الإثنين 27 أكتوبر 2014 / 01:47

حوار مفتوح في صندوق مغلق



1-
- كم يشبهُ الانتخابُ الزواجَ ؟!

- وما أوْجُهُ الشبَه؟

- الصمود والتصدّي ، فالزواج هو المؤسسة التي صمدت آلاف السنوات أمام البدائل، وكذلك صندوق الانتخاب، لم تجد الليبرالية والديمقراطية والاشتراكية عنه بديلاً، حتى الديكتاتور الذي اخترع نسبة 99% كان يستند إلى الصندوق وسيلةَ للسفر الديمقراطي إلى الكرسيّ البيروقراطي.

- الرجل والمرأة لم يجدَا غير إعلان الزواج لإدارة الوجود وإنتاج النسل القادر على مدّ الحياة بأسباب مقاومة الذبول وغير القفص الذهبيّ، رغم القضبان والملل وطاحونة الشيء المعتاد ورياح الضجر الذي تعصف في قلب عصفور الحب المقفوص.

2-
- الانتخابات لعبة الحظّ الذي قد يحالف الناخب، وقد يخيّب أمله في الصندوق.

- نعم ، فقد انتخبناه ديمقراطياً متسامحاً يقدّس حقوق الناس، فوجدناه نرجسيّاً منحرفاً، وذا بطانة سيئة، ونوايا أسوأ.

- حدّثتْ زوجةٌ أرادتْ أن تطلّق زوجها: تزوّجتهُ نبيلَ الخلق مبسوطَ اليد، شهماً وفحلاً، يحبّ الرقص، بل إنّنا تعارفنا في حفلة راقصة، وبعد الزواج، وجدته لئيمَ الطبع ومغلولَ اليد، ومغلقَ الفكر، ويعتبر الرقص نقصاً وخفّةَ عقل، والخلاصة: كان صرحاً من خيال فهوى.

- كذلك لم يجد الشعب الخاطب الراغب في الديمقراطية، غير الصندوق وسيلةً الغش والتزوير والغشّ والتزييف والفساد.

- إذنْ لا مناص من التزوير في الانتخابات.

- رغم الرقابة !

- رغم كل أسباب الحراسة حتى لا يتمّ تزوير الأصوات، فالتزييف قد يتمّ علناً في التلفزيون الذي باع الأوهام ووجّه الإعلام وقوْلب الأفهام.

- ولا مناص من الخيانة والخلافات والحلّ يكمن في أكثر من جلسة صُلْحيّة قبل الطلاق.

- وفي السياسة، فإنّ الحلّ هو العودة إلى الصندوق من جديد، وإعطاء الكلمة إلى نواب آخرين لفكّ الارتباط، مع الحبيب الأوّل.

3-
- هل تذهب الشعوب إلى الانتخابات؟

- إذا أراد الشعب أن يخدم أهل السياسة، ويعطيهم صكّ الرضا، ويُجْلِسهم على الكرسيّ.

- يقول السياسي المحترف للشعب: أحبّك يا شعبي العظيم.

- وهل يصدّقه؟

-نعم، ومثلما تصدّق المرأةُ من يعشقها، المهمّ هو أن يبدع في الكذبة عندما يخطب ودّها، ويلحّ على خطيبته، قبل أن يقع في القفص، وتوقّع هي على الزواج.

- هل تذهب الشعوب إلى الانتخابات؟

- قد تجامل الشعوب، وقد تفضّل النوم، ومتابعة الانتخابات، عبر التلفزيون.

4-
- أغلب الذين طلّقوا، تزوّجوا عن حبّ، إذن، من أين يتسلل الطلاق؟

- من عبقرية المَلَلِ، وفَتْوى الرتابة، ومن العِلكة التي ينتهي سكّرها بعد المضغ.

- ولكن كيف تفسر عزوف البعض من الشعب عن الانتخابات السياسية ؟

- مثل العزوف عن الزواج.

