الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 / 12:46

صبر روسيا بدأ ينفد.. تركيا تخلّ بوعودها في سوريا

أعلنت الفصائل المتحاربة بسوريا في الثاني من أغسطس(آب) الماضي وقف إطلاق النار في إدلب، المعقل الأخير للمعارضة، بيد أن الاتفاق لم يستمر طويلاً، وبعد ثلاثة أيام فقط تم استئناف القتال بين حكومة الأسد والمعارضة.

استنكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة أردوغان لوقف الهجوم على إدلب ووصفه بأنه محاولة لحماية الإرهابيين

ويُلقى الجانبان باللوم على الطرف الآخر في القتال المستمر منذ أشهر وأسفر عن مقتل العشرات وتشريد 450 ألف مدني بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ولكن الباحث نيكولاس مورغان يرى أن ثمة سبباً آخر للعنف يتمثل في كل من تركيا وروسيا، باعتبارهما الضامن الأمني في هذه المنطقة.

ويُشير مورغان، في مقال بموقع "غلوبال ريسك إنسايتس"، أن تركيا وروسيا قد أبرما اتفاقاً من قبل لوقف إطلاق النار في إدلب خلال شهر سبتمبر(أيلول) 2018 حينما تصاعدت المخاوف من قيام الرئيس السوري بشار الأسد بشن هجوم، وكانت تركيا تخشى من تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى حدودها إذا تم الهجوم على مقاطعة إدلب التي يبلغ سكانها نحو مليوني نسمة.

مخاطر أمنية لتركيا
ويوضح الباحث أن الاقتصاد التركي في ذلك الوقت كان يكافح من أجل التعافي، وكان الرأي العام لا يرحب باللاجئين السوريين، فضلاً عن أن إدلب كانت أيضاً موطناً للفصائل الأكثر تطرفاً في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام خليفة جبهة النصرة، وعلى الأرجح أنها كانت سوف تنتقل إلى الممتلكات التركية في الشمال إذا ما تعرضت إلى الهجوم أو حتى تركيا نفسها، الأمر الذي يخلق مخاطر أمنية جديدة بالنسبة إلى أنقرة.

وبموجب الاتفاق الذي تم توقيعه في مدينة سوتشي الروسية، يتم تسير دوريات تركية روسية مشتركة إلى جانب منطقة منزوعة السلاح، وبدورها تقوم روسيا بمنع قوات الأسد من شن الهجوم على المعارضة في إدلب، بينما تسعى تركيا إلى نزع أسلحة الفصائل المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام.

روسيا تطالب باحترام السيادة السورية
ويلفت الباحث إلى أن دمشق طالما رفضت الوجود التركي على أراضيها. ومنذ بدء الهجوم الأخير على إدلب، عمدت قوات النظام السوري إلى التحرش بالقوات التركية عدة مرات من خلال توجيه ضربات بالقرب من مراكز المراقبة، وكذلك الهجوم المباشر على قافلة عسكرية عقب وقف إطلاق النار الأخير.

وعلى الرغم من المزاعم التركية بإبلاغ روسيا في وقت مبكر عن مسار القافلة، إلا أن روسيا نبهت تركيا إلى أن موافقة سوريا ستكون ضرورية لإجراء أي عمليات على أراضيها. وهددت تركيا بأنها لن تتسامح مع أية هجمات ضد قواتها من قبل النظام السوري. وتكمن صعوبة تنفيذ ذلك في مخاطرة عزل روسيا وهي أكبر داعم لبشار الأسد والضامن الآخر لوقف إطلاق النار في إدلب.

ولكن الباحث يلفت إلى أن صبر روسيا مع تركيا بدأ ينفد بسبب فشل الأخيرة في نزع سلاح المتطرفين في إدلب أو حتى طردهم. ومنذ البداية استنكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة أردوغان لوقف الهجوم على إدلب ووصفه بأنه محاولة لحماية الإرهابيين، ولكن لم تكن الانتقادات الروسية حادة بشكل خاص، بل كانت ثابتة ومتنامية.

ودعماً لحليف روسيا في سوريا، طالب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تركيا في وقت سابق بإعادة عفرين إلى سوريا كما وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة وجود تركيا في سوريا بأنه غير شرعي حتى مع الاعتراف بمصالحها في الصراع. وفي أعقاب الأعمال القتالية الأخيرة في إدلب، دعا المسؤولون الروس تركيا إلى بذل المزيد من الجهود لمحاربة المتطرفين، وأكدوا على بيان دمشق الأخير بأنه سيتم استئناف العمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة.

