نازحون فلسطينيون في رفح.
نازحون فلسطينيون في رفح.
الجمعة 26 أبريل 2024 / 18:42

ما هي عقيدة الجدار الحديدي الإسرائيلية؟

يعتبر زئيف جابوتنسكي شخصية مؤثرة للغاية في تاريخ إسرائيل، فقد شاركَ في تأسيس الصندوق القومي اليهودي والفيالق اليهودية التي حاربت إلى جوار الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وأدّى دوراً رئيساً في إقناع بريطانيا بإصدار وعد بلفور لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان يعقد الآمال على أن يشمل الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن.

ومن بين أهم مساهمات جابوتنسكي في السياسة الأمنية الإسرائيلية عقيدة الجدار الحديدي، التي تفيد بأنّ الفلسطينيين لن يقبلوا بدولةٍ ذات أغلبية يهودية في فلسطين التاريخية، وأنَّ قيام دولة يهودية يعتمد بشكل أساسيّ على تحالفٍ بين الحركة الصهيونية وقوةٍ عالمية أخرى.
وفي أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استنتج بعض المحللين العرب أنَّ الهجوم يدلُّ على سقوط "الجدار الحديدي" الفاصل بين غزة وإسرائيل، وشبهوه بخط ماجينو الفرنسي الذي فشلَ في الحيلولة دون احتلال ألمانيا لفرنسا في الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا الإطار، رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور هلال خشان، أنَّ هؤلاء المحللين لا يدركون تأثير أفكار جابوتنسكي، بما في ذلك عقيدة الجدار الحديدي، على الإستراتيجية العسكرية والسياسيين الإسرائيليين اليوم.

الجدار الحديديّ

كان جابوتنسكي أول زعيم صهيوني يعترف بأن الفلسطينيين شعب، وأنهم لن يتخلوا طواعيةً عن حقهم في تقرير المصير.

وآمن جابوتنسكي بأن  الفلسطينيين لن يقبلوا بحوافز اقتصادية مقابل السماح لليهود بإقامة دولة ويصبحوا أغلبية سكانية في وطنهم الأم. 

ووصف جابوتنسكي فكرة القبول العربي للصهيونية والاستيطان اليهودي بأنه وهْم مُضلل، فقد اعتقد أنهم لن يتخلوا عن الأمل في تطهير فلسطين من السكان اليهود، على الرغم من الوعود التي قُدَّمت لهم بأنهم سيُعامَلون بكرامةٍ، إذ لا يمكن لأي شعب أن يقبل تقديم تنازلات في قضية محورية بهذا القدر من الأهمية.
ولهذا السبب، يقول الكاتب، كان جابوتنسكي يعتقد أنه من العبث فتح حوار معهم في المراحل الأولى للمشروع الصهيوني.

وكانت رؤية جابوتنسكي أنّ المشروع الصهيوني بحاجة إلى التنفيذ من وراء جدار حديدي لا يستطيع السكان العرب المحليون هدمه.
ومع ذلك، لم يكن نموذجه يُعارِض فتح حوار مع الفلسطينيين في مراحل لاحقة، على العكس من ذلك، فقد كان يعتقد أن الفلسطينيين سيعترفون في النهاية بضعفهم. وبعد ذلك، سيأتي الوقت المناسب لإقامة مفاوضات بشأن وضعهم وحقوقهم الوطنية في فلسطين. 

بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 وصعود حزب العمل إلى السلطة، برزَ حزب حيروت المعارض الرئيسي، الذي أصبح فيما بعد حزب الليكود، وريثاً لعقيدة جدار جابوتنسكي الحديدي.

وفي عام 1977، أصبح مناحم بيغن رئيساً للوزراء، وبعد عام وقَّعَ اتفاقيات كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات، التي أغفلت الإشارة إلى قيام دولة فلسطينية.

وظلَّ بيغن وفياً لتعاليم جابوتنسكي التي تفيد بأنه يستحيل أن توجد سوى دولة يهودية في فلسطين التاريخية، وكذلك فعل بنيامين نتانياهو الذي أصبح رئيساً لحزب الليكود عام 1993.