5-
- الشعب يضحك على السياسي الذين يضحك عليه.

- الشعب هو البادئ بالضحك.

- ولابد للسياسي أن يضحك في آخر الأمر إذا ابتسم له الكرسي.

-والشعب يبكي وينتحب ويشكو رغم أنه سوف ينتخب من يريد .

- لكنه لا يعرف ماذا يريد ومن يريد! إنّ القائمات كثيرة.

- ولكن الشعب ينتخب من يشاء بعد أن يقع مغشياً عليه من زحمة القائمات.

- وفي لحظة القرف والغثيان، لا يعرف الشعب، بعد ذلك، لماذا يثور على نفسه وهو الذي فعل بنفسه ما يفعل العدوّ بعدوّه.

6-
- المحدّد الأساس هو أن يكون الشعب ناضجاً، وقادراً على الفرز.

- قالت سيدة لأحد السياسيين: أصدقك في كل ما قلته، أصدّق وعودك الكاذبة، ولكن لن أسامحك على عبارة رددتها في خطاباتك أيام الحملة الانتخابية، وكنتَ تخطب ودّ الشعب، أتذكّر كذبتك الفاقعة الصفراء التي لن أغفرها لك، ألَسْتَ القائل: أنتَ شعبٌ ناضج، وواعٍ ومسؤول ومتعلّم.

7-
- الانتخاب ضرورة وطنية حتى وإن كان المترشحون هم دون المطلوب كما يرى البعض، أو هم فوق المطلوب أو بَيْن بيْن، فذلك هم الشعب، ولا أمل في استيراد شعب آخر من أجل الانتخاب، وتلك هي المرحلة التي أنجبتْ أبطالها ونجومها الذين يعجب بهم الشعب أو يسخر منهم.

-المنتَخَبون مثل منتخبيهم، إنتاج شعبيّ صميم من صلب الشعب البهيّ البهيج المثقف الجاهل العاقل الفاسد الشرير الخيّر المتآمر الطالع الواقف الهابط الواقع الطمّاع الكريم الزاهد الشبعان الظمآن المرتوي.

- المنافق الطبيب المريض الحنون الكذاب السخيّ الشريف الفاجر العفيف الفاتن الطيّب المسالم الفاتك العاشق الحقود الرصين الودود الفقيه الضديد الصديق العنيد السفيه البليد النبيه الرشيد العربيد المفيد الكريه العتيد الناطق الحلو الصادق المُرُّ المنافق الفرحان الحُرُّ الحزين البخيل السريع الظريف البطيء المؤدَّب القدّاح المؤدِّب المجنون السخيف المدّاح المشكاك الذبّاح الفتّاك السارق المرتشي الشريف المكّار التقيّ المالح الراقص الصالح الحلو الناقص اللذيذ البذيء المتحضّر المتنوّر البدائي المتعجرف الدنيء السخيف الشريف المحامي.

- الحرامي الذي سوف يصوت يوم الانتخاب ليطلع النواب على شاكلته من الصندوق. وحين يراهم بالعيون في التلفزيون، ويسمعهم بالآذان في الإذاعة، فإنّه يقلب شفتيه في اندهاش من هؤلاء؟ من أين جاؤوا؟ هل هؤلاء يحيون معنا؟ اذا كان الجواب نعم، فأين كانوا؟

ويشكو الشعبُ ويبكي حين يستغرب وهو يسمع أصوات الذين انتخبهم كما يستغرب الأزواج الجدد من بعضهم البعض، أو كما يستمع السكران باندهاش صادق إلى أقواله في لحظة صحو واعتراف.

- ولماذا انتخب الشعب نوابه ثم اشتكى منهم؟

- الشعب، وهو ينتخب، يرى نوابه وهم يخرجون من الصندوق إلى الكرسي وقد تغيّروا بفعل السحر الذي مارسه الكرسيّ تحت القبة في البرلمان.