صورة مركبة للرئيسين الأمريكيين السابقين رونالد ريغان ودونالد ترامب
صورة مركبة للرئيسين الأمريكيين السابقين رونالد ريغان ودونالد ترامب
الأحد 14 أبريل 2024 / 13:57

كتاب: "الترامبيون" يشبهون "الريغانيين" في السياسة الخارجية

فنّد المديران البارزان في مؤسسة الرأي الأمريكية "أتلانتيك كاونسيل" ماثيو كرونيغ ودان نيغريا حكمة تقليدية في واشنطن وخارجها، تقول إن الجمهوريين منقسمون حول السياسة الخارجية.

الاندماج بين ترامب وريغان يعمل في الواقع على توحيد السياسة الخارجية للحزب الجمهوري


 بحسب وجهة النظر هذه، تمنع مجموعة صغيرة من الجمهوريين في مجلس النواب المشرعين من تمرير مشروع قانون لتقديم مساعدات إضافية إلى أوكرانيا، مما يدل على الانقسام العميق بين الجناح الريغاني التقليدي المؤيد للتدخل الدولي، ضمن الحزب والمعسكر الترامبي الصاعد والمؤيد للحمائية والانعزالية.
مع ذلك، إن الخلافات حول المساعدات لأوكرانيا تشكل استثناء بين الجمهوريين، كما كتب كرونيغ ونيغريا في مجلة "فورين بوليسي".
على مستوى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية والدفاع، يظل الحزب متحداً بشكل ملحوظ. في كتابهما الجديد (نحن نفوز، هم يخسرون: السياسة الخارجية الجمهورية والحرب الباردة الجديدة)، يسرد الكاتبان كيف أن معظم التيار المحافظ في الولايات المتحدة يدعم ما يسميانه اندماج ترامب وريغان في السياسة الخارجية. أخذ هذا الاندماج المبادئ الريغانية التقليدية كالدفاع الوطني القوي والأسواق الحرة والحرية الفردية وحدّثها لتناسب القرن الحادي والعشرين مع سياسات "أمريكا أولاً" للرئيس السابق دونالد ترامب.

اعتراض

قد يعترض بعض المراقبين قائلين إن الاندماج بين ترامب وريغان يشكل تناقضاً لفظياً، بالنظر إلى الاختلاف الشديد بين شخصيتي ووجهتي نظر الرئيسين تجاه العالم. لكن ثمة الكثير من القواسم المشتركة بينهما. كان كلاهما من خارج واشنطن. وكان كلاهما ديمقراطيين واستعراضيين قبل أن يصبحا سياسيين جمهوريين، وقد تعرضا للانتقاد باعتبارهما غير جديين بل متهورين. مع ذلك، أصبحا أكثر الرؤساء الجمهوريين نفوذاً في العقود الأخيرة، ولا يستطيع المرء أن يفهم السياسة الجمهورية اليوم بدون فهم كليهما.

 


لدى المحافظين والتقدميين معتقدات مختلفة بشكل أساسي حول طبيعة النظام الدولي والدور الذي يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تلعبه في الشؤون العالمية. باعتبارهم من المحافظين، يتفق أعضاء جناحي الحزب الجمهوري اليوم على أنه من واجب حكومة الولايات المتحدة أن تعمل على تأمين المصالح الأمريكية في عالم محفوف بالمخاطر. على النقيض من ذلك، يميل التقدميون إلى إعطاء الأولوية للتعاون مع الدول الأخرى لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، مثل تغير المناخ والصحة العامة.

