سائحة صينية بين مجسمين لبوتين وشي جين بينغ في موسكو (أرشيف)
سائحة صينية بين مجسمين لبوتين وشي جين بينغ في موسكو (أرشيف)
الأربعاء 3 أبريل 2024 / 13:41

خلافات الجغرافيا والتاريخ تختبر متانة العلاقات بين الصين وروسيا

تظل العلاقة بين الصين وروسيا مستقرة وفي أوجها، حتى يأتي الطرفان إلى مسألة الحدود المشتركة، فبكين ترى في بعض الأقاليم الحدودية الروسية جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتطالب باستعادتها إلى حضن الوطن الأم، كما تايوان تماماً، أما موسكو فتجدف بعيداً، في محاولة لتأجيل الصراع الجغرافي إلى أطول فترة ممكنة، حتى لا تخسر واحداً من أهم حلفائها الدوليين في خضم حربها على أوكرانيا.

وخلال العامين الماضيين، تطورت العلاقات الصينية الروسية، وشهدت قفزات نوعية، على مستويات عديدة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، وارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى أرقام غير مسبوقة، وتبادل مسؤولون من الطرفين الزيارات الرسمية، وزار الزعيم الصيني شي جين بينغ روسيا في مارس (آذار) 2023، والتقى بوتين، وأعلنا عن شراكة غير محدودة، حتى ظن خبراء السياسة، أن شائبة لا تشوب صفو العلاقات، ورأوا في الطرفين تكاملاً يؤسس لعودة القطبية الثنائية، وإزاحة الولايات المتحدة عن عرش الهيمنة العالمي، حتى ظهرت أطماع الصين الخفية في الركن الشرقي الأقصى من روسيا، المعروف باسم  "بريمورسكي كراي"، الواقع شرقي الصين، والمطل على بحر اليابان.  

زحف متزايد 

ودأبت الصين في عهد شي جين بينغ على سياسة الهدوء والصبر الطويل، من أجل تحقيق ما ترنو إليه، أو استعادة ما انتزع منها يوماً ما، ومؤخراً أصبح التدافع الصيني قرب الحدود الروسية ملحوظاً، مع تزايد أعداد المزارعين الوافدين إلى بريمورسكي كراي الروسية، وتنامي نفوذهم الاقتصادي على السكان المحليين، وفق ما أكدته صحيفة "نيكي" اليابانية. 

وفي الحقيقة، فإن جذور بريمورسكي كراي، تعود إلى الصين، فهي امتداد جغرافي لها، تنازلت عنه بمحض إرادتها لروسيا في عهد أسرة تشينغ عام 1860، ومع تنامي حلم الصين العظمى غير المجزأة، صارت المنطقة موضع اهتمام صناع القرار في بكين والقوميين الصينيين. والعام الماضي، أصدرت الحكومة الصينية قراراً بأن خرائط البلاد يجب أن تتضمن (هايشينواي- الاسم الصيني لإقليم بريمورسكي).  

سياسة مشابهة

واستدارة شي إلى الشرق، لا تختلف في جوهرها عن تدافع الروس بقيادة بوتين في أوكرانيا التي يرونها  جزءاً من الأراضي الروسية، فكلا الزعيمين يحلم باستعادة ما كان جزءاً من بلادهما يوماً ما، وفي حالة روسيا، فهي ترى في أوكرانيا امتداداً لها، يقيها شر الناتو الزاحف نحو حدودها، أما في حالة الصين، فمسألة استعادة المنفلت من أراضيها، جزء من حلم "التجديد العظيم للأمة الصينية"، الذي يقوده الزعيم شي جين بينغ. 

سابقاً، تعهدت الصين بضم تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي إلى الحظيرة، كما أنها تطالب بمعظم بحر الصين الجنوبي، من منطلق "الحقوق التاريخية" لبكين، التي تضعها في مواجهة الفلبين وجيران آخرين.

وذكرت صحيفة "نيكي"، أنه وسط التوقعات الاقتصادية القاتمة لمنطقة هيغانغ الواقعة شمال شرق الصين، والحدودية مع روسيا، والمزدهرة سابقاً بمناجم الفحم، فقد يشق المزيد من المزارعين الصينيين طريقهم قريباً إلى روسيا .