إرث جابوتنسكي

وقال هلال خشان في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حملت إرث جابوتنسكي، على الرغم من ظهورها في بعض الأحيان بمظهر المؤسسة المتقبلة لقيام دولة فلسطينية. وبعد أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية عام 1967، شرعت على الفور في سياسة بناء استيطاني طموحة.
وتبنّى إيهود باراك أيضاً موقفاً صارماً مناوئاً لقيام دولة فلسطينية، على الرغم من أنه تبنى لهجة مختلفة قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 1999. ففي عام 1993، عندما كان رئيساً للأركان، عارضَ اتفاقية أوسلو الأولى التي أعلنت المبادئ العامة للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما امتنعَ عن التصويت على اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، التي حدَّدَت إطاراً زمنياً مدته خمس سنوات لحل قضايا الوضع النهائي مثل وضع القدس وحق اللاجئين في العودة والحدود وإقامة دولة فلسطينية.

وبرر باراك تحفظاته قائلاً إن التحرك الفوري للتفاوض على حلٍ دائم للمشاكل المعلقة من شأنه تقويض الصفقة. غير أنَّ موقفه من حدود الدولة الفلسطينية قد تذبذب بشكلٍ ملحوظ. فبعد أن أصبح رئيساً للوزراء، اشتكى من أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات رفض اقتراحاً بإقامة دولة فلسطينية على 96% من أراضي الضفة الغربية.

وفي مناسبةٍ أخرى، أخبر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بأنه سيوافق على دولة فلسطينية تشمل 45-50% من مساحة الضفة الغربية.
وخلال المحادثات في إيلات في مايو (أيار) 2000، طلب باراك من مفاوضٍ إسرائيلي كبير أن يعرض على الفلسطينيين 80% من أراضي الضفة الغربية، بواقع 66% على الفور و14% إضافية بعد عدة سنوات. وأدّى عدم التوصل إلى اتفاق واندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر (أيلول) 2000 إلى تشجيع القادة الإسرائيليين، بمن فيهم باراك، على تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وحَشْر الفلسطينيين في جيوبٍ غير متصلة في أضيق المناطق الممكنة. وتسارع بناء المستوطنات الجديدة وتوسيع القائمة منها عندما أصبح باراك رئيساً للوزراء.
وفي السنة الأولى من فترة ولايته التي استمرت عامين، بُنيت 5760 وحدة سكنية، وفي الربع الأول من عام 2000، زاد بناء المستوطنات بنسبة 80%. وعلى الرغم من أن باراك قَبلَ علناً إنشاء دولة فلسطينية، إلا أنه لم يكن راغباً في قبول سيادتها، بالنظر إلى انشغاله بقضية الأمن. لقد جعلت منظومة السيطرة فكرة الدولة الفلسطينية غير عملية فعلياً بسبب تنمية البنية التحتية، بما في ذلك الطريق السريع العابر لإسرائيل، الذي يمر عبر الضفة الغربية بما يشتمل عليه من تحويلات ونقاط أمنية عديدة.

ثغرات في الردع الإسرائيلي

حتى ثمانينات القرن الماضي، اعتمد المذهب العسكري الإسرائيلي على ثلاثة أركان وضعها ديفيد بن غوريون خلال فترة توليه منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وكانت هذه الأركان هي الإنذار المبكر والردع والحسم.

وهذه السياسة التي سمحت لإسرائيل بتحقيق انتصارات ضد العرب في أعوام 1948 و1956 و1967 و1982.

ومع ذلك، أدّى ظهور حزب الله عام 1985 واستراتيجيته غير المتكافئة في الحرب إلى إلهام تأسيس حركة حماس وحركة الجهاد الفلسطينيتين.

وبعد أن هزمت إسرائيل الجيوش العربية التقليدية، لم تأخذ حزب الله أو حماس على محمل الجد، واعتبرتهما مصدرَ إزعاج أكثر من كونهما تهديداً حقيقيّاً، مما أدى في النهاية إلى تخفيف قبضتها الأمنية.

ترميم الجدار الحديدي

كان هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خرقاً غير مسبوق للأمن الإسرائيلي الذي كان يقوم على عقيدة القوة. واستدعى الهجوم رداً فوريّاً لضمان عدم تكراره مُستقبلاً. ويفسر هذا الانتقام الإسرائيلي المدمر وعزم إسرائيل على القضاء على حماس، وتجاهل الضغوط الدولية لقبول وقف إطلاق النار.
تَرَى إسرائيل أيضاً في فتح حزب الله لجبهةٍ جديدة تضامناً مع حماس تحديّاً آخر لأمنها القومي، وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بالفعل أنها ستقضي على التهديد العسكري من لبنان إلى الأبد.