نظرة مشتركة إلى الدفاع

على مستوى السياسة الدفاعية، يشترك المحافظون في التزام أوسع بإظهار الولايات المتحدة ما يكفي من القوة بحيث لا يجرؤ أي خصم على تحديها، من أجل تحقيق هدف السلام. من هذا المنظور، ينبغي استخدام القوة بشكل متقطع وحاسم. يدعم الجمهوريون اليوم الدفاع الوطني القوي ويعارضون ما يعتبرونه الحذر المفرط من جانب إدارة بايدن، مثل المخاوف المفرطة من التصعيد في الحروب الدائرة في أوروبا والشرق الأوسط، كما التدخلات العسكرية الموسعة للمحافظين الجدد.
سنة 1986، قال ريغان نقلاً عن الرئيس الأسبق جورج واشنطن: "إن الاستعداد للحرب هو إحدى أكثر الوسائل فاعلية للحفاظ على السلام". وفي حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2020، ردد ترامب هذه الفكرة قائلاً إن الولايات المتحدة "تحقق مصيرها كصانعة للسلام، لكنه سلام من خلال القوة".

 


وكان تعزيز الدفاع سمة مميزة لرئاسة ريغان، في حين أشرف ترامب على واحدة من أكبر موازنات البنتاغون في التاريخ. وسعى كلاهما إلى إنهاء التدخلات العسكرية غير المتبلورة: ريغان في لبنان وترامب في سوريا وأفغانستان. وعندما هاجم أعداء أجانب مواطنين أمريكيين، أثبت الرئيسان استعدادهما للرد بقوة. في عهد ريغان، أغرق الجيش الأمريكي منصات النفط الإيرانية سنة 1988، بعد أن اصطدمت سفينة حربية أمريكية بلغم في الخليج العربي، وأمر ترامب بقتل الجنرال بفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني سنة 2020، بعد هجوم على قاعدة جوية عراقية تستضيف أفراداً أمريكيين.

ألا يختلف ترامب وريغان بشأن التجارة؟

عندما يتعلق الأمر بالتجارة والسياسة الاقتصادية، قد يبدو ريغان وترامب منقسمين للوهلة الأولى: كان أحدهما يؤيد التجارة الحرة، والآخر يؤيد التدابير الحمائية، أليس كذلك؟ لكن في الواقع، تابع الكاتبان، كان كلاهما يعتقد أن التدابير الحمائية ضرورية في بعض الأحيان لتحقيق التجارة الحرة. فرض ريغان رسوماً جمركية على العديد من شركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك البرازيل واليابان وكوريا الجنوبية والسوق الأوروبية المشتركة. وقال إن "الغرض النهائي" من رسومه الجمركية هو "توسيع الأسواق الحرة والمفتوحة في كل مكان". وأدى هذا النهج إلى ترتيبات تجارية جديدة، بما في ذلك إقناع طوكيو بالحد من الممارسات المشوهة للسوق. ويعتقد ترامب بالمثل، كما أوضح في 2018، أنه "لا يمكن أن تكون لدينا تجارة حرة ومفتوحة إذا استغلت بعض الدول النظام على حساب دول أخرى. نحن ندعم التجارة الحرة، لكنها يجب أن تكون عادلة، ويجب أن تكون متبادلة".
كرئيس، أطلق ترامب حرباً تجارية ضد الصين وفرض رسوماً جمركية على حلفاء الولايات المتحدة، من بينهم كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، مع تحديث الاتفاقات التجارية أيضاً مع شركاء عدة. وأوضح ترامب الدوافع الداعمة للسوق الحرة وراء رسومه الجمركية، فغرد قبل اجتماعه مع رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك جان كلود يونكر: "أسقِطوا كل الرسوم الجمركية والحواجز والدعم! وهذا ما سيُسمى أخيراً السوق الحرة والتجارة العادلة!"