"الخطر الأصفر" 

وتقول  مديرة مركز "ستيمسون"  يون سون، لمجلة "نيوزويك"، إن "القلق بشأن (الخطر الأصفر) في الشرق الأقصى الروسي ليس جديداً، فهو موجود منذ عقود، إن لم يكن منذ قرون، بسبب الاختلال الكبير في التوازن السكاني على جانبي الحدود".  
وأضافت، "القلق يرتفع لأن تدفق المزيد من الصينيين سيشكل تحدياً للسيطرة الروسية، فلا أعتقد أن قضية السيادة ما زالت مطروحة للتفاوض، لكن كيفية إدارة انتشار المزارعين الصينيين الوافدين إلى الأقاليم الروسية ستكون قضية شائكة".
ووجدت دراسة أجرتها المجلة الأمريكية للاقتصاد عام 2021، أن وجود المزارع الصينية داخل الأقاليم الروسية الحدودية، وتنامي مبيعات الشركات المملوكة للصين فيها، عزز إلى حد ما دخل المزارعين المحليين.
وقالت الدراسة أيضاً، إن "العوامل نفسها ترفع أسعار الأراضي من خلال زيادة المنافسة، وتقلل أجور العمال الروس وعدد أفراد الأسرة العاملين في المزارع الروسية، وتزيد عدد الوظائف بدوام كامل لعمال المزارع، وانخفاض إنتاجية الذرة والقمح، وزيادة إنتاجية البطاطا والأرز". 
وساعد التبادل التجاري الروسي مع الصين، في وقت يتبنى فيه الكرملين اقتصاد الحرب في دعم الاقتصاد الروسي إلى حد كبير، مخففاً وقع العقوبات الدولية الغربية والحصار المالي، وسمح نمو العلاقات لروسيا بتجنب التوقعات الأكثر تشاؤماً لاقتصادها، لكنه زاد من اعتمادها على اليوان الصيني. 

وحل التعبية 

وقالت وزارة الاقتصاد الروسية، إنه في النصف الأول من عام 2023، استخدمت روسيا اليوان لتسوية ثلاثة أرباع حجم تجارتها مع الصين، وربع معاملاتها مع الدول الأخرى.

وفي تقريره السنوي، الذي نشر في 29 مارس (آذار) الماضي، قال البنك المركزي الروسي، إنه ليس لديه بدائل جيدة لليوان، عندما يتعلق الأمر بالاحتياطيات الدولية، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
وقال التقرير، إن "أسعار صرف هذه العملات شديدة التقلب، والأسواق لديها سيولة منخفضة، وفي عدد من هذه الدول توجد قيود على حركة رؤوس الأموال، مما يشكل عائقاً أمام استخدامها". 

وتؤكد سون، أن استخدام اليوان الصيني، في المعاملات ساعد روسيا والصين على تخفيف تأثير العقوبات الغربية، وسمح للدول باختبار نظام دفع مالي بديل لسويفت.
وتابعت سون، "العملة الاحتياطية مسألة مختلفة، فيمكنك القول إنه نظراً لمستوى الأنشطة الاقتصادية الثنائية، فمن الطبيعي بالنسبة لروسيا أن تتحمل المزيد من اليوان في احتياطياتها الأجنبية، ولكننا نعلم أيضاً أن ذلك يواجه العديد من الصعوبات العملية - السيطرة على رأس المال في الصين، ونقص النقد، وتلاعب بكين. من سعر الصرف." 

وأضافت، "لذا، إذا كان لدى روسيا خيارات أخرى، فإن اليوان ليس العملة الاحتياطية الأكثر جاذبية".
وبحسب الخبراء، فإن اعتماد روسيا على اليوان، يترك الشريك الأصغر الرئيس فلاديمير بوتين في مأزق في حالة ظهور أي توترات دبلوماسية أو نزاعات تجارية بين البلدين، كما يجعله أكثر عرضة للتحديات الاقتصادية التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ومع مرور الوقت، ضربت العقوبات الغربية شركات صينية تتعاون مع روسيا، وعلى سبيل المثال، أبلغت الشركات الروسية التي لها مصالح تجارية في الصين عن مشاكل في عمليات الدفع بعد أن فرضت واشنطن عقوبات ثانوية تستهدف البنوك التي تسهل نقل البضائع المحظورة إلى روسيا.