دمار خلفه هجوم نفذه جيش العدل في سيستان بلوشستان.
دمار خلفه هجوم نفذه جيش العدل في سيستان بلوشستان.
الأحد 14 أبريل 2024 / 13:59

تقرير: الجبهة الشرقية الهشّة لإيران تقوّض موقعها في المنطقة

قال كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا، إن موقع إيران الإستراتيجي في الشرق الأوسط ازداد قوةً بشكلٍ ملحوظ في أعقاب حرب غزة، حتى رغم تفاقم ضعف جبهتها الداخلية في جنوب ووسط آسيا.

إيران اكتسبت ميزة إستراتيجية في الشرق الأوسط لكنها لا تزال ضعيفة داخليّاً


وأوضح الكاتب في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" أن هذين التطورين يأتيان بالتزامن مع اقتراب طهران من المنعطف الأهم على الإطلاق منذ ثورتها قبل نصف قرن تقريباً. فقد يؤدي الانتقال السياسي في الداخل والاضطرابات في المناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان إلى عرقلة الطموحات الإيرانية في العالم العربي وخارجه.
ولفت الكاتب إلى زيادة حدة التوترات في المناطق المجاورة لباكستان مؤخراً بشكلٍ ملحوظ، حيث أسفرَ هجوم شنّه مسلحون سُنَّة في جنوب شرق إيران مؤخراً عن مقتل 5 من ضباط الشرطة. ووقع هذا الهجوم بعد أسبوع واحد فقط من خوض قوات الأمن الإيرانية معركة استمرت 17 ساعة لتحييد مسلحين هاجموا مدينتين منفصلتين في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران.

 

 


وبحسب بيان أصدره الحرس الثوري الإيراني، كان المسلحون يهدفون إلى السيطرة على قواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري في مدينة تشابهار الساحلية المهمة على الخليج العربي، وكذلك في مدينة راسك؛ وكلتاهما تقعان على الطريق السريع الرئيسي الذي يمرُّ عبر المحافظة على طول الحدود مع باكستان. وأعلنت جماعة جيش العدل السنيَّة البلوشية المتشددة مسؤوليتها عن الهجوم.
ولفترةٍ طويلة، نفذَّت جماعة جيش العدل وسابقتها جندالله هجمات على أهداف تابعة للحرس الثوري في محافظة سيستان وبلوشستان، إلا أن وتيرة ورقعة هذه الهجمات زادتا بشكلٍ ملحوظ في السنوات الأخيرة.  وفي الوقت ذاته، شهدت المحافظة أطول وأشرس موجة احتجاجات في عام 2022، وذلك إثر مقتل مهسا أميني على يد شرطة الآداب الإيرانية.

مناخ سياسي محتدم

وقال الكاتب: بلغَ المناخ السياسي درجةً شديدة من الحساسية حتى أنَّ عبد الحميد إسماعيل زهي، أبرز رجال الدين في المنطقة، وجَّهَ انتقادات علنية للإمام خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، خلال خطبة صلاة الجمعة، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية لا يمكن أن تستمر بالقوة العسكرية وحدها.
ويعكس تصاعد وتيرة وحِدَّة هجمات جيش العدل محاولة الجماعة استغلال السخط الشعبي بين أقلية البلوش الإيرانية. فضلاً عن ذلك، يشير توقيت الهجمات إلى أن الجماعة تسعى أيضاً إلى استغلال الصراع الأوسع في الشرق الأوسط، الذي أجَّجَ التوترات بين إيران وإسرائيل وبين طهران وواشنطن.

 التعامل مع جبهتين


وباختصارٍ شديد، تُجبر الهجمات طهران على التعامل مع جبهتين: الأولى تتعلق بالاضطرابات الداخلية، والثانية تتعلق باحتمال نشوب حرب إقليمية. كما أنها تثير الشكوك داخل النظام بشأن وجود دعمٍ خارجي لجماعة جيش العدل، وهو ما يفسر لجوء طهران في 16 يناير )كانون الثاني( إلى خطوةٍ غير مسبوقة تمثلت في قصف صاروخي لملاذ آمن يُزعم أنه لجماعة جيش العدل في إقليم بلوشستان الباكستاني.
وأشار الكاتب إلى أن باكستان تحاول التعامل مع تمردها الخاص بالانفصاليين البلوش، إذ تعتقد الحكومة أنهم يحظون بملاذٍ آمن على الجانب الإيراني من الحدود. ورَدَّت إسلام أباد على الضربة الصاروخية الإيرانية بضربات خاصة بها على أوكار يُشتبه بأنها للمتمردين البلوش على أراضيها في إيران.