اتفاق على أهم مواضيع السياسة الخارجية

اليوم، يريد الريغانيون والترامبيون "نزع المخاطر" بشكل انتقائي مع الصين وتأمين سلاسل التوريد، حتى مع تفكيرهم بترتيبات تجارية عادلة ومتبادلة مع الدول ذات التفكير المماثل مثل المملكة المتحدة وتايوان. إذا كان هذا يبدو مشابهاً إلى حد كبير لنهج الرئيس الأمريكي جو بايدن، فذلك لأنه احتفظ إلى حد كبير بسياسات ترامب الاقتصادية في هذا المجال، مما يشير إلى شيء من الإجماع الجديد بين الحزبين.
وتمتد الوحدة الجمهورية إلى الإيمان بالاستثنائية الأمريكية، من "المدينة المشرقة على التل" في عهد ريغان إلى رغبة ترامب في وضع أمريكا أولاً. في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري سنة 1984، قالت سفيرة ريغان لدى الأمم المتحدة جين كيركباتريك عبارتها الشهيرة إن الديمقراطيين يميلون إلى "إلقاء اللوم على أمريكا أولاً". واليوم، يسلط التقدميون الضوء على أوجه القصور في الولايات المتحدة، مثل العنصرية المنهجية والتمييز الجنسي المزعوم في الداخل والنزعة العسكرية في الخارج. يتفق 69% من الجمهوريين على أن "أمريكا هي أعظم دولة في العالم"، لكن 37% فقط من الديمقراطيين يوافقون على ذلك.
علاوة على ذلك، يبدو أن أنصار ريغان وترامب يتفقون على أهم قضايا السياسة الخارجية اليوم: يشكل الحزب الشيوعي الصيني أعظم تهديد للأمن القومي الأمريكي. ويتعين على حلفاء الناتو أن يبذلوا جهداً أكبر بكثير للدفاع عن أوروبا. لقد كان الاتفاق النووي الإيراني خطأ، والضغط الأقصى هو النهج الأفضل للتعامل مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. يتعين على الولايات المتحدة أن تمنح إسرائيل حرية أكبر في حربها ضد حماس. سياسة الحدود الأمريكية هي كارثة. وتغير المناخ لا يشكل تهديداً وجودياً إنما مشكلة يجب إدارتها، ولا بد من أن يكون التحول نحو الطاقة النظيفة مدفوعاً بقوى السوق، وليس التدخل الحكومي الصارم.

حتى في أوكرانيا.. ثمة نقاط مشتركة

من هذا المنظور، واضح أن أوكرانيا تمثل نقطة خلاف نادرة ضمن الحزب. يريد الريغانيون إعطاء أوكرانيا كل ما تحتاجه لتحقيق انتصار عسكري حاسم، في حين يريد أنصار ترامب إجراء مفاوضات ووقف فوري لإطلاق النار. لكن حتى هنا، ثمة وحدة أكثر مما تراه العين. يشير جناحا الحزب إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاجم أوكرانيا بينما كان الديمقراطيون في السلطة، وينتقدون إدارة بايدن لفشلها في صياغة استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. فالمحافظون لا يريدون خوض حرب "مهما طال الأمر"، على حد تعبير بايدن في يونيو (حزيران) الماضي. هم يريدون إيقاف بوتين وإنهاء الحرب بسرعة، بطريقة أو بأخرى.
في نهاية المطاف، ربما يتفق الحزب الجمهوري على سياسة متعلقة بأوكرانيا. إن الرؤية الريغانية لتحقيق انتصار عسكري حاسم لأوكرانيا تبدو غير محتملة على نحو متزايد. ولم تزود إدارة بايدن أوكرانيا بالأسلحة التي احتاجتها للفوز منذ بداية الحرب، مما أعطى روسيا الوقت لتحصين دفاعاتها. ومن الصعب تصور حدوث اختراق عسكري في المدى القريب لأي من الجانبين. دفعت هذه الحقائق بعض الجمهوريين البارزين إلى الدعوة لاستراتيجية جديدة تسعى إلى مساعدة الدفاع عن أوكرانيا مع إنهاء الحرب تدريجياً على طول خطوط الاحتكاك الحالية، وهو تقارب وظيفي بين نهج المعسكرين الريغاني والترامبي بحسب الكاتبين.
بالرغم من أن الحزب الجمهوري قد يبدو في حالة من الفوضى، يكشف التحليل الدقيق عن دينامية مختلفة. إن الاندماج بين ترامب وريغان يعمل في الواقع على توحيد السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، وهو لن يختفي في أي وقت قريب.