روس يسيرون أمام دعاية للخدمة العسكرية في سان بطرسبرغ (أرشيف)
روس يسيرون أمام دعاية للخدمة العسكرية في سان بطرسبرغ (أرشيف)
الأحد 21 أبريل 2024 / 15:01

بعد فوز بوتين برئاسة جديدة.. صراع الأجيال في روسيا يهدد النظام السياسي

تعيش النخبة الروسية حالياً بين الخوف والرجاء، أما التغييرات المتوقعة في أشخاص السلطة بعد فوز الرئيس فلاديمير بوتين برئاسة جديدة في مارس (آذار) الماضي. ويمكن أن يعزز التشكيل الجديد للسلطة نجاحات مجموعة البيروقراطيين الطموحين والفعالين بدرجة كبيرة، وأغلبهم في الستينيات من العمر. لكن هناك احتمال أن يستبدل الرئيس بوتين مجموعة من البيروقراطيين الأصغر سناً تقل أعمارهم عن 50 عاماً، محل طبقة المهنيين المسنين.

وفي تحليل نشرته مؤسسة كارنيغي لأبحاث السلام الدولي، يقول الكاتب الروسي ديمتري بيرتسيف إنه أياً كانت الفئة العمرية التي سينحاز إليها الرئيس، فإن أي تغيير واسع النطاق في السلطة  سيخلق "جيلًا مفقوداً" من النخبة التي تفتقد إلى أي آفاق حقيقية داخل هيكل السلطة الرأسي في روسيا. في الوقت نفسه فإن هذه المعركة الصامتة بين الأجيال في روسيا تهدد نظام الحكم نفسه، رغم أن بوتين هو الذي خطط لها بنفسه.

ويمكن القول إن هناك 3 أجيال مختلفة داخل النخبة الروسية الحاكمة. الأولى تضم أشخاصاً في السبعينات من عمرهم تقريباً، يشكلون أساساً أعضاء في الدائرة الداخلية لبوتين التي تسيطر على الموارد الرئيسية، وتشغل المناصب العليا، وترأس الأجهزة الأمنية.

وينحدر العديد منهم  من مدينة سان بطرسبرغ ويرتبطون بعلاقات ممتدة مع الرئيس بوتين منذ سنوات عمله في حكومة المدينة  في التسعينيات أو أثناء العمل معه في أجهزة المخابرات الروسية.

ومن أبرز أعضاء هذه المجموعة كوفالشوك والأخوان روتينبرغ، وأمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي بتروشيف ومدير مكتب الأمن الفيدرالي ألكسندر بوتنيكوف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو.

ويمكن مقارنة هؤلاء  بالمساهمين الرئيسيين أو أعضاء مجلس الإدارة في الشركات الكبرى. وهؤلاء يدركون أن وقت رحيلهم عن السلطة سيأتي قريبا، لكنهم يريدون البقاء في مناصبهم أطول وقت ممكن، ثم توريث هذه المناصب إلى ورثتهم.

أما المجموعة الثانية فتتكون من بيروقراطيين طموحين في الستينيات وكثيرون منهم وصلوا سقفهم المهني وسيريدون تجاوزه. وعند مقارنتهم مع العاملين في الشركات، فهم يمثلون كبار المديرين الذين يختاهم المساهمون.

وخلال سنواتهم العديدة في العمل المهني، فإنهم يعرفون عموميات وخصوصيات الشركات، كما تعرفوا على أعضاء مجلس الإدارة وربما يستحوذون أحياناً على بعض الأصول.

وتضم هذه المجموعة رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، والنائب الأول لرئيس الأركان سيرغي كريينيكو،  ونائب رئيس الوزراء يوري ترونيف، وغيرهم كثيرون.

والهدف الرئيسي لهذا الجيل ليس فقط المحافظة على مناصبه الرفيعة، لكن أيضاً ضمان الحصول على المقابل المناسب لإنجازاته، بالحصول على مناصب أعلى أو حتى الانضمام إلى مجلس الإدارة. ويمكن أن يصبح "مدير كبير" محظوظ رئيساً لمجلس الإدارة، عنما يصبح المرشح الذي يحظى بالإجماع على خلافته للرئيس الحالي.

أما المجموعة الثالثة  فتتكون من السياسيين والمسؤولين في الأربعينيات، بما في ذلك بعض "الأمراء" مع المستفيدين في المجموعة الأكبر سناً والبيروقراطيين الطموحين الذين يشغلون حالياً أدواراً ثانوية أو ثالثة، لكنهم يصنعون بالفعل أسماء لأنفسهم ويريدون المضي قدماً إلى الأمام.

وفي إطار المقارنة مع الشركات يمكن القول إن هذه المجموعة تمثل ورثة أعضاء مجلس الإدارة، والذين قضوا حياتهم المهنية بأكملها في الشركة، وهم مخلصون لها، ولا يعرفون أي قواعد أخرى للعبة.

يضم هذا الجيل  وزير الزراعة ديمتري بتروشيف، نجل رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وأندريه تورشاك أمين عام حزب روسيا الموحدة،  وماكسيم أورشكين المستشار الاقتصادي للرئيس بوتين، بالإضافة إلى العديد من حكام الأقاليم في روسيا.

 وأصبح الصراع على المصالح المتضاربة بين الأجيال الثلاثة، أشد حدة. والسبب الرئيسي في ذلك هو سياسات بوتين المحافظة للغاية في شؤون الموظفين، وتخصيص الموارد في السنوات الأخيرة. فالتدفقات المالية، والموارد الفرعية، والشركات الحكومية الرئيسية، وهياكل إنفاذ القانون، كلها تخضع لسيطرة أعضاء دائرته الداخلية، المجموعة الأقدم. وفي الوقت نفسه، ظل معظم الجيلين الثاني والثالث في مناصبهم أكثر من عقد من الزمن، بما في ذلك الذين حصلوا على وعود بالحصول على مناصب أعلى أو سلطة أكبر.

في 2020 أجرى بوتين تغييراً حكومياً، لكن التغيير كان محدوداً ويبرز فقط الركود في المستويات الأخرى في الحكومة. والآن أطلقت انتخابات الرئاسة الروسية الأخيرة، إعادة تأكيد للسلطة الرئيسة.

وقد نرى تغييرات ليس فقط في الحكومة وإنما أيضاً داخل مؤسسة الرئاسة نفسها، وفي شركات الدولة، ومؤسسات إنفاذ القانون، وفي المجلس الاتحادي الغرفة العليا للبرلمان الروسي،  وحكومات الأقاليم. كل هذا يفاقم صراع الأجيال، خاصة بين الجيلين الثاني والثالث. فهناك معركة قادمة والخاسرون سيشكلون جيلاً مفقوداً.

و من الناحية النظرية، تفيد أي منافسة داخل النخبة أي نظام سياسي بإرغام أعضائها على التحلي بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية. في الوقت نفسه يحل اللاعبون الأصغر سنا، محل الأكبر سناً تدريجياً، في حين يسعى البيروقراطيون المتحمسون والذين في منتصف العمر للبقاء في مناصبهم.

ويقول الكاتب الروسي بيرتسيف إنه رغم ذلك وليكون هذا الوضع مفيداً، يجب أن تكون المنافسة مستدامة وطبيعية وتلتزم بقواعد واضحة، وهو أمر غير لم يتحقق في روسيا الدولة المفتقدة للشفافية وتخضع للمحسوبية، حيث يمكن أن تخرج المنافسة عن السيطرة، عندما تفقد النخبة جيلًا كاملاً أو تخشى فقدانه.