 


وفي الوقت نفسه، صعّد الجهاديون العابرون للحدود هجماتهم على كلٍ من إيران وباكستان، مُستغلين الفراغ الأمني في أفغانستان منذ عودة طالبان إلى سدة الحكم في أغسطس )آب( 2021. ونفَّذ تنظيم داعش-ولاية خراسان الإرهابي عدة هجمات في باكستان بالتنسيق مع حركة طالبان الباكستانية المتمردة، والمعروفة باسم حركة تحريك طالبان باكستان.
وبينما تُركِّز حركة "تحريك طالبان- باكستان" على إقامة إمارة خاصة بها في المناطق القبلية الشمالية الغربية الباكستانية، شن تنظيم داعش- ولاية خراسان الإرهابي هجمات داخل إيران، كان آخرها في 4 يناير (كانون الثاني) في محافظة كرمان الواقعة غرب سيستان وبلوشستان مباشرةً. ونظراً لأن جيش العدل، وهو جماعة إسلامية سُنيَّة، يُعارِض الحكم الديني الشيعي في طهران، كما أن تنظيم داعش- ولاية خراسان مُعادٍ للشيعة ومعادٍ لإيران بشدة، فمن المحتمل وجود تنسيق بين الجماعتين. على الأقل، يوحي تزامن هجماتهما وحدوثها في نفس المنطقة الأوسع بذلك.
وتعتبر منطقة الحدود الإيرانية الباكستانية الأفغانية ممراً رئيسياً متعدد الاتجاهات لشبكة من المتشددين والمجرمين المنظمين. ومع استمرار حركة طالبان في عملية تعزيز سلطتها في أفغانستان وبالتزامن مع دخول باكستان مرحلة الانهيار، أصبحت الجبهة الشرقية لإيران أكثر عرضة للخطر. ويمتد قوس انعدام الأمن هذا إلى الشمال الشرقي وصولاً إلى طاجيكستان التي شارك مواطنوها بشكلٍ متزايد في هجمات تنظيم داعش- ولاية خراسان، بما في ذلك الحادث البارز في قاعة الحفلات الموسيقية في ضواحي موسكو.
في ظل ظروف أكثر ملاءمة، ستتيح هذه المنطقة لإيران الفرصة لتوسيع نطاق نفوذها من خلال شيوع لغتها (بما في ذلك لهجتاها الأفغانية والطاجيكية). ولكن بدلاً من ذلك، فإنها تقوض جهود إيران لتحقيق مساعيها التي استمرت عقوداً لترسيخ نفوذها غرباً نحو البحر الأبيض المتوسط والبحر العربي.
في الواقع، يُعدُّ جنوب شرق إيران عنصراً حيويّاً لقدرة طهران على بسط نفوذها في المجال البحري. فهي ميناء رئيس يقع خارج مضيق هرمز، الممر الضيق الذي يحيط بالجزء الأكبر من سواحل جنوب إيران على الخليج العربي.
ويقع ميناء شابهار عند نفطة التقاء خليج عمان بالبحر العربي، وهو منشأة استراتيجية لطموحات إيران في الملاحة البحرية البعيدة. ويُعدُّ الميناء أيضاً ضروريّاً لقدرة إيران على أن تعمل عمل دولة العبور المستقبلية للدول الآسيوية الوسطى غير المطلة على البحر التي تسعى إلى أقصر طريق إلى المياه المفتوحة، وكذلك للهند في إطار محاولتها الوصول إلى أوراسيا من الشرق.


صعوبة التعامل مع الأقليات العرقية


وبالنسبة لإيران، يقول الكاتب، إن التعامل مع الإرهاب مسألة مقدور عليه، أما إدارة الغضب بين أقلية عرقية خلال مرحلة انتقال حساسة للسلطة فهي تهديد أمني أكبر بكثير. ولا تستطيع طهران التسامح مع تدهور الأمن في الجنوب الشرقي مع تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة. فمن شأن عدم الاستقرار في سيستان وبلوشستان أن يشجع أقليات أخرى مثل الأذريين في الشمال الغربي على التمرد.
ورأى الكاتب أن إيران اكتسبت ميزة إستراتيجية في الشرق الأوسط لكنها لا تزال ضعيفة داخليّاً وعرضة للخطر من جهة جبهتها الشرقية.