الإثنين 8 أبريل 2024 / 09:13

"الناتو" بعد 75 عاماً

افتتاحية الخليج

في الرابع من الشهر الحالي طوى حلف شمال الأطلسي 75 عاماً من عمره باحتفال أقيم في مقر الحلف في بروكسل، بمشاركة أمينه العام ينس ستولتنبيرغ ووزراء خارجية الحلف، استعداداً لاحتفال قادته في قمة واشنطن في يوليو (تموز) المقبل.

كان الحلف الذي تأسس في العاصمة الأمريكية في مثل ذلك اليوم من عام 1994 بمشاركة 12 دولة، وأصبح عدد أعضائه اليوم 32 دولة بعد انضمام السويد، إيذاناً ببدء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي دفع الكرملين إلى الرد بتأسيس حلف وارسو عام 1955 والذي ضم إلى جانب موسكو 7 دول اشتراكية في أوروبا الشرقية.

كان حلف الأطلسي في الأساس سياسياً إلى أن حلت الحرب الكورية، حيث رفع الحلف المستوى السياسي إلى المستوى العسكري، وتم تضمين ميثاقه المادة الخامسة التي تنص على الدفاع الجماعي، وقد تم كل ذلك بقرار من الولايات المتحدة، وتحديداً من وزير الخارجية آنذاك جورج مارشال، ثم تحوّل الحلف تدريجياً إلى أداة عسكرية أمريكية يستخدمها في مواجهة الاتحاد السوفييتي حتى انهياره في مطلع تسعينات القرن الماضي، ثم ضد الدول التي يرى أنها تشكل خطراً على السياسات الأمريكية.
واجه الحلف منذ تأسيسه العديد من الأزمات، خصوصاً خلال فترة رئاسة الجنرال ديغول لفرنسا عام 1959، حيث قرر الانسحاب من الحلف، وحظر في وقت لاحق وضع أسلحة نووية أجنبية على الأراضي الفرنسية. وفي عام 2009 عادت فرنسا إلى الحلف بعد قطيعة دامت 43 عاماً.
وإذا كان الحلف الذي تأسس في ظل الخوف، وكان هدفه مواجهة الاتحاد السوفييتي في أوروبا خلال فترة الحرب الباردة دون أن يخوض أي مواجهة مباشرة معه، فإنه بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بدأ يواجه أسئلة مصيرية تتعلق بمبررات وجوده. لكن الولايات المتحدة كان لها رأي آخر بالتمسك بالحلف وتوسيعه شرقاً في إطار استراتيجيتها العالمية للاحتفاظ بالحلف كإحدى أدواتها العسكرية، باعتبار أن الحلف يوفر لها موقعاً قيادياً في واحد من أقوى شبكات التحالف الدولي، ومن دونه لن تحتل واشنطن مكانتها الحالية بصفتها قوة عظمى رغم قوتها الهائلة.
لقد تم تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف مرة واحدة في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث شارك في الحرب في أفغانستان تحت مسمى قوات (إيساف)، كما شاركت بعض دول الحلف في غزو العراق عام 2003، وفي قصف صربيا عام 1990، ثم في قصف ليبيا عام 2011.
لكن في الحرب الأوكرانية اهتزت صورة الحلف، وبرزت تشققات في بنيته وهيكله العسكري، إضافة إلى انقسامات بين دوله، وعدم قدرته على وضع سياسة دفاعية مشتركة في مواجهة روسيا، وضعفت قدرته على تلبية المطالب الأوكرانية من سلاح وعتاد لتمكينها من مواصلة الحرب والوقوف في مواجهة القوات الروسية التي تحقق انتصارات ميدانية متتالية.
خلال الاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيس الحلف وعد ستولتنبيرغ بتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن هناك "مخاطر حقيقية تتمثل في أن روسيا قد تستولي على مزيد من الأرض، وبذلك سوف نكون في خطر أكبر".
وسط هذا الخوف والأوضاع المعقدة والبيئة العالمية المملوءة بالتحديات، إلى متى يمكن أن يصمد حلف الأطلسي؟ لروسيا موقف في هذا الخصوص. إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الحلف عاد لعقلية الحرب الباردة و"لا مكان له في العالم المتعدد الأقطاب".