوردو للتخصيب. ربما كانت إيران تمارس التخصيب بنسبة تقترب من 90%، لكنها لم تولّد منتجاً نهائياً وتم كشفها.


تصريح كافٍ لدق ناقوس الخطر


ثانياً، أشارت الوثائق التي استولت عليها إسرائيل عام 2018 من الأرشيف النووي الإيراني السري إلى أن طهران خططت لمواصلة التقدم في جهود التسليح بعد 2003، عندما أوقفت برنامج الأسلحة النووية السريع المعروف باسم "خطة أماد". كان النظام ينوي مواصلة البرنامج بطريقة غير منظمة، وتوزيع الأنشطة على المواقع العسكرية ومؤسسات البحوث المدنية. تناولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا القلق في تقريرها الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 والذي جاء فيه: "ثمة (مؤشرات) إلى أن بعض الأنشطة ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي، استمرت بعد 2003، وإلى أن بعضها ربما لا يزال مستمراً".

 

 


وحتى الآن، لم تهدّئ إيران من هذا القلق. في الواقع، وبعد أن أعادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 2018 فتح تحقيقها في الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج طهران وفق نتائج الأرشيف النووي، رفضت إيران التعاون بالرغم من عثور الوكالة على أدلة إلى أعمال أسلحة ذرية غير معلنة.
من غير الواضح ما إذا كان مكتب مدير الاستخبارات الوطنية يأخذ معلومات الأرشيف النووي في استنتاجاته حول جهود التسليح في إيران، حيث أشار الأرشيف إلى برنامج غير منظم يهدف إلى تزويد طهران بخيار مستقبلي لبناء أسلحة نووية.
والتعليق الأخير الذي أدلى به الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، بأن طهران تمتلك كل المكونات اللازمة لصنع الأسلحة النووية، ينبغي أن يدق ناقوس الخطر أيضاً.
في مقابلة أجريت معه مؤخراً، لمح صالحي إلى أن طهران تجاوزت "جميع عتبات العلوم والتكنولوجيا النووية". وقال: "هذا مثل. تخيل ما تحتاج إليه سيارة، إنها تحتاج إلى هيكل ومحرك وعجلة قيادة وعلبة تروس. أنت تسأل عما إذا كنا قد صنعنا علبة التروس، أقول نعم. هل صنعنا المحرك؟ نعم، ولكن كل واحد يخدم غرضه الخاص. يبدو أن مثل هذه التصريحات تؤكد أن إيران تحتفظ بالبنية التحتية والمعرفة اللازمة لجهد التسليح".


استفزازات نووية أخرى


ثالثاً، يبدو أن أودني لا يعتبر تأثير التطورات النووية الإيرانية الاستفزازية الأخرى أمراً أساسياً لتطوير جهاز نووي: على سبيل المثال، إنتاج إيران العلني لمعدن اليورانيوم في 2021، وهو مادة رئيسية تستخدم في نوى الأسلحة النووية. ولا يبدو أن التقييم ينظر إلى تكديس إيران لمخزونات ضخمة من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60%، وهذه الأخيرة يمكن استخدامها بشكل مباشر في صنع جهاز نووي، كمؤشر على التوجه نحو إنتاج أسلحة ذرية.
بدلاً من ذلك، يشير أودني إلى أن "طهران قامت بمزج كمية صغيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وخفّضت بشكل كبير معدل إنتاجها من يونيو (حزيران) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2023". وهذا توصيف خاطئ مثير للقلق وفق الكاتبين.
في الواقع، زادت إيران إنتاجها من المادة خلال تلك الفترة الزمنية، من 114.1 كيلوغراماً اعتباراً من تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يونيو 2023 إلى 128.3 كيلوغراماً اعتباراً من تقرير الوكالة في نوفمبر 2023. واعتباراً من تقرير الوكالة في فبراير (شباط) 2024، كانت إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع يورانيوم صالح لغرض تسليح ما يبلغ 13 سلاحاً نووياً في خمسة أشهر.
يعترف تقرير مكتب مدير الاستخبارات القومية بأن إيران في "وضع أفضل" من أجل "إنتاج جهاز نووي، إذا اختارت أن تفعل ذلك". ويسرد التقييم إنتاج إيران لليورانيوم العالي التخصيب، وتخزين اليورانيوم المخصب، وتطوير وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتقليص مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مع ذلك، يحذر التقرير من أن إيران يمكن أن تزيد من تصعيد تلك الأنشطة إذا ضغطت واشنطن ضد التوسيع المستمر للبرنامج. من خلال القيام بذلك، ربما يكون المكتب قد تعمق في توصيات السياسة، من خلال التحذير عن غير قصد من الضغوط الأمريكية كأداة لمكافحة انتشار الأسلحة النووية.