النفوذ التركي مع المعارضة
ويشدد الباحث على أن لروسيا اليد العليا في سوريا بالنسبة إلى تركيا، بسبب تحالفها مع نظام الأسد منذ بداية الحرب وكذلك إيران، وتوفر طائراتها الدعم للقوات السورية، كما أنها وافقت على السماح لتركيا بشن عملية درع الفرات في عام 2016 ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

وتدرك تركيا هذه الحقيقة جيداً ولذلك عندما يتعرض الجيش التركي للهجوم في سوريا، فإن أنقرة تسرع بتوجيه اللوم إلى دمشق فقط، وتدعو روسيا إلى كبح جماح حليفها، ولاشك في أن تركيا ستحافظ على الدفاع عن قواتها في سوريا، ولكن من المستبعد أن تدخل في أي مواجهة مع روسيا.

وفي الوقت نفسه، لا تسعى روسيا إلى إبعاد تركيا بسبب نفوذها مع جماعات المعارضة في إدلب، كما أن الخلاف التركي مع الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا يجعلها أداة مفيدة لروسيا لإحباط الأهداف الأمريكية في المنطقة. وعلاوة على ذلك أعربت روسيا عن معارضتها لأي انفصال لأكراد سوريا، الأمر الذي اعتبرته أنقرة انتصاراً.

ويلفت الباحث إلى أن موقف روسيا إزاء الأكراد يتوافق مع دعمها المعلن لبشار الأسد في ما يتعلق بإعادة توحيد البلاد بأكملها، وهذا يعني منع أي حكم ذاتي للأكراد. ومنذ تورطها في الحرب السورية، تصر موسكو على أنها تسعى للحوار بين نظام الأسد والأكراد. وعقب القرار المبدئي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، اعتقد الأكراد أن بإمكانهم التصالح مع دمشق، خاصة أن قوات النظام السوري سوف تحل محل القوات الأمريكية بسرعة (إذا غادرت) كقوة عازلة ضد تركيا.

خيارات تركيا
ويقول الباحث: "من المستبعد في هذه الحالة أن تظل تركيا قادرة على إرضاء المطالب الروسية في إدلب؛ حيث تركز على حملتها المناهضة لوحدات حماية الشعب الكردية، وعلى الأرجح أنها لن تخاطر بمواجهة مفتوحة مع المتطرفين مثل هيئة تحرير الشام؛ خشية إضعاف وكلائهم أو إثارة انتقامهم بشن هجمات ضد القوات أو الأراضي التركية. ولاتزال هيئة تحرير الشام متمسكة بموقفها الرافض للانسحاب إلى أي منطقة عازلة وتستمر في شن هجمات ضد قوات النظام السوري".

ومع استعداد روسيا لتأجيل استعادة إدلب بالكامل، يقول الكاتب إن على تركيا التوصل إلى خيارات أخرى، خاصة أنها لا ترغب في التورط بشكل مباشر مع نظام الأسد لتجنب خطر المواجهة مع روسيا، ولكن لايزال لديها وسائل للحد من الأعمال العدائية.

وخلال القتال في إدلب، توصلت تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق مبدئي بشأن منطقة آمنة تجعل وحدات حماية الشعب الكردية بعيدة عن الحدود التركية. ورغم أن الصفقة لاتزال بحاجة إلى اللمسات الأخيرة، إلا أن أردوغان الذي هدد كثيراً بشن هجوم ضد الأكراد يبدو راضياً.

التقارب التركي الأمريكي
وبحسب الباحث، ربما يمهد هذا الاتفاق الطريق لتقارب تركي أمريكي لن يصب بالتأكيد في مصلحة روسيا. ولم يتطرق المسؤولون الأمريكيون إلى أي تصادم في المصالح مع تركيا في إدلب، وبدوره دعم أردوغان في الماضي الضربات الجوية الأمريكية ضد نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.

وأعرب المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينييف عن رفضه لخطة المنطقة الآمنة، لأن تركيا والولايات المتحدة ليس لديهما الحق في إنشائها.
ويختتم الباحث بأن تجديد الشراكة الأمريكية مع تركيا يمكن أن يقود إلى تراجع نفوذ روسيا بشكل كبير من خلال استبدال ضماناتها بضمانات أمريكية، وبخاصة مع تصاعد التوتر بين دمشق وأنقرة. ومن شأن هذه الخطوة أيضاً أن تسفر عن تعقيد الجهود المستقبلية لروسيا من أجل استعادة الأسد لشمال شرق سوريا.