نقطة دقيقة تم إغفالها


رابعاً، لم يتطرق تقييم المكتب إلى الظروف التي حدثت في ظلها التطورات النووية الكبيرة الأخيرة التي حققتها إيران. على وجه التحديد، سمحت إدارة بايدن بضمور العقوبات ضد برنامج طهران النووي. لقد فعلت ذلك، في محاولة فاشلة لاستعادة الاتفاق النووي أو التوصل إلى اتفاق بقيود أقل. والنتيجة: حققت إيران مكاسب تقنية لا رجعة فيها، وهي تقف على عتبة الأسلحة الذرية.
إن إغفال هذه النقاط الدقيقة يخاطر بتضييق نطاق التهديد النووي الإيراني أو احتمال إساءة توصيفه. كما أنه يحول دون التوصل إلى فهم أفضل لجميع القوى التي تحرك التصعيد النووي الإيراني. يحتاج صناع القرار السياسي إلى رؤية الصورة الكاملة من أجل الاستفادة من الأحكام التحليلية الواردة في تقييم التهديدات العالمية أو أي إحاطة استخبارية أخرى.
من الجدير بالذكر أن تقييمات مكتب مدير الاستخبارات الوطنية السابقة كانت أقل تحفظاً بشأن نوايا إيران وأنشطتها. على سبيل المثال، لم تتضمن جميع تقييمات التهديدات العالمية قبل 2018 أي بيان مماثل عن أن إيران "لا تقوم حالياً بالأنشطة الرئيسية لتطوير الأسلحة النووية اللازمة لإنتاج جهاز نووي قابل للاختبار".
توصّل تقدير 2006 إلى "أننا نقدّر أن إيران تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية". وجاء في تقرير 2009 "نحن نقدّر أن طهران على الأقل تبقي خيار تطويرها (الأسلحة النووية) مفتوحاً". وذكر تقدير 2017 أن "إيران تسعى إلى الحصول على قدرات لتحقيق أهدافها في الطاقة والتكنولوجيا النووية ومنحها القدرة على بناء أسلحة نووية يمكن إطلاقها بالصواريخ، إذا اختارت القيام بذلك". وقد تركت هذه التقديرات مجالاً أكبر بكثير للقلق وعملت على تحفيز صناع السياسات على العمل.


انتقائية


أخيراً، يبدو أيضاً أن تقرير المكتب الأخير يأخذ على محمل الجد التصريحات الإيرانية حول السعي لإحياء الاتفاق النووي. يأتي هذا بالرغم من انهيار المفاوضات النووية الذي تسببت به إيران بسبب المطالبة بشروط أفضل في مواجهة صفقة تم تخفيفها أصلاً. كما امتنع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية عن توضيح الفوائد التي قد يقدمها الاهتمام المصطنع بالدبلوماسية لطهران، مثل نفاد الوقت لمنع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران والتي تنتهي في 2025، أو إعاقة سياسة ضغط متعدد الأطراف أكثر توحيداً ضد النظام.
يأسف الكاتبان لأن هذا الفشل بني على نمط من اهتمام أكثر انتقائية لمجتمع الاستخبارات بأصوات معينة في السياسة الداخلية الإيرانية. على سبيل المثال، في تقييم التهديد العالمي لسنة 2018، أمضى المكتب وقتاً طويلاً في المبالغة بالتأكيد على التنافس المحلي بين الرئيس الإيراني السابق "المعتدل" المزعوم حسن روحاني والفصائل الأخرى باعتباره "محركاً رئيسياً في تحديد ما إذا كانت إيران تغير سلوكها بطرق تصب في مصلحة الولايات المتحدة". وبينما جاء روحاني وذهب، تزايدت بشكل مطرد قدرة إيران وعزمها على الانخراط في التصعيد النووي والابتزاز.
باختصار، في حين يرسم تقرير مكتب مدير الاستخبارات الوطنية صورة لنظام أكثر قدرة مع برنامج نووي متوسع، ستنبع دوافع صناع السياسات وقدرتهم على التحقق من هذا التحدي أولاً وقبل كل شيء من فهمه بدقة. وحث الكاتبان الكونغرس على أن يتابع مع المكتب ومجتمع الاستخبارات المدخلات التي غذت هذا التقييم لفهم منطقه وتصحيح نقاط ضعف السياسة الإيرانية الحالية. بخلاف ذلك، قد يفاجَأ الجميع عندما تعتمد طهران على برنامجها السري للتسلح وتقدم للعالم أمراً نووياً واقعاً.